د. سمير صالحة - المدن
يستعد المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، لتقديم تقريره الى مجلس الأمن الدولي حول أسباب فشله اللامعلن في جنيف8. سيحاول ان يكون متوازناً ومنصفاً في توجيه الاتهامات وتحميل المسؤوليات للنظام والمعارضة، حول دورهما في عرقلة المفاوضات وعدم الخوض في خطته التي تقوم على مناقشة 12 بنداً للتسوية في الملف السوري.
يقول رئيس وفد النظام السوري، بشار الجعفري، أن الحكومة السورية لن تقبل الدخول في حوار بوجود أي شرط مسبق، وطبعا نحن نعني بذلك أن بيان الرياض2 يمثل شرطاً مسبقاً للمحادثات. في المقابل، اتهم رئيس "هيئة التفاوض السورية"، نصر الحريري، وفد النظام بإضاعة الوقت وعدم الجدية خلال الجولة الحالية. أما دي ميستورا، فيكتفي بإبداء أسفه لعدم حصول "مفاوضات حقيقة" بين الطرفين، ويعلن أنه سيبادر الى توجيه الدعوات لجولة جديدة من المفاوضات في كانون الثاني/يناير2018. وهو لن يستطيع الحصول على قرار أممي توافقي جديد يمنحه تفويض الضغط والمساءلة في اجتماع جنيف المقبل، لكنه لا يملك الشجاعة أيضاً لمفاجأتنا بطلب إعفائه وقرار التنحي عن الاستمرار في مهمته التي تزداد تشابكاً وتعقيداً.
الرهان على فشل محادثات جنيف8، لم يكن صعباً قبل اسبوعين، لأن الهدف الحقيقي للقاء لم يكن إنجاح المؤتمر وتنفيذ المطلوب منه بعد 7 لقاءات فاشلة أخرى، بل تكريس مقولة انتهاء دور المنظمة الأممية ووساطتها واستبدالها بحلول الأستانة وسوتشي ومؤتمر الحوار الوطني، والتي أصبحت تلخص مسار فتح الطريق أمام استراتيجية "تنازلات ما قبل التسوية" في ملف الأزمة السورية.
جنيف8 ساعدنا حتى الآن في فهم العديد من النقاط العالقة:
- موسكو تدعو أنقرة لإنهاء ما كلفت به في الأستانة حول تواجدها في إدلب وتترك موضوع عفرين إلى التسويات السياسية النهائية في الملف السوري، بينما تتمسك تركيا بإسقاط ورقة عفرين من يد البعض ضدها. في المقابل، تواصل روسيا تحركها الإقليمي وباتجاه القاهرة تحديداً، حيث يدور الحديث عن محاولة إقناع عواصم عربية بالدخول المباشر على خط الأزمة عبر إرسال قوات فصل تتمركز على الجبهات السورية. هل يعني هذا أن موسكو تتراجع عن تعهداتها السابقة لأنقرة في إطار تفاهمات الأستانة والسماح بإقامة نقاط مراقبة تركية في إدلب؟ قناعة تبرز رويداً رويداً، تقدم قوات النظام السوري نحو الحدود الإدارية لإدلب لا يمكن سوى تلقيها على أنها رسالة روسية إلى تركيا حول أن صبر موسكو يكاد ينفد وأن العملية العسكرية ستتم بشكل أو بآخر ومع تركيا أو من دونها هناك.
- التحرك العسكري لمجموعات داعش نحو إدلب لم يكن سوى مبرر لإطلاق يد النظام وقواته هناك لمحاصرة داعش و"هيئة تحرير الشام" على السواء، ودفعهما نحو الانتحار العسكري والسياسي، وفتح الطريق أمام سيناريو آخر مشابه في عفرين هذه المرة. هذا، من دون التوقف مطولاً عند الرسائل الأخيرة التي وجهها بوتين الى أنقرة عبر طهران التي تطالب دائماً بانسحاب القوات غير الشرعية من سوريا!
- أنقرة اليوم، وإلى جانب كل هذه المطبات، أمام تقاطع مراجعة مواقفها في موضوعي تمثيل "قوات سوريا الديموقراطية" ورحيل بشار الأسد قبل انطلاق المرحلة الانتقالية واحتمال أن يشعل ذلك أزمة بينها وبين حلفائها في المعارضة السورية.
- إدارة دونالد ترامب ما زالت تجد صعوبة فائقة في مسعى إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا وفي خطة التمسك بجنيف كبديل وحيد للتسوية هناك. كما أنه، من دون تفاهمها مع موسكو مباشرة، لن يكون هناك حل دائم في سوريا.
- تقدم احتمال قبول موسكو بالعودة الأميركية العسكرية الى الملف السوري وقرار إشراكها سياسياً في التسويات هذه المرة، في مقابل تخليها عن موقف أن جنيف هو المسار الوحيد لحل الصراع السوري. هل تضحي واشنطن بجنيف في مقابل إشراك حليفها المحلي الكردي في طاولة الحوار الوطني؟
- "وحدات حماية الشعب" تبحث عن مكان جديد لها بين موسكو وواشنطن، وهي تشيد بنتائج التنسيق العسكري معهما والدعم الجوي واللوجيستي الذي تحصل عليه، والذي يفتح الأبواب، كما ترى قيادات عسكرية كردية، أمام تشكيل هيئة أركان وغرفة عمليات مشتركة بهدف رفع وتيرة التعاون.
- الإبرة ما زالت تميل نحو تبني مسار حل وتسوية، يعتمد على الكثير من مقترحات المبعوث الدولي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، لكن ليس تحت إشرافه، أو في جنيف، بل بضمانات المظلة الأممية فقط. التفاهمات النهائية قد تتم في المؤتمر الوطني السوري.
- خيار الحوار حول الطاولة البديلة التي تطرحها موسكو، في جمع غالبية كيانات وشرائح الشعب السوري لتكون نواة هيئة الحوار الوطني، لا بد أن تسبقه تفاهمات ورزمة إصلاحات سياسية ودستورية واضحة ومحددة في سوتشي، لتترجم الى خطة تحرك ميداني في الاستانة تطلق يد منصة الحوار السوري-السوري التي سيتم تشكيلها.
- الموقف الروسي أوجزه بوتين، مرة أخرى، على هامش لقائه برأس النظام في سوريا في قاعدة حميميم. العملية السياسية ستبدأ انطلاقاً من انتهاء الحرب على "داعش"، وبدء تفكيك "جبهة النصرة"، واستناداً إلى عملية احتواء الصراع الداخلي المسلح في مناطق خفض التصعيد. رسالة بوتين هي أمام بشار الأسد، لكن المعنيين فعلاً هم حلفاء وشركاء موسكو وخصومها، إذا ما كانوا راغبين في إنجاز التسوية السياسية في سوريا على الطريقة الروسية.
- ثمة حقيقة أخرى، وهي أن قوى المعارضة السورية التي ترفض أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية، والتي كررت موقفها هذا في البيان الختامي لقمة الرياض2 الأخيرة، تواجَه بالتصلب الروسي الذي يقول أن الأسد باقٍ في المرحلة الانتقالية. وها هي تستعد لسوتشي آخر، وهي تعرف تماماً أنها ستُطالَب بترك شروطها المسبقة عند باب قاعة المفاوضات، فكيف ستتصرف؟
- الطرف الأكثر تراجعاً في مشروع التسويات السورية، هو المنظومة العربية، التي فشلت في فرض نفسها وسط تشرذم وتشتت مستمر حول إنقاذ الموقف والدور. وهي نتيجة سياسية واستراتيجية ليست الأولى من نوعها في العالم العربي في العقود الأخيرة.
- أولويات قيادات "حزب العدالة والتنمية"، في سوريا، تتغير تماماً، بالمقارنة مع ما كانت تفعله وتقوله قبل 7 سنوات عند انطلاق الثورة. وصول السياسة التركية إلى طريق مسدود في الخطط والحلول التي اقترحتها، دفعها إلى التحول نحو روسيا وإيران للتنسيق معهما في سوتشي والاستانة، وغداً أمام طاولة المؤتمر الوطني السوري، رغم معرفتها أن ذلك قد يتعارض مع سياستها الغربية الأميركية والأوروبية والأطلسية وربما العربية أيضاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس