أوفوق ألوتاش – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس
أنا لا أؤمن بأنّ "إسرائيل" تقف خلف كل حادثة في المنطقة، ولا أؤمن أيضا أنها تقف متفرجة على الأحداث الجارية فيها، فهي تسعى إلى جلب قطار الأحداث ليصبّ في مصلحتها، ومن جهة أخرى هي تعمل كوكيل للولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعد بالنسبة لها "الحليف الاستراتيجي"، والذي لا يمكن بشكل من الأشكال أنْ تنقطع العلاقة معه، ولهذا فإنّ "إسرائيل" كان لها يد، سواء مباشرة أو خفية، في الأحداث والتطورات التي جرت في تركيا والمنطقة، ليس منذ تسلّم حزب العدالة والتنمية الحُكم قبل عدة سنوات فحسب، وإنما منذ ما يقارب نصف قرن.
بعد الحرب الباردة، أصبحت تركيا بقيادتها، أحد خيوط أمريكا الممتدة في المنطقة، وبالتالي كانت "إسرائيل" تحتل مكانة هامة لدى تركيا، فتارة تجد الأولى تتحكم في الثانية، وتارة ترى تركيا المركز الديناميكي للسياسة الإسرائيلية للمحافظة على مصالحها وتنفيذ خططها.
التاريخ كان يُشير إلى 6 سبتمر/أيلول عام 1980، وبعد إعلان إسرائيل القدس عاصمة لها بتاريخ 20 تموز، قام حزب السلامة القومية، أحد أهم جذور حزب العدالة والتنمية، قام بعمل حشود جماهيرية في مدينة قونيا، تحت شعار "حشود إنقاذ القدس"، فخرج ما يزيد عن 100 ألف مواطن يهتف ضد إسرائيل، وكان على رأسهم نجم الدين أربكان، ورددوا نداءات "لا إله إلا الله"، والتي تعتبر كلمة التوحيد على رايات الجهاد.
بعد 6 أيام فقط، تم تنفيذ انقلاب 12 سبتمبر/أيلول في تركيا، ليخرج القائد الثاني للقوات المسلحة "علي حيدر" بمؤتمر صحفي بعد الانقلاب، حيث قال فيه :"كانت مظاهرات وحشود قونيا التي جرت، هي الشعرة التي قسمت ظهر البعير".
لننتقل إلى تاريخ 30 كانون الثاني/يناير عام 1997، أي بعد 17 سنة من انقلاب 12 سبتمبر/أيلول، وهذه المرة تم عمل أمسية ليلية للقدس في العاصمة أنقرة، في هذه الليلة تم تعليق منشورات وملصقات لدعم الانتفاضة، ولدعم حماس وقادة حزب الله، ليصف البعض تلك الأمسية بأنها "ليلة ارهابية"، بسبب وجود ملصقات لحماس "الارهابية" ولحزب الله اللبناني "الارهابي"، وبعد 28 يوم فقط، تحقق الانقلاب الثاني، فيما بات يُعرف الآن بانقلاب 28 شباط، وكما قال زعيم الانقلاب آنذاك السيد "تشوفيك بير" في مقالة نشرها عام 2002:" لم يكن بإمكاننا تعريض العلاقات التركية-الإسرائيلية للخطر".
في بداية الألفية، اتخذت تركيا طريقها نحو التمدّن، وحاولت التخلص من آثار انقلاب 28 شباط، وتغيير علاقاتها بإسرائيل، لكن نقطة التحوّل الحقيقية، كانت بزيارة قائد حماس خالد مشعل إلى تركيا بتاريخ 16 شباط 2006، وذلك بعد فوز حماس بالانتخابات الحرة والنزيهة والتي تُعتبر ربما أول انتخابات حرة ونزيهة تجري في كافة الدول العربية.
