جلال سلمي - خاص ترك برس
عززت الخلافات المتنامية بين تركيا والغرب نظرية بحث تركياعن بديلٍ لها، فطرحت بعض الجهات روسيا على أنها البديل المثالي والوحيد لتركيا، فهل تستطيع أن تكون روسيا، فعلًا، حليفًا قويًا بالنسبة لتركيا على الصعيد الإقليمي والدولي؟
تجيب على التساؤل المطروح أعلاه، الخبيرة الاستراتيجية "سلفا تاور" التي تشير، في مقدمة مقالها على موقع الجزيرة ترك، إلى أن الهدف الأساسي لتركيا في السنوات الأولى من تأسيسها، كان يتمحور حول تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي والعسكري التام، موضحةً أن تركيا لم يتسنّى لها الوصول إلى تحقيق ذلك الهدف، نتيجة موجة الحرب الجديدة التي أصابت العالم تحت مسمى "الحرب العالمية الثانية".
وتوضح تاور في مقالها أن تركيا استطاعت تخطي الحرب بمناورات دبلوماسية ناجحة، إلا أنها سرعان ما اصطدمت بسياسة ستالين التوسعية، ولمقاومة هذه السياسة التي كشفت الضعف الاقتصادي والسياسي والعسكري لتركيا، اضطرت الأخيرة للاتجاه نحو التحالف مع بريطانيا والولايات المتحدة اللتين كانتا تشكلان في حينها "التحالف الغربي".
وأكمل مندرس المشوار الذي بدأته حكومة إينونو عام 1945، بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" عام 1952، إلا أن تاور تؤكد أن شروط ذلك التحالف السياسية والعسكرية والاقتصادية أعاقت إنجاز تركيا لمصالحها المركزية، ونموها الاقتصادي، وأمنها القومي وفقًا لتخطيطات استراتيجية.
تحولت شروط التحالف إلى سجن يعيق أي تحرك مستقل لتركيا التي ما إن حاولت قطع سبيل مستقل، طبقًا لتاور، حتى اعترضت بمضاربة اقتصادية غربية عبر سحب العملة الأجنبية واتهام المنظمات الاقتصادية الدولية لتركيا بالضعف الاقتصادي والفشل، أو إجراءات سياسية تجلت في فرض حصار سياسي واقتصادي وأمني مباشر أو غير مباشر، وبالرغم من هذه الإجراءات السلبية، حاولت تركيا البقاء في إطار التحالف الغربية رغبةً في إيجاد مرتكز يُعتمد عليه ضد التهديدات السوفييتية "الروسية".
وعقب انتهاء الحرب الباردة، حولت التطورات الدولية روسيا من تهديد يدك مضاجع تركيا إلى شريك اقتصادي استراتيجي تجمعه معها العديد من الفرص التجارية والاقتصادية، ووفقًا لتور، فإن تركيا لم تتخلى عن تحالفها مع الولايات المتحدة، متبعةً سياسة توازن القوى في ذلك، إلا أن محاولة الانقلاب الفاشلة دفعت بتركيا نحو إعادة حسابتها، مقتنعةً بأن التحالف الغربي لم يعد مجديًا ولا بد من بديل له.
وتوضح تاور أن تركيا أمام منعطف تاريخي يتجه صوب تحرك تركيا وفقًا لدبلوماسية تنويع الحلفاء دونما الركون لحليف واحد، منوّهةً إلى أن الهجوم الغربي ضد الحكومة التركية عقب محاولة الانقلاب، بدلًا من تقديم الدعم لها، ليس السبب الوحيد في دفع تركيا للتحرك بذلك الاتجاه، بل إن التخاذل الغربي، خاصة الأمريكي، في محاربة الإرهاب، والفرص الاقتصادية التي قد تغمر تركيا جراء تغيير منحى تحركها، عاملان يحسبان في قائمة العوامل التي تحفز تركيا على ذلك.
وفيما يتعلق بحجم قوة روسيا لتمثل بديلًا لتركيا عن القطب الآخر، تبين تاور أن القدرة على توجيه الأحداث، وموازنة التحركات الدولية، وتحديد القواعد والقوانين السياسية والاقتصادية الدولية تُعد المعيار الأساسي في تحديد حجم قوة الدولة في تحقيق مصالحها، مشيرةً إلى أن مؤسسة الاقتصادي السياسي الدولي "سوزان سترنج" تقاس قوة الدولة على الساحة الدولية وفقًا لأربع محددات؛ القدرة الأمنية، المعلومات والتكنولوجيا، الإنتاج والتجارة، المال والقدرة التمويلية، مطلقةً عليهم اسم "القوة الهيكلية".
وطبقًا لما توضحه تاور، فإن سترنج تؤكد أنه لا بد من تواجد هذه العناصر المذكورة آنفًا مجتمعة من أجل أن تصبح الدولة قادرة على توجيه مسار الأحداث الدولية بشكل يلائم مصالحها القومية، مشيرةً إلى أنه من ناحية معيار "الأمن"، لا يمكن اعتبار روسيا التي تتبع سياسة "هجومية" ضد المناطق التي تعرفها على أنها "المحيط القريب" منذ 8 سنوات، لا يعني أنها دول قوية بما فيها الكفاية لتوجيه مسارات الحل على صعيد الساحة الدولية، فالسياسة الأمنية لا تعني "الهجوم" فقط، بل يجب أن يرافقها سياسة دبلوماسية ناعمة ومؤثرة، وهذا ما تفتقر إليه روسيا التي استطاعت تحقيق نفوذ في المناطق "القريب" في ظل سياسة أوباما "الانسحابية" على حد وصفها، متسائلةً إن كانت الإدارة الأمريكية الجديدة نشطة وتسعى لاسترجاع نفوذها السياسي والعسكري هل تستطيع روسيا مواجهتها بفاعلية ومراوغة دبلوماسية فاعلة؟
وتلمح تاور إلى أن روسيا فتحت صناعتها العسكرية للخصخصة أمام الشركات الأجنبية عام 2007، والمضحك في الأمر أن أغلب هذه الشركات أمريكية أو مقربة من الولايات المتحدة، فهل ذلك يعني بأن روسيا قادرة على تطوير ترساناتها العسكرية دون عرقلة أمريكية؟
وعن معيار "المعلومات والتكنولوجيا"، فتقول تاور إن روسيا تكابد مشكلة عدم تنوع المصادر الاقتصادية، فهي تعتمد بشكل أساسي على الوقود الأحفوري، ومن ثم الصناعات العسكرية، أما الصناعات الأخرى فهي تكاد تكون معدومة في روسيا، وإن وجدت فليس هناك التطور المعرفي والمعلوماتي، والتوجيه السياسي المؤسساتي، وأبحاث التطوير، والكوادر البشرية، وبراءات الاختراع الكافية.
وبالولوج إلى المعيار الثالث "الإنتاج والتجارة"، تذكر أن الافتقار الروسي لإنتاج بضائع بعلامات مسجلة واضح، أما التجارة فهي لا تسيطر على أي منفذ بحري مهم للتجارة، وحتى غير قادرة على تحديد أسعار النفط والغاز الطبيعي بالرغم من الحجم الهائل الذي تمتلكه من الصنفين، مبينةّ أن الاهتزاز الذي تعرض له الاقتصاد الروسي المعتمد اعتمادًا شبه كلي على صادرات النفط والغاز، عقب تخفيض الولايات المتحدة لأسعار النفط كان واضحًا جدًا.
وأخيرًا، ترى تاور أن روسيا تعاني فيما يتعلق "بالمال والتمويل"، موضحةً أنه يُتوقع من القوة العظمى أن تكون قادرة على إدارة نظام التمويل العالمي بشكل كامل أو جزئي، إلا أن المتابع لنظام الاقتصاد العالمي يدرك أن روسيا تمتلك أحد العملات المهتزة ومعدومة الثقة على صعيد عالمي.
وتختم تاور مقالها بالإشارة إلى أن على تركيا عدم الركون إلى التعاون مع روسيا فقط، فإذا كان لا بد من تنويع الحلفاء، فهي الصين ذات القوة العسكرية، والاقتصاد الثاني على صعيد عالمي، وذات الصيت التجاري والتكنولوجي الوهاج، والممول الثاني لمشاريع ضخمة حول العالم، أيضًا يمكن رفع وتيرة التعاون مع دول وسط آسيا، وتسريع الخطى نحو تحويل الموقع الاستراتيجي لتركيا إلى مركز عالمي لصنابير نقل الغاز حول العالم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!