سمير صالحة
كان من المفترض ان ينقل بايدن للاتراك الرد الاميركي على اخر اقتراحات قدمها داوود اوغلو للرئيس الاميركي باراك اوباما على هامش اعمال قمة الدول العشرين في استراليا. لكن البيت الأبيض اختار اولا الاعلان عن ان واشنطن لم تقدم للاتراك اي تعهد او تتراجع عن مواقفها في مسالة الاولويات وان الطرفين اتفقا على ضرورة "تقويض قوة تنظيم الدولة مع إلحاق الهزيمة به، وإجراء تحول سياسي سليم في سوريا، ودعم المعارضة السورية المعتدلة وقوات الأمن العراقية". ثم تحرك ثانيا لنفي اي تفاهم تركي أميركي في موضوع المنطقة الامنة ومنطقة الحظر الجوي فوق شمال سوريا. لماذا تضيع واشنطن وقتها ووقت انقرة اذا من خلال كل هذه الزيارات المتلاحقة والتي لم تسفر عن اي جديد ؟
الحديث في العلن هو حول التنسيق وتبادل الخدمات والتفكير في استقرار العراق وابقاء مطلب رحيل الاسد هدفا أساسيا للبلدين لكن التحرك بعيدا عن الاضواء يتقدم باتجاه اخر غير ذلك كليا. اميركا تلهينا بالفتات الذي جاء بايدن والن وديمبسي يضعوه بين أيدينا والاتراك يعرفون كل ذلك وإلا لما كان داوود اوغلو تحرك للكشف عن مسالة كان قد طالب اربيل ان تبقى سرا بينهما وهي استجابة انقرة لطلبات الدعم العسكري الكردي في الحرب على داعش ومنذ بداية الهجوم على الموصل ؟
انقرة تبحث عن اوراق تستطيع أن تضغط بها على واشنطن والعكس ايضا صحيح. تركيا تحذر من سيناريو حلب وارتدادته الاجتماعية وموسم الشتاء الذي سيزيد من معاناة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين لاقناع واشنطن بالتعامل جديا مع مطالبها وواشنطن تطيل عمر المفاوضات النووية مع طهران وتتباطأ في قرار الحرب على تنظيم الدولة وتلوح بدعم مبادرة ستيفان دي ميستورا في سوريا والهدف هنا هو ان تربك انقرة وتضيق الخناق عليها : اما ان تقبل تركيا بالخطة الاميركية او ان تدفع ثمن التعاون الاميركي الايراني في الملفين العراقي والسوري.
بايدن يقول انه جاء يستفيد سياسيا من " خبرة وتجربة " داوود اوغلو الذي تسلم مهام رئاسة الحكومة في تركيا بعدما كان في اخر لقاء لهما وزيرا للخارجية بينما بقي هو في منصبه كنائب للرئيس. لكن الحقيقة هي انه جاء يشجع الاتراك على المضي وراء حلم تحريك مثلث انقرة - بغداد - اربيل لتشتيت انتباه انقرة التي تتساءل عن أسباب اندفاع بغداد باتجاه المصالحة معها. هل هو قرار التفاهم الاميركي الايراني في العراق لإشغالها في مسائل ثانوية وابعادها عن الهدف الاميركي الحقيقي في الملفين العراقي والسوري ؟ هل من المعقول ان تسمح ايران لتركيا بالعودة الى العراق بمثل هذه السهولة وهي التي نجحت في اجبار الادارة الاميركية على تسليمها الملف العراقي لتديره باسمها وباسم واشنطن على السواء ؟
لم لا تتخطى واشنطن العقبة التركية وتعلن الحرب على داعش بمن حضر ثم تذكر تركيا بالقول المأثور " من حضر السوق باع واشترى " ؟
هل جاء بايدن ليبلغ الاتراك ان واشنطن لم تعد تبحث عن توسيع رقعة التحالف في الحرب على داعش لان الاصطفافات شبه واضحة ولان ملف الازمة السورية الذي ترفعه انقرة في وجهها كالسيف المسلط يعرقل مسار المخطط الاميركي؟
الاعلام المقرب من ايران والمحسوب عليها لم يتراجع يوما عن التركيز على التنسيق والدعم التركي العسكري واللوجستي لتنظيم داعش في إطار خطة محاصرة تركيا وتقليص تحركها والهائها بمشاغل تشتت افكارها. لكن انقرة التي كانت تتجاهل كل هذه التعبئة الإيرانية حتى الامس القريب قررت مواجهة طهران التي كانت شريكها لسنوات طويلة بالحقائق هذه المرة.
ليست مسالة سهلة إطلاقا ان تتحرك انقرة باتجاه المصالحة مع بغداد وهي تعرف انه عليها ان تستعد لمواجهة مفتوحة ستنفجر عاجلا ام اجلا مع ايران.
قبل ايام نفى مكتب الرئيس التركي السابق عبد الله غل ان يكون الاخير قد ادلى باي تصريح للتلفزيون الايراني " تي في برس " الناطق باللغة الانكليزية او اعطى للقناة المذكورة أية معلومات حول السياسة الخارجية التركية الراهنة. القناة الإيرانية كانت قد نسبت الى غل قوله انه ينتقد سياسة الحكومة التركية الخارجية والقرارات التي يتخذها الرئيس التركي الحالي رجب طيب اردوغان. مكتب غل أشار الى ان البعض " يشن حرب استخبارات نفسية " ضد تركيا بعد الحراك الاقليمي الذي انجزته في اكثر من مكان.
قال قائد الاركان الاميركية ديمبسي ان المهام الموكل بها هي ليس انشاء وطن او اسقاط نظام في منطقة الشرق الاوسط بل الحرب على ارهاب تنظيم داعش.
وذكرت المعلومات الامنية الواردة من اسطنبول قبل ايام ان جنود سفينة حربية أميركية كانت تشارك في مناورات حلف شمال الاطلسي الاخيرة في عرض البحر الأسود قرروا قضاء بعض الوقت في شوارع المدينة السياحية التاريخية. وتقول رواية الشرطة ان مجموعة من الشباب الاتراك قطعوا الطريق على 3 من جنود السفينة وهتفوا ضدهم وضد الولايات المتحدة الاميركية وسياستها حيال تركيا والمنطقة ودعوهم لمغادرة المدينة لأنهم أشخاص غير مرغوب بهم ثم تحرك البعض للإمساك بالجنود ووضع اكياس من الورق في رؤوسهم ثم مطاردتهم في الشوارع انتقاما لحادثة السليمانية المماثلة التي وقعت عام 2003 ضد الوحدات الخاصة التركية يومها.
وقبل ايام قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي انهى زيارة استراتيجية لتركيا انه سيبحث عن آفاق جديدة من التعاون بين البلدين ورفع حجم التعاون التجاري من 35 مليار دولار الى 100 مليار دولار خلال 5 سنوات وان خطوط الطاقة الاقليمية سيتم اعادة تحديد مسارها في إطار التحولات والتقلبات الاقليمية الجديدة وبالتنسيق مع تركيا.
داوود اوغلو في اثينا لقول شيء ما حول محاولات محاصرة تركيا في مياه شرق المتوسط وتضييق الخناق عليها او محاولة إشعال غاز المنطقة هناك في وجهها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس