إسماعيل ياشا - عربي 21*
حزب السعادة التركي، آخر أحزاب تيار "مللي غوروش" أي "الرأي الوطني" الذي أسَّسه رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان، عقد في الرابع من الشهر الجاري، مؤتمره الخامس في أنقرة لينتخب رئيسه وكان هناك مرشحان، أحدهما رئيسه مصطفى كامالاك، والثاني فاتح أربكان، نجل نجم الدين أربكان، وسط توتر بين مؤيدي كلا المرشحين.
هذا الحزب الصغير الذي حصل في الانتخابات المحلية الأخيرة على حوالي 2 بالمائة فقط من أصوات الناخبين، كان فيما مضى قلعة الإسلاميين ومحل اهتمامهم، ولكنه فقد شيئا كثيرا من بريقه بعد انشقاق أردوغان وغول وأرينتش وغيرهم، من تيار أربكان ليؤسسوا حزبا جديدا.
الأحزاب التي أسسها نجم الدين أربكان ورفاقه من حزب النظام الوطني إلى حزب السلامة الوطني وحزب الرفاه وحزب الفضيلة وأخيرا حزب السعادة، كانت مدرسة سياسية للإسلاميين في تركيا تخرج منها عدد كبير من السياسيين، إلا أن هذه المدرسة فقدت ميزتها بعد انشقاق عدد كبير من شبابها وانضمامهم إلى حزب العدالة والتنمية.
ولما خطف حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان، جميع الأنظار شعر قادة حزب السعادة بشيء من العزلة والتهميش، ما دفعهم إلى الاقتراب من طهران التي مدت إليهم يدها مستغلة ظروفهم السياسية، ودعتهم إلى مؤتمرات ليشعروا بأنه ما زال هناك من يصغى إليهم ويعطيهم الاهتمام، وهذا ما يفسر أيضا عدم وقوف حزب السعادة إلى جانب الشعب السوري في ثورته ضد النظام الطائفي، والزيارة المثيرة التي قام بها وفد الحزب برئاسة مصطفى كامالاك لدمشق في يناير 2012 لمقابلة بشار الأسد وإهداء لوحة إليه كتبت عليها الآية الكريمة: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين".
حزب السعادة بعد رحيل نجم الدين أربكان في فبراير 2011 أصبح يعيش بذكريات الماضي بدلا من أن يبحث عن سبل النهوض من جديد، وكل ما يفعله رئيسه الحالي مصطفى كامالاك أو حتى الزعيم الشاب الذي يتطلع إلى الحصول على تركة والده هو القول بأن "أربكان فعل كذا وكذا" و"لو كان حيا لفعل هكذا".
الربيع العربي كان فرصة ذهبية لا تعوض لحزب السعادة للفت الأنظار وحشد الشباب الإسلامي وإعادة الاعتبار إلى الحزب، ولكن قادة الحزب ضيَّعوا هذه الفرصة بسبب قراءتهم الخاطئة وظنوا أن حراك الشعوب "مؤامرة أمريكية" ولم يدركوا مدى تعطش الشباب إلى الحرية والكرامة. والأسوأ من ذلك أنهم اختلفوا في موقفهم من الربيع العربي حتى مع حلفائهم التقليديين، جماعة الإخوان المسلمين، ووقفوا على طرفي النقيض. وبينما كان قادة حركة حماس والشيخ رائد صلاح، على سبيل المثال، يصرحون بأن الربيع العربي يقرِّبهم من تحرير القدس والمسجد الأقصى، ذهبت قيادة حزب السعادة إلى أن الربيع العربي يخدم الصهاينة ويستهدف المقاومة.
ومن الانتقادات الموجهة إلى حزب السعادة من الأوساط المتعاطفة معه، وقوف الحزب في الصراع الدائر بين حكومة أردوغان وجماعة كولن إلى جانب الجماعة، مع أن جماعة كولن لم تدعم يوما من الأيام نجم الدين أربكان بل رحَّبت بإسقاط حكومته في 1997 بتدخل العسكر.
مصطفى كامالاك (66 عاما) فاز مرة أخرى بالرئاسة بعد حصوله على 656 صوتا من أعضاء الحزب في مقابل 212 صوتا ذهبت إلى فاتح أربكان، وبهذه النتائج حافظ كامالاك على كرسيه رسميا إلا أن رئيس المجلس الأعلى للشورى أوغوزحان أصيل تورك (79 عاما) هو الذي يدير الحزب من وراء الستار، كما يعرف الجميع، وهو من أبرز العوائق أمام التجديد في حزب السعادة.
كان أردوغان ورفاقه وبعدهم نعمان كورتولموش حاولوا التجديد في أحزاب "مللي غوروش" إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل، بسبب سيطرة كبار السن المحكمة على الحزب. وبالتالي، لا غرابة في فشل فاتح أربكان أمام مصطفى كامالاك. وهل يؤدي هذا الفشل إلى انشقاق جديد من الحزب؟ الجواب ستعطيه لنا الأيام.
حزب السعادة حصل على 2.49 بالمائة في انتخابات 2002 البرلمانية وعلى 4.02 بالمائة في انتخابات 2004 المحلية وعلى 2.34 بالمائة في انتخابات 2007 البرلمانية وعلى 5.2 بالمائة في انتخابات 2009 المحلية وعلى 1.27 بالمائة في انتخابات 2011 البرلمانية. وفي الانتخابات المحلية الأخيرة لم تتجاوز هذه النسبة 2 بالمائة. وهذا يعني أنه في ظل استمرار نجاح حزب العدالة والتنمية وسيطرة كبار السن على الحزب وانسداد الأفق ورفض التجديد لا يبدو في المستقبل القريب نجاحا لحزب السعادة. وقد يعيش لفترات أخرى هكذا بذكريات الماضي ولكن النهاية الحتمية له - إن لم يجدد نفسه - أن يتحول إلى صفحات من الماضي.
* نُشِرت هذه المقالة بتاريخ 14 أيار/ مايو 2014 على موقع عربي 21
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس