شيما إيراز - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
صرّح رئيس المفوضية الأوروبية جان كلاود جانكر بأنّ مشروع خط أنابيب "السيل الجنوبي" لنقل الغاز إلى أوروبا، والذي تقدر تكلفته بأربعين مليار دولار، لا يزال قابلاً للاستمرار على الرغم من تصريح روسيا بأنّها أوقفته. في تصريحات رأى فيها البعض تراجعاً من قبل الاتحاد الأوروبي عن موقفه الصارم تجاه روسيا.
وقال جانكر للصحفيين بعد محادثاته مع رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف: "يعمل الاتحاد الأوروبي وبلغاريا معاً لحلّ القضايا المعلّقة بالسيل الجنوبي. وهذه القضايا ليست مستعصية على الحلّ". مضيفاً أنّه "يمكن بناء السيل الجنوبي. والظروف الموجودة كانت واضحة منذ زمن طويل.. الكرة في ملعب روسيا".
يأتي مشروع السيل الجنوبي في إطار إيجاد طرق بديلة لتغطية احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي عبر نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا من خلال خطوط أنابيب تمتدّ أسفل البحر الأسود إلى بلغاريا ثم هنغاريا وصربيا والنّمسا وسلوفينيا. ويتوقّع أن يتمكّن المشروع من نقل 63 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى شرق ووسط أوروبا، كما ينتظر أن يكتمل بناؤه عام 2020.
الاتحاد الأوروبي في البداية كان ضد المشروع، لأنّه سيزيد اعتماد أوروبا على روسيا، كما صرحت المفوضية الأوروبية بأنّه يخرق قواعد التنافسية الخاصة بالاتحاد الأوروبي. ولذلك علّقت بلغاريا - الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي - المشروع حتّى حزيران/ يونيو 2014. وكان قد بدأ العمل في بناء مشروع السيل الجنوبي الذي يمتدّ مسافة 930 كيلومتر في بلغاريا في تشرين الأول/ أكتوبر 2013.
وحيث أنّ عملاق الغاز الروسي "غاز بروم" يسدّ 30% من حاجة أوروبا للغاز، فقد أدّى إلغاء المشروع إلى توتّر لدى بلغاريا والنمسا وصربيا وهنغاريا وسلوفينيا التي تسعى كلها للحفاظ على استهلاكها الحالي للغاز وتلبية الحاجة المتنامية لديها.
ومن جهته، ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باللائمة على المعارضة الأوروبية في تعليق العمل بالمشروع، وذلك خلال زيارته إلى تركيا حيث قال: "إذا لم تكن أوروبا ترغب بتنفيذ (السيل الجنوبي)، إذا ليتوقّف المشروع، ونحن سنركّز موارد الطاقة الخاصة بنا في اتّجاهات أخرى".
وقد أثار تصريح بوتين بأنّ روسيا ستعمل على مشروع خط أنابيب آخر سيصل إلى اليونان توتّراً لدى الدول المشاركة في المشروع. حيث تبحث الدّول العالقة بين فكّي مصالحها القومية ومعارضتها للاتحاد الأوروبي عن حلّ لهذه المعضلة.
إلغاء المشروع أثار بشكل أساسي قلق الحكومة البلغارية. وقال رئيس الوزراء بويكو بوريسوف إنّه غير قادر على تحصيل الوثائق المتعلقة بالمشروع، ولذلك فهو غير متأكّد من إمكانية استفادة بلغاريا منه. ومع ذلك، أكّد بوريسوف أنّ بوتين أعلن أنّ العوائد المتوقع أن تستفيد منها الحكومة البلغارية من المشروع ستكون 400 مليون دولار سنويا، مضيفاً أنّه "في هذه الحال، ينبغي علينا محاولة حلّ الخلاف".
وكان بوتين قد اقترح كذلك أن تطالب الحكومة البلغارية بتعويضات من الاتحاد الأوروبي. وأعلن السفير الروسي لدى الاتحاد الأوروبي فلاديمير تشيزوف أنّ روسيا مستعدة لمواصلة المفاوضات مع النمسا وهنغاريا وصربيا بشأن المشروع.
ومن المقرر أن يزور رئيس الوزراء البلغاري بوريسوف بروكسل للقاء رئيس المفوضية الأوروبية جانكر ورئيس البرلمان الأوروبي مارتن سكولز، حيث يتوقّع أن يقدّم عريضةً بتعرض بلغاريا لضرر جراء معارضة الاتحاد الأوروبي للمشروع.
وفي غضون ذلك، صرحت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية آنّا كايسا إتكونين بأنّه "في حال تعليق هذا المشروع وغيره من المشاريع فإنّه ليست هناك أرضية قانونية لتقديم عريضة بوجود أضرار".
وقد اضطرت بلغاريا في السابق إلى إلغاء خطط بناء المفاعل النووي في بيلين شمال بلغاريا وخط أنابيب نقل النفط "بورغاز - ديديغاتش" بسبب سياسات الاتحاد الأوروبي، في حين عدّت صربيا - التي بدأت مفاوضات للحصول على العضوية الكاملة للاتحاد الأوروبي في كانون الثاني/ يناير 2014 - إيقاف المشروع خبراً سيئاً.
وفي حديثه للقناة المحلية RTS، أشار الرئيس الصربي توميسلاف نيكوليتش إلى أنّ صربيا ستتعرض لخسارة نتيجة إلغاء المشروع وأنّها ستعاني من العقوبات المفروضة على روسيا. كما صرّح رئيس الوزراء الصربي بأنّ جهود صربيا في هذا المشروع والمستمرة منذ سبع سنوات قد انهارت نتيجة للصراعات بين القوى الدولية العظمى.
النمسا كذلك ألقت باللائمة على الاتحاد الأوروبي، على الرغم من بقاء رئيسها ورئيس وزرائها صامتين خلال اليومين الماضيين، وكان كلّ من الرئيس هاينز فيشر ورئيس الوزراء ويرنر فايمان قد وقّعا مع روسيا في حزيران/ يونيو 2014 صفقة لإيصال أنابيب النفط للنمسا على الرغم من معارضة الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت الذي حافظ فيه السياسيون النمساويون على صمتهم، أشار رئيس شركة "أو أم في OMV" للطاقة - ومقرها النمسا - إلى أنّ أوروبا بحاجة إلى الغاز الطبيعي الروسي منتقداً سياسة الاتحاد الأوروبي التي تقضي بفصل إنتاج الغاز الطبيعي عن عملية نقله. وقال: "أوروبا تحتاج كل خطوط الأنابيب التي يمكن أن تصل إليها. الموضوع ليس عمّا إذا كانت روسيا تسمح بذلك أم لا. السؤال الذي يجب أن يطرح هو من الجهة التي لديها الاستعداد للاستثمار في البنية التحتية الأوروبية". كما وجّه زعيم "حزب الحرية النّمساوي FPÖ" هاينز كريستيان ستراتشِه اللوم إلى الاتحاد الأوروبي على إلغاء المشروع.
وعرّف ستراتشه موقف الاتحاد الأوروبي على أنّه "hara-kiri (انتحار بالاستناد على نصل السيف)"، مضيفاً أنّ "الموقف الأوروبي في هذا الصدد يضر الاقتصاد ويفرض خطراً على كل الدول. فقد علّقت بلغاريا المشروع بسبب ضغط الاتحاد الأوروبي. وإنّه ليس سراً أنّ بلغاريا تعتمد على تمويل مقدّم من بروكسل؛ ومع ذلك، لا تعكس السياسات الممارسة من قبل بروكسل وجهة نظر كل مواطني الاتحاد الأوروبي".
وتقدّر تكلفة شركة الفولاذ الأوروبية "فوستالبين Voestalpine" - والتي كان من المقرر أن تزود مشاريع خطوط الأنابيب بالموادّ المذكورة في العقود - حوالي 200 مليون يورو.
ومن جهتها، اعتبرت الحكومة الهنغارية - التي تنتقد أحياناً لموقفها المحافظ تجاه سياسات الاتحاد الأوروبي - إلغاء المشروع قراراً روسياً خاصاً. وقال وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيجارتو: "إنّ لروسيا الحق في اتخاذ قراراتها الخاصة وهنغاريا تحترم ذلك".
وأضاف الوزير أنّ السلطات الهنغارية التي تدعم بقوة دخول البلاد في مشروع السيل الجنوبي قد مررت قراراً يسمح بالشروع في مشروع بناء الأنابيب في بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر على الرغم من تحفظات الاتحاد الأوروبي، كما سمحت الجمعية الوطنيّة بتعديل يسمح للشركات غير المرخّصة بالمشاركة في بناء الأنابيب.
وأشار رئيس شركة الكهرباء الهنغارية المملوكة للدولة MVM، جورجي هارماتي إلى أنّ إلغاء المشروع لن يكون له تأثير على مشاريع الشركة طويلة المدى، موضحاً أنّ الشركة ستجد مصادر أخرى للطاقة.
ومن جانبه، أكّد الرئيس السلوفيني ميرو سيرار أنّ الإلغاء لن يؤثر على سلوفينيا، حيث أنّه لم يطرح أي عراقيل متعلّقة بالاستثمار في سلوفينيا تحت هذا المشروع، وأنّ سلوك روسيا الأخير لم يكن مفاجئاً. وقال إنّ سلوفينيا بحاجة إلى إيجاد بدائل ومصادر طاقة متجدّدة، وإنّ وزارة الاستثمار أشارت إلى أنّ القرار الروسي لن يكون له تأثير على سلوفينيا.
ويرى البعض أنّ روسيا التي تعاني من عقوبات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، تستغل مصادر الغاز الطبيعي كسلاح للتأثير على دول الاتحاد الأوروبي. في حين أنّه من المتوقع أن تخسر الدول الأوروبية خسارة فورية بقيمة 2.5 مليون يورو بسبب تعليق المشروع، ويرى البعض أنّ الشركات والسياسيين سيضغطون على الاتحاد الأوروبي لرفع الحظر.
تركيا هي الرابح الوحيد
قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك أمس من موسكو إنّ روسيا تهدف إلى بيع الغاز الطبيعي لتركيا بأسعار أقل بنسبة 6% والتي من المرجّح أن تصل إلى 15% لاحقاً، مضيفاً أنّه "في حال تحسّن شروط السوق، من الممكن أن نزيد عرض الخصم الذي قدّمناه بنسبة 6% لاحقاً إلى 15%".
وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الإثنين خلال زيارته إلى أنقرة أنّ روسيا ستخفض سعر الغاز الطبيعي المباع إلى تركيا بنسبة 6%. وتوفر روسيا ما يقارب 60% من حاجة تركيا للغاز الطبيعي، والذي يقدّر بـ26.7 مليار متر مكعب، وبالتّالي يبشّر خفض السعر بزيادة بمقدار 3 مليار متر مكعب.
كانت الحكومة التركية تتوقّع تصريح نوفاك، فقد صرح وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي طانير يلدز يوم الثلاثاء بأنّ تركيا ستواصل مطالبتها بمزيد من الخصم في السعر. وقال يلدز للصحفيين في مؤتمر صحفي بأنقرة "إنّ العرض الروسي خطوة إيجابية تجاه تقوية تعاوننا، إلا أنّنا نأمل بنسبة أعلى من الخصم".
تصريح بوتين بشأن مشروع السيل الجنوبي والخصومات على الغاز الطبيعي لتركيا كان له تداعيات في الصحافة العالمية. فقد عنونت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: "إذا كان هناك فائز واحد فهو تركيا". واقتبست هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي كلام خبير الطاقة في مركز دراسات الديمقراطية في صوفيا مارتن فلاديميروف الذي قال: "ربّما يكون خداعاً!" ردّاً على سؤاله عن سبب الضغط على الحكومات البلغارية والصربية والهنغارية والنمساوية.
كما نُقِل تصريح آخر عن فلاديميروف قال فيه إنّ السيل الجنوبي "ببساطة عبءٌ ثقيل" بسبب الوضع التمويلي الصعب الذي يواجهه عملاق الغاز الروسي المملوك للحكومة "غاز بروم". كما نُقل رأي مماثل نقلته الوكالة الألمانية دوتشه فيله عن السفير البلغاري السابق لدى روسيا إيليان فاسيليف قال فيه إنّ "السيل الجنوبي أصبح مكلفاً جداً بالنسبة لروسيا".
وفي حديثه لصحيفة ديلي صباح، أشار الخبير الاقتصادي ورئيس جامعة نيشانطاشي في إسطنبول، الدكتور كرم آلكين إلى أنّ روسيا طالما كانت دولة تحبّ بناء العلاقات المعقّدة، وإنّ من الصعب فهم ما الّذي تريده هذه المرّة. وصرّح آلكين بأنّ روسيا لن تتحرّك وفي رأسها هدف واحد فقط، فهي بشكل عام تملك عدّة رسائل في وقت واحد.
وقال آلكين: "من الواضح أنّ الخصومات على سعر الغاز الطبيعي تفترض وجود علاقات تجارية قوية في المستقبل. وإنّ تحويل طريق مشروع موجود أصلاً إلى تركيا فيه دلالات كبيرة. إنّ من المهم فهم هذه الدلالات والافتراضات والتّوقّعات. ومن المؤكّد أنّ روسيا ستطلب شيئاً في المقابل من تركيا. لذلك ينبغي علينا أن نكون يقظين لأنّ ما نراه هو حزمة رسائل وليس إشارة واحدة".
ليست بديلاً عن TTIP
تخضع المفاوضات التجارية بين تركيا وروسيا لمراقبة حثيثة، ممّا يثير تساؤلاً حول ما إذا كانت تركيا ستتخلّى عن عضوية الاتحاد الأوروبي بسبب "اتّفاقية الشّراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي TTIP".
أعلنت تركيا أنّ اتّفاقيات الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي قد تلغى في حال عزل تركيا من المحادثات بشأن الشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي. وقد قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في هذا الصدد: "إنّ العلاقات الاقتصادية التي نطوّرها مع جارتنا روسيا ليست بديلاً لأي شراكة اقتصادية أخرى".
واضاف أنّ "الأولوية الأولى لتركيا هي كسب عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي، وبهذه العضوية الكاملة يمكنها دخول الشراكات التجارية والاستثمارية العابرة للأطلسي. نحن مصمّمون بأقصى ما لدينا".
وفي حديثه في مؤتمر صحفي عُقِد بعد عودته من زيارة بروكسل، أشار رئيس "جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك TÜSİAD"، هالوك دينتشر إلى أنّه أدرك خلال زيارته أنّ التّطورات الجيوسياسية الأخيرة زادت من أهميّة تركيا لدى الاتحاد الأوروبي.
وقال دينتشر: "إنّ زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا وتطور العلاقات بين الدولتين تزامن مع زيارتنا إلى الاتحاد الأوروبي. وهذه العلاقات يتابعها الاتّحاد الأوروبي عن قُرب".
وأضاف: "لقد تمّت كذلك مناقشة ما إذا كان على تركيا أن تنضم إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في فرضها عقوبات على روسيا. ومع ذلك، يمكنني بسهولة القول إنّ الاتحاد الأوروبي لا يريد خسارة تركيا. فهو يريد أن يقوّي علاقاته معها ويسرّع من ضمّها".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!