بعد تلك الزيارة، بدأت إسرائيل بشن حرب غير معلنة على تركيا من كافة الجوانب، وبدأت باتهام تركيا بأنها "غيّرت محورها"، ومن حينها أصبح رئيس الوزراء آنذاك طيب رجب اردوغان، ورئيس مستشاريه حينها داود أوغلو، على رأس أهداف إسرائيل تجاه تركيا.
عتاب على الموساد
حسب وثائق ويكيليكس، فإن مستشار وزير الخارجية الأمريكي السابق "بيرنز"، قد عاتب مسئولي الموساد بتاريخ 17 أغسطس/آب عام 2007، حيث قال له :"إلى متى سيلتزم الجيش التركي بالصمت؟"، في إشارة إلى ضرورة تحقيق انقلاب جديد، وقد حاول البعض من الجيش فعل ذلك، إلا أنهم لم ينجحوا.
بعدها عاشت العلاقات التركية-الإسرائيلية سلسلة من الأحداث المفصلية، ففي تاريخ 29 كانون ثاني/يناير عام 2009، خرج اردوغان بجملته الشهيرة ضد إسرائيل "دقيقة واحدة Oneminute"، لتشن بعد ذلك عديد الدول حربها ضد تركيا مع شركائها في الداخل، ومن المثير للانتباه، أنّنا اكتشفنا مؤخرا أنّ عملية التنصت التي جرت على مفاصل أجهزة الدولة كانت قد بدأت فعليا عام 2009 أيضا.
كل تلك الأحداث لم تكن كافية لتأزم العلاقات، حيث قامت إسرائيل بشن هجوما مسلحا على سفينة مافي مرمرة بتاريخ 31 أيار/مايو عام 2010، معتبرة أنّ الحكومة التركية "تجاوزت حدها" وأنه آن الأوان "لإيقافها عند حدها"، لتبدأ بعد ذلك الأحداث الدراماتيكية من محاولة الانقلاب في أحداث 17 كانون أول/ديسمبر، وكذلك عمليات التنصت وتعزيز مكانة التنظيم الموازي واستخدامه من أجل تحقيق هذه المهمة.
المهمة فشلت “Missionfailed”
دعونا ننتقل الآن إلى تاريخ 7 شباط 2012، حينما صدر أمر "الهجوم" للتنظيم الموازي، وكان الهدف النهائي هو اسم واحد رئيس الوزراء "رجب طيب اردوغان"، لكن أرادوا البدء بشخص يسبب لهم عائق كبير للوصول إلى اردوغان، وهو مستشار منظمة الاستخبارات القومية التركية السيد "هاكان فيدان"، هذا الأخير الذي قال عنه وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك ايهود باراك "فيدان يشكل خطرا على المصالح الإسرائيلية".
بعد ذلك تم تسريب محادثات أوسلو حول عملية السلام والمصالحة الوطنية مع الأكراد، ليتم إعلان "فيدان" كمتهم، ويتم استجوابه، وبعد ذلك اكتشفت الحكومة اللعبة، وهكذا فشل التنظيم الموازي في تحقيق أول خطوة له في طريقه نحو الانقلاب على اردوغان.
بعد ذلك تم افتعال أحداث "غيزي بارك"، واستمرت الحملة الإعلامية الدولية ضد تركيا، لكنهم فشلوا مجددا في ترك أي أثر من تلك الأحداث على الحكومة والدولة التركية.
لينتقلوا أخيرا إلى محاولة الانقلاب التي جرت خلال 17-25 كانون أول/ديسمبر، ليطلق التنظيم الموازي طلقته الأخيرة، هذا التنظيم الذي تم تفعيل دوره منذ ما بعد زيارة خالد مشعل إلى تركيا عام 2006، وهكذا فشلت كل جهودهم أمام إرادة الشعب التركي.
بعد عدة سنوات، وأثناء تسريبات جديدة لويكيليكس، ربما سترون فيما بين المعطيات التي ستنشر حول الأحداث التي استمرت حتى 17-25 كانون أول/ديسمبر، الجملة التالية :"أولادنا فشلوا في تحقيق المهمة".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس