ترك برس
تناول تقرير للكاتب المصري مصطفى عبد السلام، رئيس قسم الاقتصاد بصحيفة "العربي الجديد"، الأهداف الاقتصادية التي يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى تحقيقها من قراره التعجيل بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
والأسبوع الماضي، أعلن أردوغان تقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد إلى 24 حزيران/ يونيو القادم، بدلًا من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
وقال أردوغان إنه "نتيجة للعمليات العسكرية التي نخوضها في سوريا والأحداث التاريخية التي تشهدها منطقتنا، بات من الضروري لتركيا تجاوز حالة الغموض في أسرع وقت ممكن".
ويرى عبد السلام، أن أردوغان ربما وجد في هذه الخطوة ما يساعده على تحقيق حلم "تركيا 2023"، وتنفيذ الأهداف الاقتصادية الكبرى التي يسعى إليها، وأبرزها أن تصبح تركيا واحدة من أكبر 10 اقتصاديات في العالم علما بأنها تحتل حاليا المرتبة رقم 17.
ويهدف أردوغان لأن تقود تركيا دول مجموعة العشرين، صاحبة أقوى اقتصاد حول العالم، وأن يصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 2 تريليون دولار بحلول عام 2023، وأن يرتفع متوسط دخل الفرد إلى 25 ألف دولار في 2023.
كذلك يسعى أردوغان، على المدى المتوسط، إلى أن يحوّل تركيا إلى واحدة من أبرز الدول جذباً للاستثمارات الخارجية، ليس في الأسواق الناشئة فقط بل وفي العالم، وهو ما سيترتب عليه في النهاية خلق مزيد من فرص العمل والتشغيل، وزيادة الإنتاج والصادرات الخارجية والسياحة، وبالتالي الوصول للهدف الأبرز لدى أردوغان وحكومته وحزبه، وهو الحد من البطالة، خاصة بين الشباب، وخفض مستوياتها الحالية البالغة 10.8% لتصل إلى 5 %، والحد كذلك من معدل التضخم الذي يزيد عن 10% وخفض أسعار السلع.
أما عن الأهداف الاقتصادية المباشرة والقصيرة التي يسعى أردوغان إلى تحقيقها من قراره التعجيل بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فأولها وأبرزها - بحسب الكاتب المصري - هو الانتقال سريعاً من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وطي المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد وخلقتها التعديلات الدستورية التي تمت في عام 2017، وبالتالي منحه الصلاحيات الكاملة في إدارة المشهدين السياسي والاقتصادي، خاصة أن النظام الرئاسي يعطي صلاحيات أكبر لرئيس الدولة.
وثاني هذه الأهداف هو القضاء على حالة الغموض السياسي والترقب بين المستثمرين وأسواق المال التي كانت تكتنف أي بلد عادة في فترات ما قبل الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، أو في حال وجود فراغ رئاسي، وهي حالة تؤثر سلباً على مناخ الاستثمار ومعدل تدفق رؤوس الأموال لأي بلد، بل وقد تؤثر أيضاً على سوق الصرف الأجنبي وحركة العملة الوطنية مقابل الدولار، وهو ما شاهدناه خلال الأشهر الأخيرة وفقدان الليرة نحو 7% من قيمتها خلال العام الجاري رغم التحسن الملحوظ في مؤشرات الاقتصاد التركي.
أما ثالث هذه الأهداف فهو أن إنجاز ملف الانتخابات يتيح للرئيس التركي وحكومته التفرغ لإنجاز خطط ومشروعات كبرى يتم تنفيذها في إطار مشروع تركيا 2023، من بين هذه المشروعات:
1- مشروع شق قناة إسطنبول الجديدة، أحد المشاريع الكبرى من مشاريع "تركيا 2023"، والبالغ كلفتها الاستثمارية 10 مليارات دولار، وتصل بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ويعتبرها صناع السياسة التركية أكثر أهمية مستقبلاً من مشروعات مشابهة مثل قناة بنما.
2- مشروع السيل التركي الذي سيؤمن حاجة البلاد من الغاز والوقود، بل ويحولها إلى سوق عالمي لتصدير الغاز الروسي للقارة الأوروبية، وهذا المشروع تبلغ تكلفته نحو 19 مليار دولار.
3- مشروع تشييد أول محطة نووية "أك كويو" بالتعاون مع موسكو، التي تبلغ تكلفتها 20 مليار دولار، وهذا المشروع هو أول محطة نووية تشرع تركيا في إنشائها بمرسين على البحر المتوسط، ومن المقرر افتتاحها خلال الاحتفال بمئوية تأسيس الجمهورية عام 2023، وهذه المحطة النووية تُلبّي 10% من احتياجات البلاد للطاقة.
4- إنجاز مطار إسطنبول الثالث، البالغة استثماراته 10.6 مليارات دولار، وهو ثالث مطار في إسطنبول، وسيكون أكبر مطار على مستوى العالم، وتتوقع تركيا تحقيق المطار إيرادات قيمتها 79 مليار دولار، وتقديم خدمات لـ200 مليون مسافر سنوياً.
5- تقليص العجز الضخم في الميزان التجاري، الناتج عن ضخامة واردات تركيا من الطاقة، وذلك عبر إحداث طفرة في الصادرات الخارجية ورفع قيمتها إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2023، والوصول مثلاً بقيمة صادرات تركيا من السيارات إلى 75 مليار دولار.
يدخل أردوغان المعركة الانتخابية المقبلة ولديه رصيد كبير من النجاحات الاقتصادية التي حققها حتى في ذروة فترة القلق السياسي، سواء المصاحب للانقلاب العسكري الفاشل الذي وقع في يوليو/ تموز 2016، أو إبان التعديلات الدستورية.
ففي العام الماضي حققت البلاد معدل نمو بلغ 7.4%، وهو معدل فاق معدلات النمو المحققة من قبل الصين (6.9%) أو من قبل مجموعة العشرين ودول الاتحاد الأوروبي.، وإيرادات الصادرات قفزت إلى 157 مليار دولار في عام 2017 والسياحة هي العليا، بـ40 مليون سائح وإيرادات نحو 30 مليار دولار.
وبعد نحو 5 أشهر يفتتح أردوغان مطار إسطنبول الثالث الأكبر في العالم الذي يوفر أكثر من 100 ألف فرصة عمل في العام الواحد عقب افتتاحه، ليرتفع الرقم إلى 225 ألف فرصة، بحلول عام 2025، وقبل أيام افتتح أردوغان خط مترو "باشكنتراي" في العاصمة أنقرة، الذي يخدم 520 ألف مسافر يومياً.
كما جذبت البلاد في عهد حكوماته المتعاقبة ما يقارب 191 مليار دولار استثمارات خارجية، كما تم افتتاح ثالث جسر معلق فوق مضيق البوسفور في عام 2016، وارتفع عدد المطارات في تركيا من 25 إلى 55 مطاراً، في ظل حكومات حزب "العدالة والتنمية".
لكن ليس طريق أردوغان مفروشاً بالورود كما يظن بعضهم، فهناك تحديات عدة قد تواجهه في حال اجتياز اختبار الانتخابات الرئاسية المقبلة، أبرز هذه التحديات خطر الإرهاب، والملف الكردي، ومحاولة بعض القوى الإقليمية والغربية إضعاف نفوذ تركيا في المنطقة، والحرب في سورية، وإقدام بعض الدول، خاصة الأوروبية مثل ألمانيا مثلا، على فرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، كما فعلت روسيا عقب إسقاط طائرتها الحربية من قبل القوات التركية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!