ترك برس
تناول تقرير صادر عن مركز الجزيرة للدراسات النزاع على الغاز في حوض شرق البحر المتوسط، مشيرًا إلى أن الاكتشافات الحديثة لحقول الغاز بقدر ما هي فرصة لزيادة التنمية في المنطقة إذا ما وجدت البيئة السياسية الملائمة، فإنها أيضًا تهدد بسلسلة من النزاعات إذا لم تنظِّم الأطراف المعنية خلافاتها.
التقرير، الذي أعدّه الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية علي حسين باكير، رأى أن حسابات تركيا السياسية المتعلقة بالغاز في شرق البحر المتوسط كانت ولا تزال ترتبط بآمالها في أن يتحول اكتشافه إلى دافع لإنجاز مصالحة توحد شطري الجزيرة وتتيح لهما الاستفادة من الثروات المكتشفة.
لكن سعي قبرص اليونانية إلى إجراءات أحادية تتجاهل مطالب الجانب التركي والقبرصي التركي حول الغاز ما يحول "الملف التصالحي" إلى ملف خلافي يميل إلى المعادلة الصفرية، وفقًا للتقرير.
إذ تعتبر أنقرة أن مثل هذا السلوك كان ولا يزال وراء فشل مفاوضات السلام المتعلقة بالجزيرة في وقت كان من الممكن فيه استغلال ملف الغاز من أجل حشد الدعم اللازم لتوحيد الجزيرة كشرط لاستغلال ثرواتها المشتركة.
وتتسم المشكلة بين تركيا وقبرص اليونانية ببُعدين: الأول يرتبط بالدولتين مباشرة، والثاني يرتبط بالعلاقة بين قبرص (التركية- لا يعترف بها أحد باستثناء تركيا) وقبرص (اليونانية- عضو في الاتحاد الأوروبي).
بالرغم من ذلك، غالبًا ما يتم التعامل مع الملف كمشكلة واحدة ذات أبعاد سياسية وقانونية وحدودية واقتصادية وأمنية متشابكة ومتعددة.
وبالرغم من الاختلال الكبير في موازين القوى بين تركيا وقبرص اليونانية، إلا أن الجانب القبرصي يستقوي بأربعة معطيات، هي: الدعم المضمون من قبل اليونان، وعضويته في الاتحاد الأوروبي، والاتفاقات الإقليمية مع إسرائيل ومصر ولبنان، وإعطاء رخص التنقيب لعدد كبير من الشركات التي تتبع في الغالب للقوى الكبرى (أميركا، روسيا، فرنسا، إيطاليا...إلخ).
يأتي ذلك في محاولة لربط مصالح هذه الدول بمصالح جمهورية قبرص اليونانية، بحيث يشكِّل ذلك رادعًا للجانب التركي.
وتدرك أنقرة أن توقيع قبرص (اليونانية) اتفاقات ترسيم للمنطقة الاقتصادية الخالصة مع مصر ولبنان وإسرائيل يهدف إلى أن تحصن الأخيرة نفسها أمام المطالب التركية لكي يصبح ذلك أمرًا واقعًا يتجاوز قدرتها على الرد.
في هذا الإطار يُنظر إلى التعاون الثلاثي القبرصي-الإسرائيلي-المصري المتزايد في شرق المتوسط على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري ربما على أنه جهد مشترك لتشكيل محور في وجه الموقف التركي.
أمام هذه المعطيات هددت تركيا بشكل متكرر منذ العام 2012 على الأقل بأن أي إجراء أحادي من قبل قبرص اليونانية يتجاهل الحقوق التركية أو حقوق قبرص التركية (المذكورة أعلاه)، سيقابَل برد مناسب يضمن حقوق ومصالح تركيا.
ومع مرور الوقت واستمرار تجاهل التحذيرات التركية، أصبحت أنقرة أكثر حزمًا في التعبير عن شكل الإجراءات التي ستتخذها وتتضمن:
**حرمان الشركات التي تتجاوب مع قبرص اليونانية من فرص الاستثمار في تركيا.
**السماح للشركات التركية ببدء عمليات المسح أو التنقيب في بعض المناطق المتنازع عليها (عام 2011 أعطت قبرص التركية الحق لتركيا بالتنقيب في محيطها).
**منع السفن القادمة للتنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي حددتها قبرص اليونانية وتتداخل مع مناطق تركيا أو قبرص التركية (عبر نشر قطع بحرية تركية في المناطق المتنازع عليها).
عملت أنقرة بالفعل على تنفيذ هذه التهديدات خلال فترات متعاقبة آخرها إرسال سفن عسكرية لاعتراض عمل شركة "إيني" الإيطالية وإجبارها على التراجع، كما أكدت في ختام اجتماع مجلس الأمن القومي الخاص بها على أنها لن تتنازل أبدًا عن مصالحها في المنطقة أمام اليونان وقبرص.
خاصة أن هناك اعتقادًا سائدًا لدى بعض المسؤولين الأتراك يشير إلى نوايا قبرصية-يونانية تهدف إلى تسريع عملية التنقيب عن الغاز شرق البحر المتوسط على اعتبار أنه لن يكون بإمكان أنقرة الرد باستعمال القوة الصلبة بينما هي مشغولة في سوريا والعراق على وجه الخصوص.
ويخلص التقرير إلى أن ازدياد عدد الأطراف المتنافسة والمتنازعة أكبر في الحالة التركية-القبرصية وهو ما يعقِّد الموقف ويجعل إمكانية حصول خطأ في الحسابات لدى أحد الأطراف أعلى لاسيما عندما تتدخل الدول الكبرى بقوتها العسكرية لحماية سفنها أو مصالحها في تلك المنطقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!