فراس رضوان أوغلو - خاص ترك برس
الإختلاف و التنافس بين الدول أمر طبيعي في عالم التعامل السياسي فكل مكون سياسي يبحث عن مصلحته من باب جلب المصالح ودرء الخسائر لكن الأزمة الأخيرة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكة (أزمة التأشيرات) تعطي أنطباعاً واحداً بأن هناك تشابه في الأداء بين الغرب بشكل عام فالكل يرفض أي أمر اعتقال يصدر من قبل الجهات القانونية التركية بل ويسعى لحماية من يُستدعى للتحقيق، واذا تابعنا الأمور ابتداءً من اليونان حتى الولايات المتحدة الأمريكية فالكل له اعتراضات على طريقة التحقيق التي تجري في تركيا ويخشى على الديمقراطية من تلك الإجراءات، وأن تسليم أي متهم مقيم عندها يحتاج لإجراءات قانونية وهذه الاجراءات تحتاج لوقت، رغم وجود اتفاقات أمنية بين تركيا وتلك البلاد تسمح بتسليم المتهمين من قبل الطرفين إلا ان ذلك بقي في غياهب الإجراءات القانونية وتفصيلاتها.
بعد فشل الإنقلاب العسكري الذي كان مناط به أن يقضي على مسيرة التقدم التي تشهدها تركيا، بدأت الضغوط أو بعبارة أخرى الحرب الاقتصادية على الاقتصاد التركي عبر وسائل متعددة مثل تجميد اتفاقيات أو عبر المضاربات المالية وغيرها، ورغم التأثيرات السلبية لتلك المضاربات على الليرة التركية إلا أن مرونة الاقتصاد التركي وتعدد مصادره إضافة للمجهود الكبير من قبل المسؤولين الأتراك استطاعت تركيا تفادي أزمات كان متوقع لها أن توقف عجلة اقتصادها بل نجحت في فتح قنوات جديدة لها في بعض دول أفريقيا والبلقان و الشرق مثل الهند، وغيرها من دول أمريكا اللاتينية.
لعل فشل المحاولات السابقة في تأزيم الوضع الداخلي في تركيا جعل صناع الاستراتيجيات في الغرب ينتهجون سياسة أخرى وهي سياسة تشويه سمعة القضاء في تركيا عبر تصريحات سياسييها المتخوفة من إجراءات الإعتقال والتحقيق التي تقوم بها أجهزة الأمن التركية والتي غالبا ما تؤدي هذه التصريحات إلى تأزم العلاقات بين تلك الدولة وتركيا، كما حصل في قضية دينيز يوجيل الصحفي التركي الألماني وما تبعه من ردة فعل من قبل الحكومة الألمانية التي أعلنت أن الذهاب إلى تركيا غير أمن وأن حرية الصحافة في تركيا باتت في خطر وأن التهم التي يوجهها القضاء التركي لهذا الصحفي غير مقبوله، الحال نفسه ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية في قضية متين طوبوز (موظف في القنصلية الأمريكية) المتهم بالتجسس وبالتعاون مع جماعة فتح الله غولن والذي كان متابعاً من قبل أجهزة الأمن لمدة عامين، لكن هذه المرة الولايات المتحدة الأمريكية لم تشكك فقط بدولة القانون بتركيا ولا بالتحقيق بل طالبت بأن تشرف وتتطلع على التحقيق وأن لا يتم اعتقال أي شخص عامل لديها دون اعلامها بالأمر، إضافة لإيقاف منح التأشيرات للمواطنين الأتراك، وفي نفس السياق ترفض هولندا تسليم أي من المتهمين الذين يطالب بهم القضاء التركي بقضايا ليست جنائية بل قضايا إرهابية متعلقة بحزب العمال الكردستاني الذي يقوم بعمليات إرهابية في تركيا
التوافق في الخطاب السياسي حول التشكيك بتركيا على أنها دولة قانون يراد منه أن يوحي للداخل التركي على أن تركيا قادمة على أزمات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية وأن سياسة الحكومة الحالية هي من جلبت تلك الأزمات بل أنها باتت تتجه نحو مركزية القرار وأن ملامح الديكتاتورية بدأت بالتشكل وأن الديمقراطية والعدالة وحرية الصحافة باتوا في بوتقة خطر التفرد السياسي والفكري وعليه فإن النيتجة غير المباشرة لهذا الخطاب ستتجلى في الانتخابات القادمة من أجل عدم التصويت لحزب العدالة والتنيمة، وأما على الصعيد الخارجي فهو إيهام العالم بأن تركيا باتت دولة يتأرجح فيها القانون وأن علاقاتها السياسية مع دول ذات ديمقراطيات متجذرة أخذةٌ بالانحسار وعليه فإن ما تقوم به تلك الدول من إجراءات ضد تركيا هو للحفاظ على الديمقراطية التركية وأنه على المواطن التركي المقيم خارج تركيا أو داخلها أن لا يثق بالقضاء التركي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس