ترك برس
في خضم الحديث عن بحث تركيا عن بديل لحركة أحرار الشام التي هُزمت أمام هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقاً، التي أحكمت سيطرتها على مدينة إدلب في الآونة الأخيرة، يسوق بعض المختصين في الشأن السوري تحالف تركيا إما مع الحركات الأيديولوجية المعتدلة، كفيلق الشام، أو ما يوصف بـ"الحركات الوطنية غير المؤدلجة"، كجيش العزة وجيش نصر، أو الفصائل التي قد توصف بأنها "ذات الارتباط القومي بتركيا"، كالحزب الإسلامي التركستاني. وبالإطلاع على الخيار الأخير، يبقى السؤال الأكثر طرحاً هل تعتمد تركيا فعلاً على الحزب الإسلامي التركستاني، كقوة قادرة على تخفيف قبضة هيئة التحرير المهيمنة على سوريا، أم هناك عوائق تحول دون ذلك؟
يُجيب على هذا التساؤل الأكاديمي والمختص في الحركات الجهادية ذات الخلفية الوسط آسيوية، هيثم مزاحم، مشيراً إلى أنه بدايةً لا بد من تعريف الحزب الإسلامي التركستاني بإيجاز، فبينما تنعدم المعلومات الدقيقة حول التاريخ الفعلي لقدوم الحزب الإسلامي التركستاني، أو ما يعرف باسم حركة تركستان الشرقية، إلى سوريا، تتوفر معلومات فائضة متعلقة بتعريف الحزب وخلفيته الجهادية.
يعتبر الحزب الإسلامي التركستاني في بلاد الشام، الذي يمثل جناح حركة تركستان الشرقية في سوريا، حركة أيغورية تدعو إلى انفصال "تركستان" الشرقية أو إقليم شنجان أو شينغيانغ الذي ضمته الصين إليها عام 1949. وفيما يُعتقد أن دخوله إلى سوريا جاء عام 2012، أعلنت قيادة الحزب عن وجوده الفعلي هناك في حزيران/ يونيو 2014.
وعن عنصر الارتباط الواصل بين تركيا والحزب التركستاني، أوضح مزاحم، لترك برس، أن الاعتبارات العرقية هي العنصر الذي يجمع بين تركيا والتركستاني، مبيناً أن العرق الأيغوري هو عرق تركي الأصل، وأن تركستان الشرقية، إلى جانب تركستان الغربية التي تضم تركمنستان وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان، تمثلان الموطن الأصلي للعرق التركي.
يشكل التركستاني فصيلاً عسكرياً متميزاً في سوريا، لقوته التنظيمية وبسالة مقاتليه، وقدرتهم على خوض معارك شرسة يقوم الكثير منهم فيها بعمليات انغماسية وفقاً لمزاحم الذي يعتقد وجود عدة عوائق تحول دون تحالف تركيا مع التركستاني لتخفيف وطأة سيطرة النصر على مدينة إدلب:
ـ مبايعة الحركة الأم للحزب، حركة التركستان الشرقية، لحركة طالبان، وتأسيسها لعلاقات وثيقة مع القاعدة، الأمر الذي أخذ بالأمم المتحدة والولايات المتحدة، وحتى تركيا قبل بضعة أسابيع، بضمها لقائمة الحركة الإرهابية. وكون الحزب منبثقاً عن حركة التركستان الشرقية، قد تتعرض تركيا لإحراج إعلامي دبلوماسي على الساحة الدولية، في حال تحالفها معه.
ـ صعوبة اعتماد تركيا على فصيل غير سوري، فعلى الرغم من كون هيئة تحرير الشام تحمل أفكاراً جهاديةً غير وطنية، إلا أنها استطاعت توطين نفسها في سوريا عبر الاعتماد على مواطنين سوريين بشكل أساسي.
ـ وجود حرص تركي على عدم انهيار العلاقات السياسية والاقتصادية الفاعلة مع الصين. وقد عكست تركيا هذا الحرص عبر اعترافها بالحركة الشرقية على أنها حركة إرهابية قبل أسابيع. ترتبط تركيا بالصين عبر مشروع إعادة إحياء طريق الحرير المعروف باسم "حزام واحد...طريق واحد" الاستراتيجي، وباعتبار التوجه البراغماتي للقيادة التركية التي تؤثر مصالحها على أي عنصر عاطفي، يبدو أنها لا تنوي التوجه نحو التحالف مع التركستاني ضد النصرة أو ما يعرف باسم هيئة تحرير الشام.
ـ وجود علاقات وثيقة بين التركستاني والهيئة أصلاً تجعل الحديث عن التحالف أقرب للوهم.
وفيما يتعلق بخيارات تركيا الأخرى، بيّن مزاحم أن تركيا تحاول الابتعاد عن الظهور بمظهر الدولة الداعمة للإرهاب، لكن في السياق ذاته لا تريد أنقرة أن تخسر نفوذها الملموس في الشمال السوري، لذك فقد تتجه نحو دعم بعض الفصائل الجهادية التي قد تخدم رؤيتها بشكل ضمني، مضيفاً أنه في جميع الأحوال يبقى اعتماد تركيا على التركستاني اعتمادًا مُكملًا للاعتماد الأساسي الذي قد يتم من خلال تقديم الدعم لمجالس إدارة مدنية، وفصائل سورية وطنية تخفف بعضاً من نفوذ هيئة تحرير الشام التي تحاول تركيا إقناعها بضرورة الانصياع لمعادلة يقبل بها المجتمع الدولي.
يُذكر أن هيئة تحرير الشام استطاعت بسط سيطرتها على القسم الأكبر من مدينة إدلب، منتصف يوليو/ تموز المنصرم، الأمر الذي حرك المجتمع الدولي، وبالأخص الولايات المتحدة التي أعلنت أنها لن تسمح لهذه السيطرة أن تستمر طويلاً، وهو ما حرك تركيا سريعاً للبحث عن بديل يوازن سيطرة الهيئة، كي تُجنب إدلب أي تحرك أمريكي قد يؤول إلى توسيع سيطرة وحدات الحماية الكردية في الشمال السوري.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!