ترك برس
استقطبت الأزمة التي تشهدها فنزويلا بين حكومة الرئيس مادورو والمعارضة المدعومة من واشنطن دولا في أمريكا اللاتينية وخارجها، حيث انضمت كندا و"إسرائيل" إلى حلفاء واشنطن في أمريكا اللاتينية في الاعتراف بخوان غوايدو رئيسا للبلاد، في حين حصلت حكومة مادورو على دعم دول أخرى من داخل أمريكا اللاتينية وخارجها، ومن أبرزها روسيا والصين وتركيا.
ويرى جورجيو كافييرو، مدير معهد دراسات دول الخليج في واشنطن، في مقال نشره موقع "LobeLog"، أن فهم موقف الحكومة التركية والشعب التركي الثابت من أزمة فنزويلا، لا بد أن ينظر إليه أولا في سياق تاريخ تركيا الخاص بالانقلابات والحكم العسكري، إلى جانب أسباب أخرى.
وأوضح أن كفاح حزب العدالة والتنمية لجعل السيطرة على الدولة التركية في أيدي المدنيين وليس العسكريين، كان صراعاً طويلا امتد على مدار العقدين الماضيين. فخلال فترات الحكم غير الديمقراطي الذي أعقب التدخلات العسكرية في السياسة الوطنية خلال "الانقلابات التقليدية" في 1960 و1971 و1980 و"انقلاب ما بعد الحداثة" في عام 1997، عاش كثير من الشخصيات السياسية التركية في خوف من أن يلقوا مصير عدنان مندريس الذي أعدم بعد انقلاب الجيش عام 1960.
واستطرد المحلل الأمريكي، أن مقاومة السياسيين والمواطنين الأتراك، بمن فيهم مؤيدو حزب العدالة والتنمية ومعارضو الرئيس أردوغان، للانقلاب الفاشل في 15 يوليو/ تموز 2016، تسلط الضوء على مدى تغيير الأتراك بشكل جذري لآرائهم بشأن الوصاية العسكرية.
ويقول كافييرو إن فشل محاولة الانقلاب في عام 2016 كان انتصارا لتركيا على الإمبريالية الغربية، حيث وضعت تركيا كنموذج لإضفاء الطابع المدني على السياسة والوقوف ضد القوى الأجنبية التي تحاول تقييد استقلال القوى الصاعدة. ويؤكد الدعم القوي الذي قدمته أنقرة لقطر في عام 2017 والغابون في عام 2019 أيضًا على معارضة تركيا لمخططات الانقلاب كمسألة مبدأ.
وووفقا لكافييرو، من الأسباب الأخرى التي تدفع تركيا إلى دعم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بالإضافة إلى ركيزة مناهضة الانقلابات في السياسة الخارجية التركية، هو رغبة أنقرة أيضا في تعزيز علاقاتها الحالية بحكومة مادورو.
وبيًن أن الرئيس الفنزويلي الذي يزور تركيا بانتظام، حضر حفل تنصيب أردوغان، وهو أمر كان موضع تقدير من قبل الرئيس التركي بالنظر إلى غياب قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وانتقاداتهم لتركيا. وفي المقابل زار الرئيس التركي كاراكاس في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، في إطار تعزيز أنقرة لمكانتها الجيوسياسية في أمريكا اللاتينية.
ورأى كافييرو أن علاقة أنقرة القوية مع فنزويلا تتعلق أيضاً برغبة أنقرة في عرقلة إدارة ترامب وإقامة شراكات استراتيجية مع الدول التي تقاوم بشكل نشط النظام الذي تقوده الولايات المتحدة.
ويلفت في هذا الصدد إلى حديث الرئيس التركي خلال زيارته لكاراكاس من أن: "موقف مادورو النموذجي ذو قيمة كبيرة في وقت تزايدت فيه حدة العداء للإسلام والأجانب في العالم الغربي".
ويذكر المحلل الأمريكي أن تركيا وفنزويلا تتفقان على أن الولايات المتحدة خلال التاريخ الحديث هددت البلدين من خلال مخططات الانقلاب والعقوبات المالية. وقد هزت العقوبات المالية الأمريكية على تركيا بسبب قضية أندرو برونسون الاقتصاد التركي في العام الماضي. وعلى الرغم من التقارب الأخير بين واشنطن وأنقرة، فإن هذه التجربة ما تزال في أذهان المسؤولين والمواطنين في تركيا.
وثمة سبب آخر يدعو تركيا لدعم مادورو، كما يرى كافييرو، هو استثمارات أنقرة في فنزويلا. فخلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، استثمرت تركيا 900 مليون دولار من الذهب الفنزويلي، وهو مورد تعتمد عليه كاركاس كثيرا منذ انخفاض أسعار النفط في عام 2014. وبالإضافة إلى ذلك، حافظت الشركات التركية على وجود مهم في قطاع البناء الفنزويلي. ومن المنظور الفنزويلي تستطيع الشركات التركية مساعدة فنزويلا على تطوير البنية التحتية لتحقيق اقتصاد يعتمد على الاكتفاء الذاتي والنفط.
ويضيف كافييرو سببا أخيرا لدعم أنقرة لمادورو، هو أن أنقرة تريد أن تبعث رسالة إلى البلدان في جميع أنحاء العالم بأنها تقف إلى جانب أصدقائها في أوقات الأزمات وتعارض أيضاً الانقلابات المدعومة من الخارج كمسألة مبدأ.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!