كلما نمت قوة تركيا الاقتصادية في الأسواق الأوروبية والعالمية أكثر، كلما تصاعدت محاولات أطراف خارجية للحد من وتيرة هذا النمو الاقتصادي المستمر على مدار السنوات الـ 16 الأخيرة.
إن عمليات الضغط السياسي على تركيا باستخدام التأثيرات المالية المباشرة وغير المباشرة لم تتوقف طوال الفترة الماضية، لكن تركيا وبفعل البنية المتينة المتماسكة لاقتصادها، وبفضل الاستقرار الذي شيده الشعب الواعي بمقدَّراته، تمكنت من تجاوز كل تلك المحاولات الفاشلة للنيل من قوتها الاقتصادية وحتى من سيادتها.
محاولات عدائية متكررة تجاه الاقتصاد التركي
في نهايات العام 2012 ومطلع العام 2013 شهدت تركيا نمواً اقتصادياً غير مسبوق، ويبدو أن هذا النجاح قد أثار حفيظة أذرع سياسية لم ترد الخير للبلاد، فتم الحشد لتحركات مريبة بحجة حماية البيئة، وسرعان ما تحولت هذه الحركة إلى تظاهرات عنيفة اعتدت على ممتلكات المواطنين وعلى المنشآت العامة متذرعة بالتظاهر لحماية الأشجار، فتأثر سعر صرف الدولار آنذاك وارتفع من 1.79 ليرة تركية للدولار الواحد، إلى مستوى ليرتين مقابل الدولار.
المحاولة الثانية كانت من خلال التحركات التي قام بها تنظيم فتح الله غولن المعادي، بتاريخ 17 و25 كانون الأول/ ديسمبر 2014، حيث حاول جرّ الحكومة إلى الاستقالة عن طريق ادعاءات طالت مسؤولي الدولة، وقد انعكس ذلك في حينها على سعر صرف الدولار ليصل إلى مستويات 2.25 ليرة تركية.
المحاولة الثالثة للتلاعب باستقرار العملة الوطنية وافتعال الأزمات، كانت عن طريق حزب العمال الكردستاني، الذي قام بتنفيذ عدة هجمات مسلحة غاشمة، أسهمت في ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 2.99 ليرة تركية.
على الرغم من جميع هذه المحاولات، تمكن الاقتصاد التركي من التعافي والازدهار مجدداً، وعاود سعر الصرف الارتفاع أمام الدولار، فكانت الحملة العدائية أكثر وحشية هذه المرة، وتسببت في استشهاد العشرات من أبناء الشعب التركي، على يد أتباع التنظيم الموازي أثناء محاولة الانقلاب العسكري الفاشل، ونتج عن هذه الأحداث الجسيمة، ارتفاع سعر القطوع الأجنبية في البلاد ومنها الدولار، حيث وصل سعر الصرف إلى مستوى 3 ليرات تركية، وما لبث أن انخفض بعد ذلك إلى مستوى 2.97 ليرة تركية.
في المحاولة التالية دخلت مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية على خط هذه اللعبة غير النزيهة، وقدمت العديد من التصنيفات السلبية غير المبررة، فأثّر هذا التدخل السافر في شؤون البلاد على الاقتصاد المتعافي حديثاً، وتزامن ذلك مع ارتفاع سعر الصرف من مستويات 2.87 إلى 3.86 ليرة تركية للدولار الواحد.
الأزمة الاقتصادية الأخيرة
وإبان الانتخابات المبكرة التي أعلنت عنها تركيا في شهر حزيران/ يونيو 2018، تكررت أزمة وكالات التصنيف العالمية -المسيسة- مرة أخرى، وبرز ذلك خلال الأيام القليلة الماضية، حيث قامت بتخفيض الدرجة الائتمانية لتركيا، الأمر الذي دفع الدولار الأمريكي للارتفاع إلى مستويات جديدة ناهزت 4.80 ليرة تركية.
وانتقد نائب رئيس الوزراء التركي محمد شيمشك، قرار وكالة ستاندر آند بوورز بشأن التخفيض الائتماني لتركيا، لافتاً إلى أن تحليلات الوكالة غير كافية لاتخاذ قرار الخفض، وأن توقيت إعلان ستاندر آند بوورز قرارها في هذه الفترة مثير للتعجب، لا سيما أن الوكالة أعلنت سابقاً أنها ستقيّم تصنيف تركيا في أغسطس/ آب المقبل!
خطة للمواجهة الاقتصادية التركية
في المقابل وفي إطار خطة مواجهة اقتصادية، اتخذت الجهات الرسمية النقدية مؤخراً عدة إجراءات وقائية وتصحيحية عاجلة، كما قدم وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، موعداً أقصاه يوم 10 حزيران/ يونيو 2018 لاستقرار سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، مرجعاً ذلك إلى عدة عوامل، أهمها أن سعر الصرف لا يعكس الأرقام الحقيقية في تركيا، لا سيما النمو الاقتصادي الكبير، وزيادة التجارة وارتفاع عدد السياح.
الوزير التركي شدد في كلمته خلال لقاء مع غرفة الصناعة بولاية دنزلي التركية يوم الجمعة الموافق 25/05/2018 على أن تأرجح سعر الصرف لا يعكس الحقيقية، وهو أمر غير مقبول، إلا أن تركيا ستتجاوز ذلك، فالمؤسسات التركية لديها الأدوات المناسبة، ولها قابلية عالية، وسيتم عمل اللازم من دون ترك أية آثار على الاقتصاد.
ويبدو أن هذه السياسات العاجلة قد آتت أُكلها باكراً، وظهر التحسن في أسعار الصرف بصورة فورية ومباشرة قبل حلول الموعد المحدد أعلاه.
السياسة أم الاقتصاد سبب أزمة العملة التركية؟
إن الظروف السياسية والإقليمية في المنطقة، تحتم على الشعب التركي أن يلتف حول منجزاته السيادية والاقتصادية، وليس ذلك بمستغرب فقد ارتفعت هذه السياسات بالمواطن التركي إلى مراتب ريادية متقدمة على مستوى العالم، وصنعت مثالاً فريداً للسيادة والقوة والإرادة، وقد بَذَلَ في سبيل صونها الغالي والنفيس، وقاوم كل محاولات التخريب العسكرية والسياسية والاقتصادية...
وتجلى ذلك في الدعم الشعبي لسياسات الدولة داخلياً وخارجياً، بالرغم من الاستقطابات السياسية الحادة، والانتخابات الجديدة التي تجري في ظل تعديلات دستورية تاريخية، ستمنح الرئيس التركي القادم مزيداً من التمكين والدعم في قيادة دفة البلاد إلى شواطئ الرفاه والاستقرار.
لذلك كله لا يمكن تفسير المحاولة التخريبية الأخيرة للعبث باستقرار الليرة التركية، إلا ضمن السياق الخارجي ذاته، وذلك بسبب تشابه الآليات المستخدمة سابقاً، بدءاً من المؤامرات والهجمات الإرهابية، ووصولاً إلى محاولة الانقلاب على الشرعية، وتخفيض الدرجة الائتمانية للدولة.
لغة الأرقام لا تكذب
إن هذه المحاولات الفاشلة تعمل على توظيف أي ظرف مؤقت كالانتخابات مثلاً، للنيل من مقدرات البلاد، أما على الصعيد الاقتصادي فلغة الأرقام لا تكذب، والنمو التاريخي في حركة التصدير الخارجي كسرت حاجز 30 مليار دولار في الأشهر الـ 12 الأخيرة لقطاع تصنيع السيارات فحسب وهو رقم قياسي جديد يسجله الاقتصاد التركي، وتصاعدت أعداد السياح باستمرار، ومن المتوقع أن تصل حركة المسافرين في المطارات التركية إلى 200 مليون مسافر خلال العام 2018، في حين حققت الاستثمارات الأجنبية ضمن مختلف القطاعات التنموية والأصول الثابتة مثل العقارات إنجازات غير مسبوقة، حيث وصل حجم الاستثمار الأجنبي إلى مستويات قياسية عند 4 - 5 مليارات دولار أمريكي، وتتوقع وزارة الاقتصاد التركية أن يصل هذا رقم الاستثمار الأجنبي 10 مليارات دولار أمريكي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!