ترك برس
استضافت العاصمة التركية أنقرة مفاوضات سرية لمدة ثلاثة أسابيع بين أطراف روسية وسورية معارضة، في ظل غياب كامل لإيران واستبعاد للجانب الأمريكي، في حين اقتصر تمثيل المعارضة على الفصائل العسكرية المعروفة بقربها من تركيا، وهي "الجبهة الشامية"، و"حركة نور الدين الزنكي"، و"جيش المجاهدين"، و"حركة أحرار الشام الإسلامية"، و"فيلق الشام"، فيما غاب عنها الائتلاف الوطني السوري والهيئة العليا للمفاوضات.
وكانت صحيفة "لوموند" الفرنسية قد كشفت في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن مفاوضات سرية تجري بين الروس وممثلي بعض مجموعات الثوار في حلب لإعادة تنشيط الخطة المقترحة في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي من قبل مبعوث الأمم المتحدة والتي تقضي بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية وطرد مقاتلي جبهة فتح الشام، حيث أجرى ممثلو المعارضة المسلحة في حلب مفاوضات مع مبعوثين من الحكومة الروسية في العاصمة التركية أنقرة.
وبحسب تقرير نشره "المرصد الاستراتيجي"، قال مسؤول غربي مطلع، إن استراتيجية موسكو التفاوضية تقوم على المزج بين المفاوضات والضغط العسكري لاستنزاف قوات المعارضة السورية المحاصرة في مدينة حلب بعد نفاذ الإمدادات لديها، والمراهنة على انقسامات الفصائل التي بدأت مع بدء الهجوم الأخير على شمال شرقي حلب، في مقابل ضغط كل من طهران ودمشق لدخول حلب الشرقية بأي ثمن كان وتدمير جميع المؤسسات المدنية والعسكرية والمحلية التابعة للمعارضة، وذلك لاعتقادهما أن السيطرة على حلب ستكون هشة وتحت المرمى التركي من مدينة الباب، لذلك تم استهداف مجموعة من الجنود الأتراك في سوريا. كما أن واشطن ليست متحمسة لهذا التفاهم باعتبار أنها أبرز الداعمين للأكراد وقتالهم لتنظيم "داعش".
وتشير المصادر إلى أن أنقرة كانت ترغب لقاء ذلك بعقد "صفقة: حلب مقابل الباب"، إذ إن فصائل عملية "درع الفرات" المدعومة من أنقرة وصلت إلى أبواب مدينة الباب الخاضعة لسيطرة "داعش" شمال حلب التي باتت محاصرة من ثلاثة أطراف، هي "درع الفرات" المدعوم تركيًا، و"قوات سوريا الديمقراطية"، المدعومة أمريكيًا، والقوات النظامية والميليشيات الدعومة إيرانيًا، وفقًا للمرصد الاستراتيجي.
وأشار التقرير إلى أن الأتراك يأملون كذلك بتمدد فصائل "درع الفرات" إلى مدينة منبج التي سيطرت عليها "قوات سوريا الديمقراطية" من "داعش"، وبلعب هذه الفصائل الدور القيادي في تحرير الرقة لطرد "داعش" من عاصمته بدل الاعتماد على "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من أمريكا. لذلك سهلت الاستخبارات التركية مفاوضات فصائل حلب و"درع الفرات" مع الجيش الروسي.
وواجهت هذه المفاوضات معارضة غير معلنة من أمريكا التي تدعم الأكراد عسكريًا واستخبارتيًا، حيث تعمدت إحداث بلبلة في المفاوضات عبر إعلان موافقتها موسكو على خروج جميع المسلحين من شرق حلب، مما أفسد خطة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا التي تتضمن خروج "فتح الشام" فقط، مما قلص فرص التسوية ودفع بالعديد من الفصائل لإعلان رفضها الخروج من حلب.
وكشف الباحث في معهد الشرق الأوسط، تشارلز ليستر، أن التوجيهات الأمريكية بقبول العرض الروسي الانسحاب من شرق حلب وصلت إلى الفصائل عبر غرفة "الموم" في تركيا بعد مفاوضات كيري ولافروف في جنيف.
كما عملت كل من إيران والنظام على إفساد تلك المفاوضات، حيث تحدثت مصادر عن وقوع موسكو في حرج نتيجة قصف طيران النظام مواقع الجيش التركي شمال مدينة الباب، مما دفع روسيا للضغط على إيران عن طريق قصف بلدتي نبل والزهراء، واستمر القصف على مواقع أخرى في جبل عزان والحاضر في ريف حلب الجنوبي، والتي تعتبر المعقل الأساسي للميليشيات الشيعية التابعة لإيران.
وما لبثت قوات النظام والميليشيات الشيعية أن تحركت باتجاه منطقة مساكن هنانو وأحرزت تقدمًا كبيرًا على كامل القسم الشمالي المحاصر، في رغبة منها للحسم العسكري، ردًا على الرغبة الروسية بحل قضية حلب الشرقية عن طريق المفاوضات، ويبدو أن شعور الروس بقوة الدعم الإيراني إلى جنب النظام قد اضطرها لمسايرة توجهات حلفائها مما أفشل المفاوضات.
أما الطرف الثالث الذي عمل على إفساد المفاوضات فيتمثل في وحدات حماية الشعب الكردية المتمركزة في حي الشيخ مقصود والتي قامت بهجوم مباغت باتجاه أحياء عين التل وبستان الباشا والهلك فوقاني وهلك تحتاني، مدعومة بنيران ميليشيات النظام المدفعية والصاروخية، وتمكنت من التقدم والسيطرة على الأحياء المستهدفة والواقعة على الضفة الشرقية من نهر قويق الذي كان حدًا طبيعيًا على مدى سنوات بين مناطق سيطرتها في الشيخ مقصود ومناطق سيطرة المعارضة المسلحة، مكررة بذلك السيناريو القديم ذاته حينما انضمت لعمليات ميليشيات النظام لقطع طريق الكاستيلو، وسيطرت آنذاك على السكن الشبابي و قدمت باتجاه منطقة الجندول، لكن هجومها الأخير كان الأعنف على الإطلاق منذ بدء العمليات العسكرية للسيطرة على الأحياء الشرقية، و أشعلت كل الجبهات المشرفة على الأحياء المستهدفة.
وحاولت المعارضة صدّ الهجوم بكل قوتها ودفعت بتعزيزات إضافية، الأحد و الاثنين، لكنها فشلت أمام حجم النار المقابلة و الأعداد الكبيرة من مقاتلي ميليشيات "حزب الله " اللبناني و الأفغان و "لواء القدس" الفلسطيني و غيرها من الميليشيات التي استخدمت دبابات "تي 92-" المتطورة أثناء دخولها للأحياء و تمشيطها للمناطق التي انسحبت منها المعارضة تباعاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!