خالد هنية - خاص ترك برس

شكل الإعلان عن الاستفتاء الدستوري الجديد في تركيا، بتغير نظام الحكم من النظام البرلماني إلي النظام الرئاسي، حالة من القلق والارتباك لدى أطراف عدة ستتأثر من هذا التغيير في نظام الحكم بموجب دستور جديد للبلاد والذي يعد الرابع، بعد ثلاث دساتير منذ إعلان الجمهورية التركية عام 1924، سواء أطراف داخلية أو إقليمية أو دولية.

في هذا السياق فإن البعد التاريخي حاضر في هذا الاستفتاء وهذا التغيير الدستوري الجديد بشكل كبير، والذي سيحول نظام الدولة إلى النظام الرئاسي كما بدأت الجمهورية التركية في عهد مصطفي كمال أتاتورك ذو التوجه العلماني، والرئيس الأول لحزب الشعب الجمهوري المنافس البارز لحزب العدالة والتنمية، في الوقت الحالي.

فالجدلية التاريخية في مضمونها مهمة، وتثير حالة شكوك وخوف باستدعاء الحازب الحاكم ذو التوجه الإسلامي في مضمونه، عهد دولة الخلافة، في عهد ما قبل الجمهورية، والذي جاء علي أنقاض النظام العلماني في البلاد بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان عام 2002، بعد حرص وخوف دائمين سواء من قبل العلمانيين المتمثلين بحزب الشعب الجمهوري، أو اليسارين المتمثلين بحزب الشعوب الديمقراطي.

والسؤال هنا ما الذي تغير في هذا الدستور عن الدساتير الثلاث السابقة:

أولًا: فإن الدساتير الثلاث جاءت عقب انقلابات أدت إلي تغير الدستور وفقًا للبرنامج الذي كان يحمله الانقلابيون، في الحقبة التاريخية الماضية، ذو التوجه العلماني واليساري، ولكن هذا المرة هناك اختلاف جوهري، وهو أن الدستور جاء عقب محاولة انقلاب فاشلة أولًا عززت من مكانة ونفوذ حزب العدالة والتنمية الحاكم حاليًا، وهو نفسه الحزب الذي واجه الانقلاب وهو الذي سيغير الدستور، ونظام الحكم في البلاد في نفس الوقت.

ثانيًا: إن هذا الحزب (الحزب الحاكم) من وجهة نظر الأحزاب المعارضة سيجعل بيده السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، مما سيحد من نفوذها وحضورها في البرلمان والتي تواجه كل مرة نظام الإصلاح الدستوري في البلاد خوفًا، من عودة الإسلام إلى المشهد من جديد عبر البوابة القانونية.

فاليوم مشاريع الدستور الجديد ستصوت عليها الأغلبية، وهي التي سيؤخذ برئيها، في النظام الإصلاحي الذي سيجعل العدالة والتنمية يسبح بعيدًا عن الدولة العلمانية.

ثالثًا: هذا النظام سيحد وبشكل كبير من سطوع نجم العلمانيين واليساريين، بعد تراجع شعبيتهم، وانخراط الكثير من مؤيديهم إلي التوجهات الأردوغانية، وبعد سقوط مشاريعهم التي جربها الشعب التركي، خاصة بعد الإصلاح الاقتصادي الذي قام به العدالة والتنمية، عبر قرابة العقد والنصف.

رابعًا: في ظل ما سبق فإن حزب الشعب الجمهوري يستدعي نظام (حكم القلة البيروقراطية) عندما يتعرض للأزمات، فإنه بموجب النظام الجديد سيفقد حقه في ذلك. وكذلك سيحد من التصويت في حصة حزب الشعوب الديمقراطي، من قبل حزب العمال الكردستاني.

خامسًا: فإن هذا الدستور سيحرك البرلمان بشكل نشط مما يدفعه، لتحريك العجلة المجتمعية في تعزيز نظام الدولة وفق احتياج تركيا وسيجعلها أكثر قوة وأكثر قومية، في ظل مشاريع دستورية جديدة ستتيح تنسيط نظام الدولة وفكفكة العقد الحالية القائمة.

في ظل ما سبق فإن البيئة الإقليمية والدولية، لها اعتباراتها في هذا التغيير الجديد، وذلك نظرًا لموقع تركيا وواقعها الدولي:

فإن البيئة الإقليمية والدولية ستتأثر بهذا النظام الدستوري، نظرًا للمعطيات السابقة والتي لها دور تاريخي فيها أيضًا، وكذلك موقع تركيا الجغرافي وواقعها بين أوروبا وأسيا وإفريقيا، وحضورها القوي في البيئة العربية والتي ترتبط تركيا معها في التاريخ والجغرافيا والدين.

وكذلك فإن الجيش ومجلس الأمن القومي سيقوي من نفوذ رئيس الجمهورية وصلاحياته، تجاه التغيير في المؤسسة العسكرية، في دمج مكونات الجيش وتركيبة، رغم التغيير الحالي والسابق، إلا أن القرارات والتوجيهات ستكون أكثر حيوية في نظام الأوامر، وفي التعامل مع الولايات المتحدة ودول الحلف، وسيحقق الندية على المستوي السياسي، وسيرفع من مكانة تركيا في التعاطي مع القضايا التي ترتبط بينها وبين أمريكا، بشأن معين سواء علي مستوي الشرق الأوسط أو على مستوي الغرب وأوروبا.

وهنا: فإن الأخيرة تعد من أكثر المتأثرين من هذا النظام الذي سينقل الهاجس الإسلامي إلي قلب أوروبا، عبر القوة والنفوذ الذي سيتحلى بها الواقع التركي سواءً مجتمعيًا أو اقتصاديًا أو عسكريًا أو دينيًا، والذي يحكم علي ذلك ردود الأفعال التي صدرت من بعض دول أوروبا في الفترة السابقة، في ظل الخطر التي تواجهه أوروبا من قضية اللاجئين ومشاكلها الداخلية، والإيمان العربي بتركيا نظامًا وشعبًا.

وفي ظل ما سبق باعتقادي: أن تركيا العدالة والتنمية ستفوز بأغلبية غير ساحقة تؤهلها لتطبيق النظام الرئاسي، وتفرض معطيات قوة ونفوذ الدولة التركية، لكن سيكون هناك تحديات وتداعيات داخلية ودولية، كي تعرقل وتعيق الأداء التركي، في تحقيق مشروعه وطموحات

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس