ترك برس
واجهت العلاقات التركية الأمريكية كثيرا من التوترات الخطيرة على مدى السنوات الخمسين الماضية. وكان الدافع وراء التغلب على تلك الأزمات اعتبارات استراتيجية، مما يؤكد دائما اعتماد الحليفين في الناتو على بعضهما البعض، بغض النظر عن خلافاتهما.
لكن هذه الاعتبارات الاستراتيجية يبدو أنها آخذة في الضعف، لأن الأولويات الإقليمية لدى تركيا والولايات المتحدة لم تعد تتطابق، بل وتتعارض في بعض الحالات مع بعضها البعض. وهذا هو الحال في سوريا، حيث يختلف البلدان حول تحالف واشنطن مع الجماعات الانفصالية السورية. وتصر أنقرة على أن هذه الجماعات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يشن حربا إرهابية على تركيا منذ أكثر من ثلاثين عاما.
على أن نقطة التحول في مسار العلاقات التركية الأمريكية كانت محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/ تموز 2016، التي تتهم أنقرة فتح الله غولن بالوقوف وراءها. وارتبط رفض الولايات المتحدة تسليم غولن على أساس عدم كفاية الأدلة، بتحالف واشنطن مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، وهو ما أقنع أردوغان وأعضاء إدارته بأن واشنطن تحاول زعزعة استقرار تركيا. كما أن أنقرة غاضبة من دعم الولايات المتحدة، لأعضاء آخرين في منظمة غولن التي تدرجها تركيا في لائحة الإرهاب.
ومن غير الواضح إذا كانت "الشراكة الاستراتيجية" بين البلدين يمكن أن تستمر بسبب الخلاف الأخير الذي أثاره قرار واشنطن تعليق منح تأشيرات الدخول لغير الهجرة للمواطنين الأتراك.
وذكر بيان السفير الأمريكي لدى أنقرة، جون باس، أن القرار اتخذ بعد اعتقال موظف تركي في السفارة للاشتباه في تعاونه مع منظمة غولن، وهو اتهام ينفيه الجانب الأمريكي.
ومن بين المؤشرات الرئيسية للمشاعر المعادية للولايات المتحدة بين مؤيدي الرئيس أردوغان وكثير من الأتراك عموما، ما كتبه إبراهيم كاراغول، رئيس تحرير صحيفة يني شفق المقربة من الحزب الحاكم في مقال له هذا الأسبوع رأى فيه أن هذه التطورات الأخيرة هي آخر حلقة فى حرب واشنطن غير المعلنة على تركيا.
وقال كاراغول فى مقاله إن محاولة الانقلاب دبرتها الولايات المتحدة التي استخدمت مجموعة غولن تحقيقا لهذه الغاية، مضيفا أن هدف واشنطن هو "السيطرة على الرئيس أردوغان من أجل سحب تركيا إلى المدار الأمريكي". كما اتهم كاراغول السفير الأمريكي باس بأنه "مسؤول عن جميع جرائم القتل" التي ارتكبت ليلة الانقلاب.
وقد شجعت تصريحات الرئيس أردوغان الغاضبة الموجهة إلى الولايات المتحدة، ولا سيما إلى السفير باس، من يؤمنون بضلوع الولايات المتحدة في محاولة الانقلاب. وصرح أردوغان للصحفيين فى بلغراد يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر خلال زيارة رسمية لصربيا بأنه لم يعد يعتبر باس ممثلا للولايات المتحدة.
وقال أردوغان في مؤتمر صحفي عقده مع الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش: "إذا كان السفير قد اتخذ هذا القرار من تلقاء نفسه، فإن الإدارة الأمريكية يجب أن لا تبقيه هنا لدقيقة أخرى".
جاءت تصريحات أردوغان بعد أسابيع قليلة من اجتماعه مع الرئيس دونالد ترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وخلال الاجتماع، قال ترامب: "إن أردوغان أصبح صديقا لي، وأعتقد الآن أننا قريبون أكثر من أي وقت مضى".
وقال دبلوماسي غربي في أنقرة لموقع المونيتور الأمريكي، إن محاولة أردوغان توجيه كل اللوم إلى السفير الأمريكي موجهة إلى ترامب، وكأنه يقول لترامب إذا كنتُ صديقك فأثبت ذلك. وأضاف الدبلوماسي الغربي: "هذا وضع خطير لأن ترامب إذا لم يفعل شيئا، فإن ذلك يزيد الوضع سوءا".
وردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر نويرت على تصريحات الرئيس أردوغان في مؤتمرها الصحفي اليومي قائلة إن القرار الخاص بوقف منح التأشيرات للمواطنين الأتراك قد اتخذ بالاشتراك بين وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والبيت الأبيض. كما وصفت السفير باس بأنه "واحد من أفضل السفراء الموجودين لدينا".
يغادر السفير باس تركيا في نهاية هذا الأسبوع لتولي منصبه الجديد في العاصمة الأفغانية كابول، ولا يبدو أن إدارة ترامب سوف ترشح بديلا في أي وقت قريب في ظل هذه الظروف، مما يقلل بشكل فعال من تمثيلها في تركيا.
ويتفق المحللون والدبلوماسيون السابقون من الجانبين على أن هذه الأزمة لم يسبق لها مثيل، مما دفع الكثيرين إلى التساؤل عما إذا كانت "الشراكة الاستراتيجية" ستستمر في المستقبل.
ويعتقد فيليب غوردون، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق، أن "العلاقة ربما تكون غير قابلة للإصلاح". وقال غوردون في مقال بصحيفة "فايننشال تايمز"، إن "البلدين يكتشفان كيف تباينت مصالحهما الأمنية الأساسية".
كما يشعر الصحفي في صحيفة حرييت التركية، سيدات إرغين، الذي عمل مراسلا للصحيفة في واشنطن لسنوات، بالتشاؤم حول مستقبل العلاقات التركية الأمريكية. ويرى إرغين أنه طالما بقي غولن في الولايات المتحدة، فسيكون شوكة في جانب هذه العلاقات.
وقال فاروق لوغ أوغلو، الذي كان سفير تركيا لدى واشنطن فى الفترة من 2001 الى 2005، إن قرار واشنطن بوقف منح التأشيرات "غير معقول وغير متناسب" لأنها تستهدف المواطنين العاديين، واصفا حجج واشنطن بشأن هذا القرار بأنها ليست مقنعة.
لكن أوغلو يعتقد أنه يمكن التغلب على هذه الأزمة، بالتوقف عن التصريحات العنيفة للسياسيين والسماح للدبلوماسيين بأداء عملهم. وقال أوغلو: "إن أسباب علاقاتنا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ما تزال مستمرة اليوم. وقد نجت هذه العلاقات من كثير من الأزمات في الماضي. وما تزال تركيا والولايات المتحدة بحاجة إلى بعضهما البعض ."
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!