بيرجان توتار – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس
بلغ الصراع متعدد الجنسيات والأبعاد ذروته على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي في سوريا التي تحولت إلى ما يشبه برميلًا من البارود.
وعلى الأخص، كل خطوة قذرة وخاطئة تقدم عليها الولايات المتحدة في إطار سياستها لبلقنة سوريا، تقلب كل الحسابات الاستراتيجية رأسًا على عقب.
الحروب بالوكالة المستمرة في سوريا منذ سبع سنوات عبر التنظيمات الإرهابية والشركات الأمنية الخاصة والميليشيات والقوات السرية والجنود المرتزقة، بدأت تترك مكانها رويدًا رويدًا للصراع العالمي الدامي بين القوى الفاعلة الأساسية.
وعندما بدأت المناطق العازلة والتنظيمات الإرهابية المدعومة من جانب القوى المختلفة بالانحسار في سوريا اندلعت المواجهة بين أكثر القوى تأثيرًا كتركيا وروسيا والولايات المتحدة وإيران وإسرائيل.
ومع نزول اللاعبين الأساسيين إلى الميدان بدأت الانتقادات تتزايد لخطط مشاريع الولايات المتحدة بشأن سوريا. فروسيا وجهت انتقادات شديدة وصريحة لواشنطن الساعية لتقسيم سوريا عبر إنشاء دويلة كردية، ولمحاصرة تركيا بحزام إرهابي. كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن سوريا تواجه خطر التقسيم.
منذ البداية كانت الاستراتيجية الكبرى/ السياسة الرئيسية للولايات المتحدة هي "بلقنة" وتقسيم سوريا، أو تركها للفوضى على غرار الصومال. وعلينا ألا ننسى أن البلقنة هي مفهوم الاحتلال الأنكلوساكسوني الأكثر فعالية خلال القرون الثلاثة الماضية والمعروف بمبدأ "فرّق تسد".
بذلت الإدارة الأمريكية كل جهودها دائمًا من أجل تغيير خريطة سوريا، وليس نظامها، ولم تنبس ببنت شفة إزاء تجاوز نظام الأسد لكل الخطوط الحمراء. ولهذا كانت الناحية الرئيسية التي اهتمت بها واشنطن هي توسيع خطوط الصدع العرقية والدينية.
مخطط سوريا المقسمة إلى أربعة دويلات، كردية في الشمال ودرزية في الجنوب وعلوية في الغرب وسنية في الشرق، الذي وضعته الولايات المتحدة عام 2013، يتمتع بأهمية كبيرة لأمن حدود إسرائيل الشمالية.
كما أن سوريا المقسمة من الناحية السياسية ستكون محركًا جديدًا لصراع القوى الإقليمية في المستقبل، على غرار العراق. وبهذا ستكون بلدان المنطقة وفي طليعتها تركيا ولبنان والعراق والأردن وإيران عرضة للتهديد بضغوط جيوسياسية قادمة من سوريا المقسمة.
لكن الضغط الحقيقي الذي لم تتمكن القوى العالمية من حسابه نجم عن عدم التوافق بين الاستراتيجية والواقع الاجتماعي لبلدان المنطقة. فالعقل الأمريكي الذي تغاضى عن الغنى الثقافي والتاريخي والسياسي لقوة كتركيا، واكتفى بحصرها في معطيات إحصائية، واجه هزيمة لم تكن في حسبانه.
النظام الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة أصابته حالة من الشلل في سوريا، وذلك ناجم عن طبيعة النظام نفسها والحسابات القذرة بشأن هذا البلد في المستقبل.
وبشكل من الأشكال فإن الولايات المتحدة سقطت في الحفرة التي حفرتها لغيرها، وسيذكرها التاريخ على أنها القوة التي هدمت نظامًا بنته بأيديها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس