جلال سلمي - خاص ترك برس
يُجري رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، زيارة رسمية تستمر ما بين 27 و 29 آب/أغسطس، تلبيةً للدعوة التي تلاقها من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ووفقاً للبيان الذي صدر عن المكتب الصحفي في رئاسة الجمهورية التركية، فإن الجانبين سيبحثان خلال الزيارة سبل تطوير العلاقات الثنائية بين تركيا وفلسطين، إلى جانب التطرق إلى ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس.
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تفرج؛ تكاد هذه الجُملة هي الأقرب لوصف الموقف التركي من التقارب الذي طرأ للسطح مؤخراً بين حماس وتيار دحلان المدعوم إماراتياً، إذ عسكت الصحف التركية رؤية حكومة بلادهم، بصورة تشير إلى أن الحكومة التركية أظهرت تخوفاً كبيراً من هذا التقارب الذي فُسر من قبل الحكومة على أنه بداية لمسلسل جديد من التحديات المُرهقة التي قد تواجه القضية الفلسطينية بشكل عام، وقطاع غزة بشكل خاص، غير أن تخوف الحكومة التركية من ميل ميزان القوى الذي تحظى تركيا وقطر بجزء كبير منه في مسار القضية الفلسطينية، عبر أساليب القوة الناعمة المعتمدة على دعم المشاريع التنموية والخدماتية، بالإضافة إلى النفوذ الدبلوماسي المُحرك لحماس في إطار قطبهما، لصالح الإمارات يعتبر، على الأرجح، السبب الرئيسي لذلك التخوف الذي نبع من القلق على مستقبل حماس على الساحة الفلسطينية. ففقدان هذا التأثير يعني تراجع التأثير الحكومي التركي في المنطقة العربية بشكل ملحوظ، وهو الأمر الذي لا ترغب به تركيا لحسابات إنسانية وشعبية "داخلية تركية، وعربية" وسياسية وأمنية تتعلق بمصالحها الاستراتيجية.
وإلى جانب احتمال فقدانها لجزء كبير من بوصلة التأثير الدبلوماسي الناعم في القضية الفلسطينية، في حال استمر التواصل بين حماس وتيار دحلان، والذي أعلنت حماس اليوم عن توقفه بشكل رسمي وفقاً لموقع عربي 21 الإخباري، كانت الحكومة التركية متخوفة من هذا التقارب، ربما، لأنها فقهت أنه سيصب سلباً في حركة تجارتها عبر قناة السويس التي تقع بين سيناء الذي يظفر دحلان بها بنفوذ عالٍ، وبين القاهرة التي باتت "تابعاً" للإمارات، ونفوذها القائم في حوض شرق البحر المتوسط، خصوصاً بالقرب من المياه الإقليمية للجزء التركي من جزيرة قبرص، فضلاً عن مصالحها الاقتصادية المشتركة مع إسرائيل، والمتعلقة بالتوصل إلى اتفاق يمنحها فرصة نقل الغاز الإسرائيلية إلى أوروبا عبر أراضيها ومياهه ومياه قبرص التركية الإقليمية، بالإضافة إلى التوصل مع إسرائيل إلى اتفاق يقنع اليونان بضرورة تحقيق تعاون ثلاثي "تركي ـ يوناني ـ إسرائيلي" مشترك، للتنقيب عن الغاز في محيط جزير قبرص، حيث أعلنت تركيا منذ عام 2014 "قواعد اشتباك" تقضي باستهداف أي محاول للتنقيب عن الغاز في تلك المنطقة، أملاً في أن تضغط على الأطراف ذوي العلاقة للتعاون معها في هذا المحور. فتقارب الإمارات التي تكن الخصومة السياسية لتركيا، لا شك في أنه كان سيؤثر سلباً في طموح ونفوذ تركيا في المحاور المذكورة، وهو ما جعلها تظن أن الأمور ضاقت حد الاستحكام.
ولا يتعلق الأمر بتركيا وحدها، فعباس كان ممتعضاً بشدة من التقارب الجاري. وحماس كانت قد اتجهت نحو التقارب المعني، لأنها فقدت لأي خيار آخر. لكن على ما يبدو، أدركت حماس أن تقاربها من دحلان الذي "لم يخدم القضية الفلسطينية بالإيجاب إطلاقاً؛ وفق طيف كبير من آراء الفلسطينيين، وبالأخص المقربين من حركة حماس، سيعمق الانقسام، ويأخذ القطاع ذاته نحو الانقسام الفصائلي، إذ كان من الواضح أن الفصائل الفلسطينية، كالجبهتين الشعبية والديمقراطية اللتين تعتبران أعضاءً في منظمة التحرير، لا ترغبان في تعميق الخلاف القائم أصلاً بينها وبين الرئيس محمود عباس، عوضاً عن أن هذا التقارب كان من المرشح أن يؤدي إلى قطع آخر شعرة أمل في التقارب بين حماس وعباس، إذ أن عباس، بموقعه كرئيس للسلطة الفلسطينية، لا زال يمثل الجهة الشرعية الممثلة لفلسطين، وفي حين استمر التقارب كان سيتجه عباس نحو المزيد من الإجراءات العقابية المستهدفة للشعب الغزي، وهو ما يخنق حماس ويزيد ضعفها أمام تيار دحلان الذي سيصبح أكثر قوةً من حيث لغة الإملاءات. وفي حديثي مع بعض قيادات حماس المطلعة، كان هناك تلميح واضح على أن دعوة الرئيس أردوغان لعباس جاءت بفعل تنسيق بين الحركة والرئاسة التركية، على إثر عدم قدرة الحركة على إحراز ما تصبو إليه من التقارب مع تيار دحلان.
أما عباس، فحري به أن يكون هو الأحرص على انتهاج أي مسار يفشل التقارب الذي كان جارياً بين الطرفين، فإلى جانب تنافسه الشخصي مع دحلان، يرى أن هذا التقارب يهز بشكل كبير شرعيته المهترئة أصلاً، فضلاً عن أنه يرى أن تركيا تجمعها علاقات جيدة مع حماس، وأن تركيا ترغب، منذ اللحظات الأولى للتقارب الذي جرى بين الطرفين، لقطع الطريق على الجهود التي تبذلها مصر والإمارات لإعادة تأهيل دحلان في القطاع، كونه رجلاً متهماً بصياغة المؤامرات في المنطقة.
في الختام، ربما تشمل دعوة تركيا لعباس مساعٍ أخرى، كالرغبة في الإبقاء على النفوذ الدبلوماسي في المنطقة، بعد اهتزازه نتيجة وقوفه إلى جانب قطر خلال الأزمة الخليجية، وملفي غزة والقدس، ومسار المفاوضات مع الإسرائيلي، وغيره، غير أن ملف إنهاء التقارب الجاري بين حماس ودحلان، وقضية المصالحة هما الأمران الأساسيان لهذه الزيارة وفقاً لتصريحات الطرفين، والتوقيت الذي جاءت به الزيارة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس