ترك برس
تَخيلْ سكان مدينة بأجمعهم، الأغنياء والفقراء على حد سواء، يطهون الطبق نفسه في نفس اليوم ويتناولونه جميعا في وجبة الغداء. هذا ما يحدث في مدينة غازي عنتاب في أول أيام عيد الفطر، حيث يعد جميع سكان المدينة في اليوم الأول من عيد الفطر، نفس الأكلة المتواضعة التي تعرف بحساء الكبة أو (yuvarlama) باللغة التركية و(yuvalama) باللهجة المحلية.
وذكر تقرير لموقع المونيتور عن اليوفالاما، أن مدينة غازي عنتاب اختيرت في قائمة اليونسكو لشبكة المدن الإبداعية، بوصفها مدينة الطهي في عام 2015. وتشتهر المدينة الواقعة في جنوب شرق تركيا بثقافتها الغنية في الطهي. ويشمل تاريخها الطويل قصصا وأساطير لا تحصى تتعلق بأكلاتها الكثيرة.
ومن بين أشهر هذه الأكلات الكباب والبقلاوة، ولكن "يوفالاما" تختلف عنهما اختلافا كبيرا، فهي عبارة عن حساء من الأرز المطحون وكرات اللحم، حيث يقطع لحم الضأن إلى مكعبات صغيرة ويضاف لها الحمص المطبوخ، ثم يطحن الأرز واللحم معا ويقطعان إلى كرات، وتوضع على النار ويصب عليها لبن الزبادي وقطعة من الزبد، ويرش عليها النعناع المجفف. اشتقت كلمة yuvalama من الفعل yuvalamak الذي يعني حرفيا يلف أو يكور باللغة التركية. المكون الرئيسي للطبق هو الأرز وقطع اللحم المقطعة في كرات صغيرة جدا تناسب الملعقة. وحتى بعد طهيها وإضافة الزبد والزبادي يجب أن تبقى قطع اللحم أصغر من الحمص المطبوخ، وهو عنصر أساسي آخر.
يعشق العنتابيون هذا الطبق، ويحرصون على إعداده حتى لو كانوا يعيشون على بعد أميال من مسقط رأسهم، ويتمسكون بتقليد أن تكون هذه الوجبة الأساسية على طاولاتهم، لتذكرهم بعشقهم وشوقهم لمدينتهم الحبيبة. ونظرا لأن يوفالاما طبق أساسي في أي مناسبة احتفالية، بما في ذلك عيد الفطر، فإن معظم سكان غازي عنتاب لديهم ذكريات جميلة عن هذا الطبق.
تتذكر فاطمة شاهين، رئيسة بلدية غازي عنتاب، كيف أوشك هذا الطبق أن يصبح عائقا أمام زواجها. زوجها ليس من مواطني غازي عنتاب ولكن من مدينة ملاطيا التي تشتهر بالمأكولات الرائعة. وعندما قررا الزواج، زارت عائلة زوجها المستقبلي أسرتها لطلب يدها. وتروي شاهين للمونيتور ما حدث قائلة: "كل شيء كان يسير على ما يرام حتى علقت عائلة زوجي على الطعام. قالوا: هذا الحساء كان مذهلا. فأصاب عائلتي الغضب. إن وصف اليوفالاما بالحساء هو خطأ كبير، بل يعد إهانة.
لطبق "اليوفالاما" مكانة كبيرة لدى العنتابيين، ومن ثم فإن التقليل من قيمته بوصفه حساء، يعد خطيئة يرتكبها الغرباء عن المدينة. ولحسن الحظ تمكن الخطيبان من إنقاذ الوضع الخطير، ثم تزوجا وعاشا حياة زوجية سعيدة.
يتطلب طهي "اليوفالاما" بذل مجهود شاق، لا سيما لأن المرء يجب أن يعد طبقا لكل فرد من أفراد الأسرة. ومن ثم فإن طهيه يكون مناسبة لأفراد الأسرة والجيران لتبادل العمل. قبل عيد الفطر مباشرة، تتحول غازي عنتاب إلى مصنع يوفالاما عملاق، حيث يطحن الأرز واللحم في كل بيت. يشتهر العنتابيون بالابتكار، حتى إن شركة شاهفيلي المُصنّعة لمعدات المطبخ الإلكترونية ابتكرت أداة من أجل طهي "اليوفالاما"، كما قدمت الشركة نسخة صناعية أكبر مخصصة للمنتجين والمطاعم الصغيرة.
هاكان تانريوفر، مستشار وكيل وزارة الثقافة والسياحة، مواطن من غازي عنتاب متحمس لكل ما يخص المدينة. وقال تانريوفر للمونيتور إنه شخص محافظ عندما يتعلق الأمر بالأطباق التقليدية، ولا يمكن أن يستسيغ فكرة "اليوفلاما" الجاهزة. وأضاف أنه كلما حاولت أخواته اختصار الوقت، وشراء اليوفالاما" الجاهزة، فإنه يلحظ الفرق على الفور. وقال إنه تم إحراز تقدم كبير في الوقت الحالي في اليوفالاما جاهزة التحضير، وإنه قد يقبل العلامة التجارية الناجحة.
ويقول مالك العلامة التجارية المحلية الوحيدة لإنتاج اليوفالاما إن مصنعه ينتج طنين يوميا لتلبية الطلب الرمضاني، أي ما يعادل 120 ألف صندوق من يوفالاما، زنة الصندوق 500 غرام، تكفي ثمانية أشخاص.
ربما تعرض زواج فاطمة شاهين للخطر بسبب الخطأ في تسمية الطبق المفضل في غازي عنتاب، ولذلك فقد ساعدت على ضمان أن لا يقع أحد في هذا الخطأ مرة أخرى. وقد وجد تعريف اليوفالاما بأنها وجبة وليست حساء الاعتراف الدولي المناسب، حيث سجلت بلدية غازي عنتاب الطبق رسميا باسم المدينة في المعهد التركي للبراءات والعلامات التجارية في حزيران/ يونيو 2016.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!