عبير نحاس - خاص ترك برس (نُشرت النسخة الأصلية من المقالة في مجلة غيرتشيك حياة التركية)
كنت ما زلت في مرحلة التخطيط مع صديقتي للهجرة نحو ألمانيا بينما أسير بساحة "تقسيم" في إسطنبول باحثة عن مسجد لأداء صلاة الظهر، وجدته في أول الشارع الرئيسي ثم ابتسمت عندما وجدت مسجدا أخر في منتصف الشارع أيضا.
كانت هذه الحادثة كافية لتجعلني أعدل عن قرار الهجرة بشكل نهائي، لأطمئن بأن يعيش أولادي بين مسلمين دون أن أحمل هموم التفكير في ما قد يعانونه في مجتمع يختلف عنهم في كل شيء، واللاجئون فيه بين مندمج فقد هويته الإسلامية و العربية، أو غريب يشعر بالعداء والوحشة نحو ذلك المجتمع.
قررت البقاء في تركيا ونجحت حتى الآن في إصدار كتابي الثاني وأستعد لإصدار الثالث، في حين اتخذت صديقتي قرارها بقوة وهاجرت إلى ألمانيا وبعد أقل من عام أتقنت اللغة الألمانية، وافتتحت مدرسة لتعليم العربية لأطفال اللاجئين، وتخلت نهائيا عن مساعدات الحكومة هناك.
قصص نجاحات السوريين في بلاد اللجوء لا تحصى، وهي ظاهرة للعالم رغم قلة التغطية الإعلامية لها، مقابل القصص المؤلمة والحزينة التي تتفوق بعددها وقوة الحبكة فيها، ولأن الإعلام يسلط الضوء عليها بقوة أيضا فهو يعلم جيدا أن مثل هذه القصص هي ما يجذب القراء بشكل أكبر لأن الإنسان بطبعه يميل إلى قصص التعساء أكثر من قصص الناجحين، فهي تشعره أنه أفضل حالا من أخرين، بينما قد تحبطه قصص النجاح و تشعره بنقصه و تقصيره.
لكن قصص طلاق السوريين في أوروبا بالفعل كانت ظاهرة غريبة وانتشرت بشكل أكبر مما كنا نسمعه في بلادنا قبل الثورة، وهذا ما يثير قلق المجتمع و خوفه.
حوادث قتل للزوجات والأولاد أيضا انتشرت وبقوة، وكان أخرها حكاية الشابة "حسناء الأشتر" التي نالت من قاتلها أكثر من عشرين طعنة
ويعتقد أن القاتل هو زوجها وأن السبب هو رغبتها في الانفصال.
أم سورية أخرى قتلت طفليها طعنا قبل أن تقدم على محاولة انتحار و السبب مشكلات عائلية..
وأخر رمى أطفاله من النافذة أثناء عراك زوجي، فما حكاية قصص الأزواج السوريين.
الحقيقة أن كل قصص الطلاق التي حدثت لا علاقة لها بالهجرة، وأن التفكير فيها كان يبدأ من أرض الوطن، وقبل الهجرة، وكل ما في الأمر أن الظروف في البلاد الأوروبية تساعد المرأة على اتخاذ قرارها، وتعينها تحمل أثاره وتبعاته، في حين لا يساعدها عليها مجتمعنا العربي أو الشرقي، الذي يقدس التقاليد مبتعدا كل البعد عن حقيقة الدين وروحه العذبة.
ففي مجتمعاتنا الشرقية يمارس الرجل العنف على زوجته وأسرته دون أن ينظر للأمر وكأنه خطأ، أو حتى ذنب يعاقبه عليه الخالق عز وجل، بل ويعتبر أن تأديب المرأة من حقه، ومن مكملات الرجولة، ومما تدعو إليه القوامة التي منحه إياها الدين.
وتجد أيضا أن المرأة تتقبل هذا في أحيان كثيرة، ولا تعتبره مشكلة تستحق الانفصال، لأنها نشأت أصلا بين يدي أم معنفة، ويساعد المجتمع الرجل كثيرا في ممارساته، يحدث هذا بطرق كثيرة تبدأ في أن يكون أهل الزوجة هم أول من يقنعها بأن ممارسة العنف هو حق من حقوق الزوج ويدعوها للصبر، وكذلك المجتمع عندما يخيفها من كلمة مطلقة، وهي تعني إمرأة منبوذة.. ومضطهدة.. وسمعتها سيئة، أو أنها فاشلة على الأقل لأنها لم تتمكن من الاحتفاظ برجلها، أو لم تتمكن من الصبر كما يجب على قسوته وعنفه.
عندما تصل العائلة نحو أوروبا تبدأ الحكاية بحصول المرأة على حساب بنكي منفصل عن زوجها و يصل راتبها من الحكومة إلى حسابها، فتشعر بأنها إنسان حقيقي كامل غير تابع ولا ناقص الأهلية كما كانت تعامل من قبل، ولا فرق بينها و بين الرجل الذي كان يتسلط عليها، و يمن عليها بنفقته و يؤذيها دون شفقة لأنه يدرك جيدا حاجتها إليه، ومن ثم تبدا أسئلة المختصين عن كونه يمارس العنف معها، أو مع أفراد أسرته، مع التطمينات بأنها لو أرادت الانفصال فسيكون الأولاد معها، وستأخذ ما يكفيها و يكفيهم من المال، و هو ما لم يسأله أحد للزوجة من قبل و لم يهتم لوجعها منه أحد، وبهذا يفقد الرجل كل الأسلحة التي سلطها على زوجته واستباح بها لنفسه ممارسة العنف معها وهي: "الحاجة المادية، وسلطة المجتمع الذي يقمع المرأة المنفصلة".
تبدأ عند الرجل هنا مرحلة الذهول، فمن اعتاد أن يتحكم بأسرته، وأن يكون الآمر الناهي، رافضا أي نقاش أو تقصير منهم في تنفيذ أوامره، وجد نفسه فجأة خارج مملكته، وبعيدا عن عرشه، ومن كان يعتبرهم ملكية خاصة له، فتبدأ الحلول تتوارد إلى مخيلته، وغالبا يأتي الحل عنيفا يشبه العنف الذي تعيشه بلادنا.
و أما عن نسبة ممارسة العنف ضد المرأة في سوريا فقد أشارت دراسة للهيئة السورية لشؤون الأسرة حول العنف الأسري
أن الصفع أو الضرب أو اللكم، وهو ما تتعرض له نسبة كبيرة من النساء المشمولات بالدراسة، حيث قاربت النصف (45%).
وأن الأسرة الوالدية والزوج في الأسرة الزواجية هم المصادر الأساسية للعنف الأسري الواقع على الأنثى.
وأن أكثر أساليب العنف النفسي التي تتعرض لها المرأة انتشاراً، هي: أولاً الصراخ والتوبيخ، وثانياً الانتقاد والسخرية والتجريح، وثالثاً الشتم والبصق، ورابعاً الوصف بقلة العقل، وخامساً المقارنة السلبية بالأخوة أو بالغير.
وأن سبع من كل عشر نساء يتعرضن للصراخ والتوبيخ، والغالبية منهن يتعرضن لمثل هذا السلوك العنفي بشكل متكرر.
كما أكدت حوالي (48.8%) من النساء اللواتي أجريت عليهن الدراسة أنه لا يمكنهن مغادرة المنزل دون أن يرافقهن أحد أفراد الأسرة، وتمنع أربع نساء من بين كل عشر من العمل خارج المنزل، وست من بين كل عشر نساء تقيد حريتهن بالمنع من الخروج من المنزل، وبنفس المقدار تقريباً (56.3%) يلزمن بالعمل المنزلي.
وعند سؤال النساء اللائي لم يسبق لهن الزواج حول الجهة المسؤولة عن القيام بالأعمال اليومية داخل المنزل، اتضح، وكما هو متوقع، بأن كل الأعمال ذات الصلة بالتنظيف والطبخ والعناية بالأطفال تقع على عاتق الإناث حصراً.
وقالت الدراسة أن الزواج الحالي لم يكن محض قرار أكثر من نصف المتزوجات أو اللواتي سبق لهن الزواج (46.3% من أصل 81.8%).
حالات الطلاق لم تظهر زيادات في أعدادها في بلدان أخرى مثل لبنان، أو الأردن، أو مصر، أوغيرها لأن الظروف كانت متشابهة، ولم تجد المرأة السورية أن الخيار بيدها في تلك البلدان كما وجدته المهاجرات نحو أوروبا، وما زال الرجل والمجتمع يمارسان دورهما في تقييد قرارات المرأة.
وما زلت أذكر عندما سألت إحدى صديقاتي وكانت على وشك الطلاق في سوريا، ثم هاجرت وحدها إلى ألمانيا، وتستعد للم شمل زوجها معها، وكان يأكل مالها و يؤذيها، فقلت ممازحة: و لماذا ستأتين به؟!.. فقالت: "هنا الأمر مختلف لو فعل شيئا ستكون الشرطة له بالمرصاد".
فما الحل إذن؟!
الحال بالتأكيد يشمل الكثير من الأزواج، ولا يخص الشعب السوري أو المهاجر فقط، وهو بالتأكيد يبدأ من البيت، ومن نظرة الزوج لنفسه و لزوجته و أسرته، فلا يرى لنفسه فضل أو سلطة مطلقة تمنحه الحق بأن يؤذيهم أو يعكر صفو حياتهم ، ولا يعتقد أنها منحة ربانية له بالتأكيد، فقد سبق وأجريت دراسات كثيرة تحكي أن تأديب الرجل للزوجة الناشز فقط و أن النشوز هو "مقدمات الخيانة" فقط، و أما ما فسره البعض على هواهم بأنه عقاب للمرأة على تقصيرها في أعمال المنزل أو طاعته فليس بصحيح، وأيا من علماء المسلمين لم يثبت ولم يقل يوما أن العمل المنزلي هو من واجبات المرأة وحدها، بل هو تفضل منها و تكرم، ومن واجب الاثنين معا، و أن الطاعة واجبة عليها دون أن تكون سببا في أذيتها وظلمها، وجعلها تفكر كل ساعة بالهروب من هذا الألم، والبحث عن حلول يعرضها عليها الأوروبيين، و يظهرون كرحماء و منصفين، في حين أن الرحمة هي صفة المؤمنين فيما بينهم..
الحل إذن أن: "يسود الود والرحمة قلوب الأزواج فتكون المرأة حرة ومستقلة وتبقى مع زوجها".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس