أكرم قزل طاش – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس
إن مشكلة أمريكا مع تركيا خلال الفترة الراهنة لا تختلف بشيء عن مشكلتها خلال محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو، وتضع الراهب برونسون حجّة للضغط على تركيا من أجل الوصول إلى الغاية ذاتها، والبعض يبالغ في هذه المسألة ليعكس المشهد على أن الراهب الأمريكي قد وقع أسيراً في يد الحكومة التركية، وأمريكا تطالب باستبدال برونسون بالراهب فتح الله غولن المتواجد في بنسلفانيا.
في البداية يجدر بالذكر أن غولن هو راهب أمريكي أيضاً، إن ولادته في تركيا لا يعني أنه ينتمي للمجتمع التركي، إنما هو عبارة عن بيدق وعميل أمريكي سعى لتحويل تركيا إلى ولاية أمريكية، ومن جهة أخرى إن تركيا ليست في موضع يسمح لها باستبدال الراهبين، وقد ورد مسبقاً أن بعض الدول تبادر في عمليات تبادل الرهائن والسجناء، لكن مسألة الراهب ليست شبيهة بتبادل الرهائن، كما أن الراهب برونسون ليس رهينة لدى الحكومة التركية.
كلا الراهبين ارتكبا جرائم كبيرة بحق الدولة التركية وشعبها، فتح الله غولن هو قائد تنظيم إرهابي تمادى لدرجة أن يحاول تنفيذ انقلاب عسكري في ليلة 15 تموز/يوليو في تركيا، وهو مرتكب جميع الجرائم التي أدّت لاستشهاد العديد من المواطنين الأتراك في الليلة المذكورة، فضلاً أن جرائمه الجارية في الوقت الحالي أيضاً.
إن تنفيذ هذه الجرائم بتوجيه من الدولة الأمريكية العميقة لم يعد سرّاً، لذلك أمريكا تستمر في حماية غولن إلى أقصى درجة، ويجدر القول إن جرائم الراهب برونسون تتعلّق بالقضاء التركي، وليست مسألة سياسية، ولا أعلم ما هي الجرائم التي ارتكبها برونسون بالتحديد! لكن يُشار إلى وجود علاقات بينه وبين تنظيم الكيان الموازي وبي كي كي، وفي جميع الأحوال يعود القرار في هذا الخصوص للقضاء التركي.
عندما قرّر القضاء التركي تحويل فترة سجن الراهب برونسون إلى سجن المنزل شعرت بالانزعاج الشديد، ولا أعلم إن كان هذا القرار يٌطبّق على باقي السجناء أيضاً، أم أنه حالة خاصة ببرونسون فقط، واعتقدت أن تطبيق هذا القرار على الراهب برونسون بشكل خاص سيجرح مشاعر الرأي العام التركي بأكمله، ومع استمرار هذه التساؤلات تفاجأت بتهديد الرئيس الأمريكي ترمب ومساعده مايك بينس للحكومة التركية! وطالبوا أنقرة بإطلاق سراح الراهب برونسون، وأشاروا إلى أن عدم إطلاق سراح برونسون سيدفع واشنطن لفرض العقوبات على تركيا.
لنفترض أن القضاء التركي أصبح تحت قيادة أردوغان بشكل مباشر خلال النظام الرئاسي الجديد، وأن أردوغان يريد إطلاق سراح الراهب برونسون كتنازل لأمريكا بهدف فتح صفحة جديدة في إطار علاقات الدولتين التركية-الأمريكية، ألا يتوجّب على أمريكا تقديم الشكر لتركيا والتصريح بأنها ستساهم في تقدّم هذه المرحلة ضمن أجواء حقوقية وقانونية؟ لكن أمريكا فعلت عكس ذلك تماماً، ولم تساهم في تسهيل المسألة، وزادت من صعوبة قضية الراهب برونسون، وحوّلت هذه المشكلة إلى أزمة سياسية بعد أن كانت مسألةً قضائية، وأشارت إلى أنها تستطيع حل هذه المشكلة بأساليب القوة والعنف.
إن الأوضاع المشهودة تشير إلى أن أمريكا لا ترغب في حقيقة الأمر بإطلاق سراح الراهب برونسون، لأن جميع العالم يُدرك أن أسلوب التهديد لن يجد نفعاً مع الرئيس أردوغان، وأن التهديدات ستعود بالضرر لصاحبها، وبالتالي يمكن القول إن أمريكا تريد أن يبقى الراهب برونسون في الداخل التركي لتضعه حجةً للضغط على تركيا.
لا شك في أن مشكلة أمريكا هو أردوغان وليس الراهب برونسون، وأن واشنطن تسعى لإكمال ما فشلت في تنفيذه من خلال الراهب فتح الله غولن في ليلة 15 تموز/يوليو 2016 في الفترة الحالية من خلال الراهب برونسون، من خلال زعزعة الاقتصاد التركي والضغط على الاخيرة في المجال الدبلوماسي وتصوير الحكومة التركية على أنها نظام إرهابي ضمن محاولة لفتح باب جديد للمزيد من العمليات ضد تركيا، وهذا هو الهدف الحقيقي لأمريكا، أن تدفع أردوغان للخضوع لواشنطن والإطاحة به إن لم يفعل ذلك، ونظراً إلى أن الرئيس أردوغان لن ينحني أمام أمريكا فيجب أن نكون مستعدّين لألاعيب ومحاولات جديدة خلال الفترات المقبلة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس