د. علي حسين باكير - القبس اللإلكتروني
تدخل العلاقات التركية – الاميركية منعطفاً جديداً مع اتّخاذ واشنطن الأسبوع الماضي إجراءات تصعيدية ضد حليفتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قد تنتهي بإخراج أنقرة كلّياً من برنامج إنتاج المقاتلة الأكثر تطوّراً في العالم. وكان وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان قد أرسل رسالة الى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار تفيد بإيقاف تدريب الطيّارين الأتراك على مقاتلات اف-٣٥ المتعددة المهام نهاية يوليو المقبل ما لم تقم تركيا بالتراجع عن صفقة شراء منظومة الدفاع الصاروخية الروسية الأكثر تطوراً اس-٤٠٠. و
وبينما تبحث تركيا عن خيارات تقيها شر الضغوط الأميركية، تلقّى الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان يوم السبت الماضي اتصالاً مباشراً من نظيره الإيراني حسن روحاني، حيث شدّد الرئيسان على ضرورة توطيد العلاقات بينهما، لا سيما في ظل العقوبات الأميركية التي يتعرّض لها بلداهما. وفي هذا السياق بالتحديد، أشار الرئيس التركي الى ضرورة تعزيز آلية استخدام العملات المحليّة في التبادلات التجارية بين البلدين، ورفع التعاون الأمني في ما يتعلّق بمكافحة التنظيمات الإرهابية وتعزيز الامن الإقليمي بين البلدين الى أعلى مستوى.
في الظروف الطبيعية، كان من الممكن لتركيا ان تلعب دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ولكن الواقع اليوم يقول إنّ ذلك غير ممكن، لا بل انّ انقرة لا ترى أن لديها مصلحة للانخراط في النزاع الإقليمي المتعاظم بين إيران من جهة وبعض دول الخليج من جهة أخرى. وبالرغم من ذلك، فالتحولات السلبية التي طرأت على العلاقات التركية – الأميركية أخيراً والمتعلّقة بملف العلاقة مع روسيا تحديداً قد تفرض تقارباً غير متوقع بين أنقرة وطهران، أو هكذا يفترض البعض.
تقارب محدود
يوحي توقيت الاتصال الذي جرى بين أردوغان وروحاني بأنّ هناك مصلحة مشتركة تدفع المنافسين الإقليميين الى التنسيق بين بعضهما وبعض مجدداً. وكانت سياسات واشنطن في سوريا والعراق والخليج قد قرّبت خلال العامين الماضيين بين أنقرة وطهران، وساهمت في دفع الطرفين للتفاهم على ملفات محدودة وذات طابع أمني واقتصادي في الغالب، لا سيما في ما يتعلّق بالتهديد الناجم عن تحركات «حزب العمّال الكردستاني» في المناطق الحدودية واستفتاء إقليم كردستان العراق بالإضافة الى الاتفاق على رفع حجم التبادل التجاري وتعزيز استخدام العملة المحليّة في التعاملات البينيّة بدلاً عن الدولار الأميركي.
وبالرغم من ذلك، فقد بقيت الخلافات السياسية حول عدد من الملفات الإقليمية موجودة، كما ظل التنافس الإقليمي بينهما قائماً. وتثير التهديدات الأميركية بفرض عقوبات على أنقرة على خلفية صفقة اس-٤٠٠ الروسية التكهّنات بإمكانية توحيد الجهود السياسية والاقتصادية والأمنيّة في مواجهة الضغوط الأميركية التي تتعرض إليها طهران وأنقرة أخيراً. لكن، يشكّك كثيرون في المقابل بجدوى التقارب مع إيران في هذه المرحلة على اعتبار أن ليس لدى طهران ما تقدّمه لأنقرة لكي تساعدها على التخفيف من وطأة الضغط الأميركي أو العقوبات الأميركية المحتملة
حجم التبادل التجاري بين البلدين قياساً بإمكاناتهما محدود للغاية، وهو ما من شأنه أن يحيّد أي منافع محتملة لاعتماد العملة المحليّة في التبادلات التجارية بينهما. فضلاً عن ذلك، وبالرغم من تأكيد تركيا الدائم على رفضها للعقوبات الأميركية على إيران، فإنّ أنقرة التزمت في نهاية المطاف بتنفيذها، وليس هناك حتى هذه اللحظة ما يدل على وجود خروقات كما كان عليه الامر سابقاً. وفي هذا السياق، يؤكّد المسؤولون الأتراك أنّهم توقفوا رسميّاً عن شراء النفط الإيراني في بداية مايو الماضي، وهو ما يعني انّ حسابات الربح والخسارة هي التي ترسم في نهاية المطاف ملامح الموقف التركي من الناحية العملية.
بمعنى آخر، ليس هناك ما يستحق أن تجازف أنقرة من أجله في مقابل الحفاظ على واردات النفط الإيرانية. صحيح انّ التحوّل الى مصادر أخرى سيرفع التكلفة المادية عليها، لكن تكلفة تحدّي الموقف الأميركي ستكون أكبر بكثير سياسياً واقتصادياً. من هذا المنطلق، يرى البعض أنّه بالرغم من قسوة الإجراءات الأميركية، فإنّه من الصعب بمكان أن يؤدي ذلك الى تقارب حقيقي بين المنافسين التقليديين يتجاوز البروتوكولات الدبلوماسية. إيران غير مستعدة حتى هذه اللحظة لإجراء تغيير جذري في سياساتها التوسعيّة في المنطقة، وفي المقابل، فانّ تركيا لن تخاطر أكثر في التقارب مع طهران في وقت تخضع فيه الأخيرة لضغوط متزايدة وحصار اقتصادي خانق قد يتطوّر الى نزال عسكري وليس لديها ما تقدّمه لتركيا. والى أن تتغيّر هذه المعادلة، سيبقى التقارب محدوداً ويتحرّك في إطار الحسابات النفعيّة الذاتيّة لكل منهما.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس