إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
يحتفل المسلمون اليوم بعيد الأضحى، يوم الحج والتضحية والإخلاص. في هذا اليوم أثبت النبي إبراهيم إخلاصه لله، وضرب مثالاً للأجيال القادمة. العيد يوم البهجة والاحتفال وإحياء الذكرى. لكن بالنظر إلى واقع العالم الإسلامي في الوقت الحاضر، يجب على المرء أن يسأل هل نحن على قدر التحدي الذي واجهه النبي إبراهيم في اختباره.
الحج هو أسمى أعمال الإخلاص والطاعة، حيث يطوف عباد الرحمن حول الكعبة ليتجاوزوا الصغائر والتوافه والأنانية. الحج في حد ذاته هو تجربة من البداية إلى النهاية. فعندما يقف الحجاج بعرفة، يعيدون تمثيل يوم القيامة عندما نحاسب جميعا عن أعمالنا في هذه الدنيا. يصلي المسلمون خمس مرات في اليوم باتجاه الكعبة، ويقفون أمام الله بخضوع تام، لكن الوقوف بعرفة يأخذ هذا الفعل إلى مستوى أعلى.
في بعض اللغات، يطلق على عيد الأضحى أيضًا "قربان"، أي التضحية، في إشارة إلى كبش الفداء الذي منح لإبراهيم ليضحي به بدلا من التضحية بابنه إسماعيل، بعد أن أظهر إبراهيم خضوعه الكامل لله بموافقته على التضحية بابنه.
اشتقت كلمة "قربان" من الجذر "ق ر ب" وهي بهذا المعنى تستند إلى الفكرة الأساسية بأننا نقترب من الله بالأعمال الصالحة. ومن خلال التضحية بالنفس المادية والامتناع عن الشر والإثم، فإننا ننال القرب من الله. هذه الحالة تتجاوز المكاسب والمتع الدنيوية، فهي تجعل أرواحنا فاضلة وجميلة، وهذا هو المفتاح لجعل العالم مكانًا ملائما للعيش للجميع.
عيد الأضحى هو أيضا مناسبة للتفاعل الاجتماعي، فهذا يوم تذكير الناس بأنهم جميعًا متساوون أمام الله بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية أو غناهم وفقرهم أو عرقهم ولونهم، وتذكيرهم بأن عليهم مشاركة كل ما لديهم، وحثهم على الاحتفاء بالأقارب والجيران في منازلهم، وإطعام الفقراء، وزيارة المسنين، ومساعدة اليتامى والمحتاجين. إن التقرب إلى الله روحيا يقرب البشر بعضهم من بعض.
هذه هي القاعدة، ولكن واقع العالم الإسلامي اليوم هو قصة أخرى؛ ذلك أن الحروب، والصراعات، والفقر، والأمية، والفساد، والعنف، والتنافس الإقليمي، وإساءة استخدام الموارد، وانعدام الوحدة، إلى جانب إشكاليات أخرى، تعصف بالمجتمعات الإسلامية من الشرق إلى الغرب، ومن الغني إلى الفقير. إن صورة العالم الإسلامي اليوم ليست صورة مشرقة، وعلينا مواجهة هذا الواقع بصراحة وأمانة.
إن انقسام القلوب والعقول هو السبب الرئيسي للصراعات الاجتماعية والسياسية في كثيرمن البلدان الإسلامية، كما أن التدخلات والألاعيب الخارجية لها دور مضر ومزعزع للاستقرار. لا أحد يستطيع أن ينكر وجود هذه التدخلات، لكنها لا تكون فعالة إلا بالقدر الذي تسمح به المجتمعات المسلمة. يجب أن نتخذ إجراءات قوية ضد المتلاعبين والمفسدين من داخل مجتمعاتنا وخارجها. لكننا لا يمكننا أن نكتفي بمجرد إلقاء اللوم على الآخرين بسبب إخفاقاتنا. إن توجيه اللوم إلى الغرباء وحدهم يقودنا إلى الكسل الفكري والتبعية الأخلاقية.
إن غياب القيادة السياسية القوية والحكيمة يجعل العالم الإسلامي عرضة لكل أنواع الهجمات والألاعيب. ونتيجة لذلك ، تصبح الحروب والصراعات أمرا حتميا وتضيع الموارد أمام أعيننا، ويبدأ الشباب في فقدان الأمل في المستقبل، الأمر الذي يمهد الطريق لتجنيد المتطرفين الذين يرتكبون العنف. في كل مرة تخفق فيها الدول الإسلامية بصورة فردية أو جماعية ، تبتهج الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وتصبح أكثر جرأة. لا ينبغي لأحد أن يتوقع أن تنجح الحرب على الإرهاب والتطرف العنيف عندما تخفق الدول الإسلامية في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وعلى الرغم من هذه التحديات ، فإن عيد الأضحى يعد مناسبة للاحتفال والتذكر. إن العيد فرصة لنا لكي نتذكر ما هو ضروري في الحياة ونحدد أولوياتنا. إن العيد عطية إلهية كي نقترب من الله ومن بعضنا بعضاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس