وداد بيلغين – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس
لا نستغرب خروج بعض الأصوات المنزعجة من زيارة اردوغان إلى إفريقيا، ولا نستغرب أنْ يدور في ذهن البعض سؤالا :"ماذا نفعل في إفريقيا؟". تركيا اليوم وبعد 100 عام، تريد أنْ تخرج من حبسها، ومن دورها الذي فرضته عليها القوى العظمى.
بعد الحرب العالمية الأولى قامت الدول الغربية بتقسيم السيطرة على العالم بينها، ونحن وقعنا معاهدة لوزان أيضا بناء على ذلك، وبدون خوض نقاش حول تلك المعاهدة، ما أريد قوله هو أنّ تلك المعاهدة وما جرى بعد الحرب العالمية الأولى حددت "الوضع الجديد للعالم"، وبناء على ذلك تم تقسيم الهيمنة على آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، وباقي بقاع الأرض.
وفي الحقيقة أول ما تم سرقته ونهبه بعد الحرب العالمية الأولى هي إمبراطوريتنا، وأراضينا، لأنه في ذلك الزمن، كانت سالونيك مثلها مثل اسطنبول، وكانت بغداد وحلب وبنغازي مثلها مثل إزمير وعنتاب وهتاي، فأكبر الخاسرين في الحرب العالمية الأولى كنا نحن، والشعوب المظلومة في العالم.
تأسيس عالم جديد
كان يتم التحكم في النظام العالمي الذي تم تأسيسه بعد الحرب العالمية الأولى، من قبل الدول الرأسمالية الغربية المتطورة، وفي محيطها الدول الاستعمارية والدول التابعة لهما من الدول غير المستقلة.
اضطرت الدول الضعيفة وغير المستقلة إلى قبول الفوقية للدول الغربية، لأن الغرب كان قويا، ولم يكن هناك بديل عنه سوى الاتحاد السوفييتي، لكن الأخير أيضا احتل كل بلاد القوقاز وارتكب الفظائع بحق المسلمين، واحتل الدول التي كانت تتبع للدولة العثمانية أيضا.
حصل تغييران على النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، الأول هو تغيير الزعامة الغربية للنظام العالمي، حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي زعيمة النظام العالمي الرأسمالي. أما التغيير الثاني، فتمثل ببداية مرحلة استقلال الدول من الاستعمار.
مع حصول تلك التطورات في العالم، بقيت تركيا مستمرة في تطبيق معاهدة واتفاقية لوزان، وهي تعني التلاؤم والتوافق والبقاء مرتبطة بالغرب، وبعد احتلال السوفييت لشرق أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ومحاولتها السيطرة على أراض تركية أيضا، فتح ذلك المجال واسعا لزيادة التعاون بين تركيا والغرب، وبالتالي ازدادت العلاقات الاقتصادية والعسكرية، وازداد الترابط بين تركيا والغرب.
ولا بد هنا من توضيح أنّ السياسة التي مارستها الغرب بعد اتفاقية لوزان، والسياسة التي مارسوها بعد تشكيل حلف الناتو، كانت في الأساس ضمن إطار "النظام العالمي الغربي"، وهذه السياسة تتمثل بالانغلاق على الداخل والمحافظة على أفكارهم، أما الخارج فالأهم هو تحقيق مصالحهم من تلك المجتمعات بغض النظر عن الظروف والطريقة التي يعيشون بها.
حان موعد استيقاظ المظلومين
لهذا يسعى الغرب إلى تحقيق مصالحه من الدول التي تخضع تحت هيمنته، ولذلك يدعم الأنظمة الديكتاتورية التي تنفذ المهام المطلوبة منهم، ويدعم الديمقراطية إذا جاءت بنظام حكم يوافق أهدافها ويكون خاضعا لها.
لهذا شكلت الديمقراطية في تركيا، وإنهاء تأثير العسكر، ومحاولة تحقيق الاستقلال التام عن الهيمنة الغربية مثار قلق وخوف الغرب على مصالحهم وأهدافهم، لأنهم يدركون أن تركيا تسير على طريق نزع قميص الذل والخضوع للهيمنة الغربية، وليس غريب أنْ يكون المعترضين على زيارة تركيا إلى إفريقيا، هم نفسهم الذين يعترضون على زيادة تأصيل الديمقراطية في الدولة التركية.
يجب أن تتواجد تركيا في الشرق الأوسط، وفي إفريقيا وفي آسيا، وعليها زيادة التعاون مع محيطها بكل قوة، وعليها أنْ تثبت وجودها كقوة في هذه المنطقة، واليوم زيارة تركيا إلى جيبوتي وإثيوبيا والصومال لا تمثل زيارة "مستولين مستعمرين"، وإنما تذهب تركيا إلى تلك الدول لتقديم مساعدات إنسانية، لبناء المستشفيات وتقديم العلاج وغيرها من الاحتياجات الأساسية التي سلبتها الدول الاستعمارية، تركيا تذهب اليوم إلى هناك من أجل الإمساك بيد تلك الشعوب للنهوض سويا، ولا شك أنّ مشهد الأفارقة السود وهم يحملون صور اردوغان والأعلام التركية يدل على مدى محبتهم لنا ولدولتنا، بعكس بغضهم وحقدهم على الدول المستعمرة التي تنهب خيراتهم.
نعم، حان وقت نهوضنا، حان وقت نهوض الدول المظلومة والشعوب المضطهدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس