علي خيري - خاص ترك برس
الشباب تلك المحطة العمرية التي يتمنى الجميع لو بقي فيها للأبد، وللأسف فالإنسان لا يعرف قيمتها إلا عندما يغادرها أو يوشك على مغادرتها، وعندما يغادرها فعلا يحاول الهروب من جدران السنوات التي تفصله عنها مستعينا في ذلك بأدوات هي في الواقع لا تغنى عنه شيئا، فكل أصباغ الشعر وأدوية النضارة والفتوة، أخترعت في الأساس لتصبح معاول تهدم في جدران السنوات الفاصلة عن الشباب.
مجلدات وأشعار في مدح الشباب، وكيف أن الأمم لا تنهض إلا بهم وبتضحياتهم، لكن على الرغم من كل هذا الكلام الجميل، إلا انني لا أستطيع معرفة سر عداء الأنظمة الاستبدادية للشباب، فهي في الغالب ترى فيهم العدو الأول.
هل يكون السبب أن معظم رؤوس هذة الأنظمة ممن تعدت أعمارهم سن الخروج على المعاش؟ ، هل يرى طواغيتنا أن الشباب عادة ما يكون أرعن وأهوج ومن المستحيل أن يصل الى الحكمة التي أكتسبها الطاغية المسن عبر سنين عمره المديد، أظن أن هذا ممكن.
ولكن السؤال هنا طالما أن طاغيتنا المسن يرى الشباب حلة الطيش والتهور، فلما يصمم على الظهور بمظهرهم؟!!، لأنك من المستحيل أن ترى في رأس الطاغية فيهم شعرة بيضاء، والبعض منهم لجأ مؤخرا الى عمليات التجميل التى لا يقوم بها إلا نجمات هوليود.
أم هل يكون سبب هذا العداء أن الشباب يعشق الحرية، والطاغية لا يرى في نفسه إلا سور محيط بالبلد التى يحكمها، قد يرى هو أنه السور الذي يحصنها من الفوضى والتخريب، بحكمته وحنكته التي يراها متوفرة جدا في رأسه الأشيب المغطى بالصبغة، وبالطبع الشباب هم من يصطدمون في الغالب بهذا السور الذي لا يرون فيه اكثر من قيد على حريتهم وابداعهم وخدمة اوطانهم.
لا أعرف في الواقع إن كان عداء الأنظمة الاستبدادية راجع إلى سبب واحد من هذة الأسباب، أم أنها تتجمع في الرؤوس الشيباء التي تحكمنا، لتوجد هذا العداء المستحكم للشباب، ولكن ما أعرفه وأتيقن منه أن أوطاننا هي الخاسر الأكبر من هذا العداء.
ولكن عزيزي الحاكم المستبد، دعني أوجه لك النصيحة التي لا أبتغي بها إلا الصلاح والنماء لوطني، وقد تستفيد انت منها - وهذا ما لا أتمناه في الحقيقة ولكن إن ساندك الحظ واستفدت فماذا نفعل.
أنصحك عزيزي الحاكم المستبد بأن تخلى بين الشباب وبين أوطانهم، خلى بينهم وبين الناس، فإن فعلت - ولا أظنك بفاعل - فصدقني أنك لن تلاحق على الخير العميم الذي ستفيض به ربوع بلدك الذي سيصبح سعيد، فالشباب مستعد أن يقلل ساعات نومه، أن يضاعف من ساعات عمله، من أجل إطعام جائع أنت السبب الرئيسي في جوعه، وعلاج مريض لم تضع في بالك أن توفر له العلاج.
الشباب قادرون على تعمير الأراضي التي حولتها أنت الى خراب، قادرون على تحقيق أحلام الشعب التي يراها كما يرى العطشان السراب،الشباب قادرون فخلوا بينهم وبين الناس.
ولكن الكارثة أنك لن تترك للشباب حتى هذة المساحة، مساحة العمل في خدمة أهلهم، والسهر على راحتهم، لأنك ستخاف أن يقول الناس وقتها، لماذا لا يحكمنا هؤلاء، خلوا بيننا وبينهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس