ترك برس
وصف الخبير الروسي والدبلوماسي السابق، بيوتر ستجيني، الاستفتاء الدستوري في تركيا في شهر أبريل/ نيسان القادم بأنه حدث بالغ الأهمية في التاريخ التركي، وسيؤثر في الوضع السياسي في محيط تركيا والشرق الأوسط بأسره، مضيفا أن الاستفتاء ليس مجرد إصلاح نموذج حكومي، من الجمهورية البرلمانية إلى الجمهورية الرئاسة. بل هو أيضا تحول في التجربة السياسية التي جمعتها تركيا في القرن العشرين.
وقال ستجيني في حوار مع موقع المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز بحثي أسسه الكرملين إن التحول الدستوري في تركيا هو عملية اجتماعية مؤلمة، وهذا واضح من محاولة الانقلاب الساقط في يوليو/ تموز. ولهذا السبب من السابق لأوانه التنبؤ بالعواقب على مستوى المنطقة أو على نطاق أوسع، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بعد نتائج الاستفتاء، وآمل أن تدعم أغلبية الأتراك مسيرة أردوغان.
وأرجع الخبير الروسي سبب الخلاف بين تركيا وعدد من الدول الأوروبية إلى سياسة التعددية الثقافية التي لا تزال تهيمن على السياسة الاجتماعية الأوروبية، مشيرا إلى أن رد فعل بعض القادة الأوروبيين تجاه سعي القيادة التركية للتواصل مع الجاليات في الخارج ترجع إلى سوء الفهم والعداء وعدم الاستعداد لقبول خصوصيات الآخر، اعتقادا بأن البلدان الشرقية والأوراسية لديها ثقافة مختلفة، وربما طريقة مختلفة في التفكير والسلوك. وحقيقة أن أوروبا تنظر إلى هذه الاختلافات على أنها غير ديمقراطية تثبت أنها ليست مستعدة لأشكال أكثر تنوعا من الديمقراطية.
ورأى ستجيني الذي عمل سفيرا فوق العادة ومفوضا للاتحاد الروسي في تركيا حتى عام 2007، أن أسباب التوتر التقليدية بين موسكو وأنقرة مثل السيادة على البحر الأسود والقضية الكردية، والحدود الشرقية لتركيا قلت حدتها عن الماضي، وأن هناك آفاقا جديدة للعلاقات بين البلدين.
وقال إن التعاون التجاري والاقتصادي سيعيد العلاقات الروسية التركية إلى ما كانت عليه قبل أزمة إسقاط الطائرة الروسية في عام 2015 ، مشيرا إلى أن الاقتصاد والتجارة هما القوة التي تقود قاطرة العلاقات بين روسيا وتركيا.
وإلى نص الحوار:
- في سياق النقاش الدائر حول الوضع الحالي وآفاق تطوير العلاقات بين روسيا وتركيا، قلت إن العلاقات الروسيةالتركية لديها إمكانات لا تنضب. ما هي مجالات التعاون المأمولة في رأيك، وهل يمكن لأي منها أن يساعد البلدان على تجنب تكرار صدامات حرجة في المستقبل؟
كنت أتحدث عن الشروط المسبقة الموضوعية للتقارب والتعاون بين روسيا وتركيا في مختلف المجالات. ومنذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا قبل 12 عاما، كان هناك عدد من المقدمات لتوجيه العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد كليا. وكانت العلاقات بين روسيا وتركيا تتطور بطريقة مثيرة للاهتمام في عقد التسعينيات، عندما كانت الأحزاب التقليدية في السلطة. بيد أنه بات واضحا في عام 2003 أن هناك اختراقا نوعيا في تطور العلاقات.
إن أسباب التوتر التقليدية في العلاقات بين البلدين هي السيادة على البحر الأسود، وقضية الحدود الشرقية التركية، والقضية الكردية، التي لم تعزز التفاهم المتبادل العميق. لكن هذه القضايا قلت حدتها عن الماضي، وظهرت ظروف جديدة.
وفي بداية القرن الحادي والعشرين، كانت روسيا وتركيا من البلدان القليلة على الساحة الدولية اللتين كانتا تتمسكان بوضوح بمبدأ السيادة الوطنية، مع استمرار جميع التقلبات الدولية، وكان لديهما موقف واضح لتطوير مسارهما الخاص بالسياسة الخارجية وإيجاد مكانهما الخاص سواء في توزيع العمالة الاقتصادية في المجتمع العالمي أو في الهيكل الجديد للنظام العالمي الجديد الذي ظهر بعد انتهاء الحرب الباردة في عام 1991.
وعندما تولى حزب الرئيس رجب طيب أردوغان السلطة، انتقلت هذه العوامل إلى الصدارة. وقد ساهم برنامجه الطموح، الذي كان من أهم أولوياته جعل تركيا الزعيم الإقليمي بحلول الذكرى المئة لحرب الاستقلال التركية، المؤسسة التركية على تجاوز القضايا القديمة. كان هناك تقدم كبير بين روسيا وتركيا فى مختلف مجالات التعاون. وقد تأسس هرم العلاقات الثنائية على أساس التعاون التجاري والاقتصادي. وكان لهذا الهرم أساس قوي. وقد لعب مجتمع الأعمال الروسي والتركي دورا كبيرا في التقارب، ووضع خوارزمية تفاعلية طبيعية للسياسيين الأتراك والروس.
وقد كان للتعاون بين البلدين آلية فريدة من نوعها شملت إنشاء مجلس التعاون رفيع المستوى، وعقد اجتماعات منتظمة، وعقدت اللقاء السادس لمجلس التعاون الرفيع منذ مدة ليست بعيدة. هذا التعاون يفتح الباب أمام الإمكانيات الحقيقية التي تستند إلى أن روسيا وتركيا هما أكبر قوتين أوروآسيويتين ينبغي أن تصبحا جسرا بين أوروبا وآسيا في القرن الحادي والعشرين، وآلية تترجم الخصائص الحضارية للشرق، وتجعلها أكثر وضوحا لأوروبا، وبعبارة أخرى أن يكونا جسرا وهو المصطلح الذي أفضله. وهذا سيوفر فرصا وتوليفات مؤسساتية متعددة، ولهذا يتطور تعاوننا بشكل طبيعي يثير دهشة المراقبين الأجانب.
في عام 2003 بلغ حجم التجارة 6.8 مليار دولار ثم بعد عامين أو ثلاثة فقط من الاجتماع الأول بين بوتين وأردوغان في ديسمبر/ تشرين الثاني عام 2004، ارتفع حجم التجارة إلى 20 مليار دولار ثم إلى 25 مليار دولار. وكان هذا التقدم ذا أهمية كبيرة لروسيا، حيث كانت تركيا في ذلك الوقت مدرسة اقتصاد السوق لرجال الأعمال الروس. وكانت ميزة هذا التعاون المباشر مع تركيا هي أنها تغذي الطبقة المتوسطة الأولى في روسيا. عندما عينت في عام 2003 سفيرا فوق العادة ومفوضا للاتحاد الروسي في تركيا، قال لي يفجيني بريماكوف إنني حتى لو لم أكن أحب التجارة المكوكية، فينبغي تركها كما هي، لأنها كانت تعزز تنمية الطبقة الوسطى في روسيا. وأعتقد أنه كان محقا تماما.
وعموما، فإن الصورة الكبرى للعلاقات الروسية التركية متوازنة تماما، ليس لأننا خضنا على مدى خمسة قرون ما يقرب من 13 حربا، وإن كان البعض يقول 12 حربا، ولكن لأننا كنا في معظم الوقت دولتين جارتين، نتمتع حسن الجوار والعلاقات والتفاعل السلمي. ولا تزال هناك إمكانات للتعاون، وسوف تتطور أكثر ما لم نفقد البوصلة في الجغرافيا السياسية الإقليمية والعالمية المعقدة.
- هل يمكن للتعاون التجاري والاقتصادي أن يعيد العلاقات الروسية التركية إلى مستوى ما قبل الأزمة الأخيرة؟
نعم، أعتقد أن التعاون التجاري والاقتصادي لعب دورا قاطعا في علاقاتنا. وينبغي للمرء أيضا أن يلاحظ هنا عامل الطاقة، مثل مشروع السيل التركي والتعاون في مجال الطاقة. ويتطور هذا التعاون من حيث مشروع السيل التركي الثاني ومحطة أك كويو للطاقة النووية. وأعتقد أن القاطرة تكتسب القوة والقدرة على كسب منعطف جديد إلى مجمل علاقاتنا. على أنه كان من المستحيل لهذه القاطرة أن تسير قدما دون ثقة سياسية والاتفاق على الهدف، لا سيما عندما نلاحظ الأفق الإقليمية والتفكير في العالم الجديد الذي يبنى بمشاركة روسية تركية نشطة. إنها قضية متعددة الأوجه، لكنني أعتقد أن الاقتصاد والتجارة هما القوة التي تقود قاطرة العلاقات بين روسيا وتركيا.
- كما تعلم سيجري في تركيا استفتاء على تعديل الدستور في 16 أبريل / نيسان. ما مدى أهمية هذا الاستفتاء الدستوري لتركيا؟ هل العلاقات بين تركيا والدول الغربية على وشك التغيير، هل يجب على المواطنين دعم التغيير الدستوري في الاستفتاء؟
الاستفتاء الدستوري في تركيا الذي سيعقد في نيسان/ أبريل يعد معلما بارزا وحدثا بالغ الأهمية في التاريخ التركي، وغني عن البيان أنه سيكون مؤثرا في الوضع السياسي لا في محيط تركيا فحسب، بل في الشرق الأوسط بأسره. تركيا هي لاعب قوي ومهم في الأحداث الإقليمية. الاستفتاء ليس مجرد نموذج حكومي للإصلاح، بالتحول من الجمهورية البرلمانية إلى الجمهورية الرئاسية. بل هو أيضا بطريقة ما تحول في التجربة السياسية التي جمعتها تركيا في القرن العشرين. أعتقد أن مرحلة ما بعد الكمالية ستكون مصدر قلق كبير، وهي بالتأكيد ليست مرحلة الاستبعاد والنقاش، ولكن توليف الأفكار الكمالية للتنمية ومشاعر الجمهور التركي تجاهها. هذا الاستفتاء على قدر بالغ من الأهمية حيث ارتبط دور حزب العدالة والتنمية وطبيعة أنشطته بحقيقة أن حزب رجب طيب أردوغان جلب الطبقة الوسطى الأناضولية، فضلا عن سكان المناطق التركية النائية، إلى السياسة. ولم تكن أنقرة أو إسطنبول من لعب الدور الرئيس في السياسة، ولكن الناس عموما. لذلك أعتقد أن هذا تقدم تدريجي ينعكس في الإحصاءات المرضية للنمو الاقتصادي والتغير الاجتماعي.
هذا التحول الدستوري هو عملية اجتماعية مؤلمة، وهذا واضح من محاولة الانقلاب الساقط في يوليو/ تموز. ولهذا السبب من السابق لأوانه التنبؤ بالعواقب على مستوى المنطقة أو على نطاق أوسع، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بعد نتائج الاستفتاء، وآمل أن تدعم أغلبية الأتراك مسيرة أردوغان.
- ما هو سبب الصراع بين تركيا وهولندا؟ وهل من الممكن أن يؤدي هذا الخلاف الدبلوماسي بين البلدين إلى إضعاف العلاقات بين تركيا والغرب بشأن قضايا الهجرة ومكافحة الإرهاب؟
هذه ليست القضية الأولى بين تركيا وأوروبا. في عام 2005، عندما بدأت مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، أعربت روسيا عن موقفها الإيجابي. وكانت هناك تصريحات رسمية عديدة مفادها أن روسيا تدعم التقارب بين تركيا وأوروبا. كانت علاقات روسيا والاتحاد الأوروبي في مهدها في ذلك الوقت. لقد رأينا التحديات التي تواجهها أوروبا الكبرى التي تشهد توسعا سريعا، ولكننا كنا نعتمد على الحس السليم، وأن الدوافع التي شهدناها عند إنشاء الاتحاد الأوروبي ستكتسب زخما. عندما كان الحوار حول أوروبا وهل هي ممتدة إلى الأورال أم إلى مدينة فلاديفوستوك الروسية على بحر اليابان، لم يشر أحد ضمنا إلى انضمام روسيا إلى الاتحاد الأوروبي.
إن أساس العديد من التوترات والخلافات هو الاختلافات الدينية وسوء الفهم بين الحضارات التي أعتقد أن السبب فيها سياسة التعددية الثقافية التي لا تزال تهيمن على السياسة الاجتماعية الأوروبية. ويمكننا تفهم محاولة الأتراك للعمل مع ناخبيهم بطريقتهم الخاصة، حيث إن عليهم اتخاذ قرار يغير مسار حياتهم. وأعتقد أن رد فعل بعض القادة الأوروبيين يدعمه نوع من سوء الفهم والعداء وعدم الاستعداد لقبول خصوصيات بعضهم بعضا، اعتقادا بأن البلدان الشرقية والأوراسية لديها ثقافة مختلفة، وربما طريقة مختلفة في التفكير والسلوك. وحقيقة أن أوروبا تنظر إلى هذه الاختلافات على أنها غير ديمقراطية تثبت أنها ليست مستعدة لأشكال أكثر تنوعا من الديمقراطية. وأخشى، إذا بقيت أوروبا متمسكة بهذا النهج، فإن تعزيز الديمقراطية على النمط الأمريكي والأوروبي، سيبدو شكلا جديدا من أشكال الاستعمار.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!