أ. محمد حامد - خاص ترك برس
استبعد معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي عودة التعاون العسكري والسياسي الوثيق بين تركيا وإسرائيل في المستقبل القريب في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، متوقعا أن لا يتجاوز التعاون بينهما حدود العلاقات الدبلوماسية الباردة والعلاقات التجارية.
وفي ورقة تقدير استراتيجي تضمنها العدد الأخير من مجلة عدكون استراتيجي وأعدها الباحث آري هايستين، نوه المعهد إلى أن أنقرة وتل أبيب ليس لديهما دوافع لتوثيق العلاقات بينهما عسكريا وسياسيا نتيجة اعتبارات أمنية مختلفة.
وعرض التقدير لتاريخ التعاون بين البلدين في العصر الذهبي خلال عقد التسعينيات الذي استند إلى المصالح المشتركة التي اتحدت في سوريا، فقد كانت تركيا ترى أن دمشق تهدد أمنها بتقديمها الدعم لحزب العمال الكردستاني الذي شن حرب عصابات على تركيا، أما بالنسبة إلى تل أبيب فكانت تركز على التهديد الذي يمثله حزب الله والجيش السوري.
ونوه التقدير إلى أن سياسة أنقرة تجاه تل أبيب تأثرت تأثرا كبيرا بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي حتى عندما كانت الحكومة التركية متمسكة بالعلمانية الصارمة وقبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، فعندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية القدس الشرقية والغربية عاصمة موحدة لإسرائيل خفضت تركيا بعثتها الدبلوماسية، لكنها استأنفت العلاقات الدبلوماسية الكاملة بعد مؤتمر مدريد للسلام، وحاولت لعب دور في التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين.
وقد أثمر التعاون التركي الإسرائيلي في فترة ما قبل العدالة والتنمية عن عدة نتائج، أولها أنه سمح بتبادل المعلومات الاستخباراتية، ومنحت إسرائيل لتركيا مدخلا إلى مجالها الجوي مما حسن من قدرة الجيش الإسرائيلي على جمع المعلومات عن سوريا والعراق وإيران، وثانيا زودت إسرائيل تركيا بالأسلحة المتطورة التي احتاجت إليها لمواجهة حزب العمال الكردستاني بعد رفض أمريكا والحكومات الغربية، وثالثا أن هذا التعاون دفع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد إلى تسليم عبد الله أوجلان زعيم العمال الكردستاني إلى تركيا عام 1998 نتيجة خشيته من التحالف التركي الإسرائيلي، وأخيرا زاد حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب إلى عشرة أضعاف من بضعة ملايين إلى مليار دولار في عام 2000.
على أن التعاون شهد تراجعا في الألفية الجديدة مع تراجع الاهتمام التركي بالتهديد السوري بعد تسليم عبد الله أوجلان، كما أن انهيار عملية السلام في عام 2000 جعل تركيا تشعر بعدم الارتياح تجاه إسرائيل، ثم ازداد التوتر بين أنقرة وتل أبيب في عام 2008 بعد العدوان الإسرائيلي على غزة الذي عرف بعملية الرصاص المصبوب، ووصلت العلاقات إلى الحضيض في عام 2010 بعد استيلاء البحرية الإسرائيلية على السفينة التركية مافي مرمرة التي كانت في طريقها إلى غزة وقتل عشرة أتراك كانوا على متنها.
ويشير التقدير إلى أن المحادثات المتعثرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشأن انضمامها لعضوية الاتحاد كان لها عواقب سلبية على العلاقات التركية الإسرائيلي، أولها أن الإصلاحات التي طالب بها الاتحاد الأوروبي شملت اتخاذ إجراءات في اتجاه الديمقراطية، ما يعني إضعاف نفوذ الجيش في السلطة، وهي القوة التي سعت إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل، وثانيا أن إخفاق انضمام تركيا إلى الاتحاد جعلها تدير ظهرها للغرب وتبحث عن دور بارز في الشرق الاوسط، وتتبنى سياسة معادية لإسرائيل.
مـسـتـقـبـل الـتـعـاون الـتـركـي الإسـرائـيـلـي بـعـد الـمـصـالـحـة
وفيما يتعلق بمستقبل التعاون التركي الإسرائيلي بعد توقيع اتفاق المصلحة بينهما في يونيو/حزيران العام الماضي رأى التقدير أنه لا يتوقع أن يتجاوز إصلاح العلاقات الدبلوماسية الباردة والعلاقات التجارية، وذلك بسبب عدة عوامل:
الأول أن لدى إسرائيل وتركيا أولويات مختلفة تتعلق بالأمن، ففي حين ما يزال التحالف بين إيران وسوريا وحزب الله يمثل أكبر تهديد أمني لإسرائيل على المدى القصير، فإن الموقف التركي من هذا الحلف قد خفت حدته بسبب المخاوف التركية من التوسع الكردي في شمال سوريا. وعلى الرغم من أن تركيا تنظر إلى إيران بوصفها منافسا إقليميا فإنها تولي أهمية كبرى للقضية الكردية.
العامل الثاني يرجع إلى موقف البلدين من جماعة الإخوان المسلمين، ففي حين تعدها إسرائيل تهديدا أمنيا خطيرا ، تحافظ تركيا على علاقات وثيقة مع الجماعة وأفرعها في الدول العربية وخاصة حركة حماس في غزة. ورأى التقديرأن التوتر بين إسرائيل وتركيا بشأن طرد حماس من تركيا سيظل قائما لأن تركيا لم تف بتعهدها في اتفاق المصالحة في هذا الصدد، وبالمثل سيستمر الخلاف بينهما فيما يتعلق بالإخوان المسلمين ونظام السيسي في مصر.
وإلى جانب هذين العاملين يشير التقدير إلى أن القيادة السياسية التركية عمدت بعد محاولة الانقلاب العسكري الساقط إلى إقالة عدد كبير من جنرالات الجيش، ونقل تعيينات قادة الأفرع الرئيسة من رئيس الأركان إلى القيادة السياسية ما يعني إضعاف من كانوا أساس تعزيز التعاون الإسرائيلي التركي في الماضي.
وبحسب التقدير فإن التعاون الاقتصادي بين أنقرة وتل أبيب لن يكون حافزا لتحسين العلاقات بينهما، لأن ازدهار التجارة لا يحتاج بالضرورة إلى علاقات سياسية وأمنية وثيقة، فبعد خمس سنوات من حادثة السفينة مافي مرمرة تضاعف حجم التجارة بينهما ووصل إلى 6.5 مليار دولار.
وخلصت الدراسة إلى أنه لا يوجد لدى إسرائيل وتركيا دافع مباشر لتوثيق العلاقات بينهما سياسيا وعسكريا نتيجة اعتبارات أمنية مختلفة وإمكانية تعزيز التعاون التجاري دون الحاجة إلى تحسين العلاقات على المستويات الأخرى، صحيح أن البلدين استعادا العلاقات الكاملة لكنها ستبقى علاقات باردة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!