محمود أوفور – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس
رغم وجود أسباب أعمق للتصعيد المتزايد بين تركيا والولايات المتحدة، إلا أن بروز قضيتا القس وموظف القنصلية الموقوفين من قبل السلطات التركية يعتبر أمر مثير للدهشة لكن ليس بالشيء البسيط.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية بدأت عضوية تركيا في الناتو، وكانت العلاقة بين أنقرة وواشنطن علاقة مرؤوس برئيس.
ونجم عن هذه العلاقة في فترة الحرب الباردة تشكيل تنظيم "غلاديو" أو ما نعرفه عندنا باسم "كونتر غريللا"، المرتبط بأحداث دامية وقذرة (غلاديو تنظيم سري تأسس في إطار الناتو بهدف محاربة التنظيمات اليسارية في أعضاء الحلف).
بعد عام 1950 أضحى مجرد كون المرء أمريكيا امتياز في تركيا. وبدءًا من عناصر وكالة الاستخبارات المركزية مرورًا بموظف الارتباط في القنصلية، إلى المسؤولين العسكريين وأعضاء الهيئة التدريسية، حتى الأمريكي العادي، كان يتعامل مع تركيا وكأنها مزرعته.
وبحجة التحالف السياسي والعسكري كان عملاء وكالة الاستخبارات المركزية يسرحون ويمرحون كما يروق لها في تركيا، بل إنهم طلبوا عدم قيام جهاز الاستخبارات التركي بأنشطة خارجية.
ورغم اعتراض تركيا من حين لآخر على هذه العلاقة غير المتساوية إلا أنها استمرت، وهذه هي المرة الأولى التي تنقلب فيها الأوضاع رأسًا على عقب.
محور الجدل الآن هو القس الأمريكي أندرو برونسون والموظف في القنصلية الأمريكية متين طوبوز.
الاثنان متهمان بالارتباط بمنظمة "غولن" وبالتجسس، وكلاهما محبوسان بقرارات من محاكم تركية.
لكن لماذا تضخم الولايات المتحدة القضية إلى هذا الحد، ولماذا يهمها هذان الشخصان؟
السر في ذلك يكمن في موقف الولايات المتحدة... فهذين الشخصين يتمتعان بأهمية أكبر بكثير من كونهما راهب وموظف ارتباط إلى درجة أن الإدارة الأمريكية تغامر بإفساد علاقاتها مع حليف لها منذ خمسين عامًا مثل تركيا. لا شك أن هناك أسباب أخرى لكن بروز هذه القضية ليست أمرًا بسيطًا كما قلت.
هذا الموقف يعني أن أنشطة وكالة الاستخبارات المركزية، المتغاضى عنها منذ سنوات، وُضعت تحت المجهر التركي. ولهذا يتمتع الراهب والموظف بالأهمية. ويمكن إدراك هذه الحقيقة من خلال النظر إلى علاقات طوبوز، الذي قيل عنه إنه موظف ارتباط بالقنصلية، مع مديرية أمن إسطنبول.
سنرى ما تتمخض عنه التحقيقات، لكن يمكن القول إن طوبوز شخص "ذو خصوصية" يمكنه دخول مديرية أمن اسطنبول متى شاء منذ مطلع تسعينات القرن الماضي. ويتوجب البحث في كيفية حصوله على هذا الإذن.
فهو بإمكانه الدخول بكل سهولة إلى مكتب مكافحة المخدرات الذي لا يمكن دخوله إلا عبر قراءة بصمة الاصبع، ونفس الأمر ينطبق على الاستخبارات والشعبة المالية.
الأمر المثير أكثر للانتباه هو ادعاء حول لعبه دورًا فعالًا، ليس في تركيا وحسب، بل في بلدان هامة كألمانيا وروسيا.
من يمكنه القول إن جهاز استخبارات قوي مثل "سي آي إيه" لا يقوم بعمليات تجسس في تركيا والبلدان المجاورة لها.
وخلاصة القول، السبب الأصلي وراء هذه الضجة هو النبش في النظام القائم وتهديد شبكة العلاقات المبنية منذ سنوات على يد " سي آي إيه".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس