د. علي حسين باكير - تلفزيون سوريا
وفقاً لأحدث التقارير التي وردت من العراق، فقد بلغ عدد الضحايا من المتظاهرين جرّاء نيران القوات الأمنية الى حين كتابة المقال نحو 100 قتيل وحوالي ألف جريح، ناهيك عن اعتقال السلطات العراقية ما يقارب الـ 800 من المتظاهرين تحت عناوين مختلفة. هذا الأرقام تشير إلى أن ما يجري في العراق اليوم لا يمكن الاستخفاف به أو التقليل من شأنه.
انطلقت التظاهرات على خلفية تدهور الوضع المعيشي في البلاد على الرغم من كونها واحدة من أغنى دول العالم بالنفط، وسرعان ما اتسعت مظاهر الاحتجاج لتطول مواضيع أخرى من بينها الاعتراض على النفوذ الإيراني في العراق وعلى الميليشيات الشيعية الموالية لها التي تسيطر عملياً على مفاصل الدولة سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
رد الفعل العنيف على التظاهرات يظهر الحساسية المفرطة للجهات الأمنية إزاء مثل هذه الرسائل لاسيما أنّها تأتي من قاعدة شعبية شيعية هذه المرّة وليست سنّية، وبالتالي من غير الممكن اتهام المتظاهرين بالإرهاب أو الراديكالية أو الطائفية أو الوهابية أو غيرها من التسميات التي لجأ إليها المالكي من قبل لنزع الشرعية عنها.
هذه المعطيات تفسّر ربما الموقف الإيراني المعادي لهذه التظاهرات في العراق. إذ بالرغم مما تمّ ذكره، لم يمنع ذلك السلطات الإيرانية من وصف هذه التظاهرات بأنها مؤامرة مدبرة من قبل الصهاينة والأمريكيين والسعوديين في مسعى واضح لنزع الشرعية عنها وتبرير قمعها. لكن وبخلاف الموقف الإيراني، من الواضح أنّ تركيا لم تتسرّع في إبداء ردّ فعلها على ما يجري، وعندما فعلت ذلك قامت بصياغة موقف حذر ومتوازن يقيها على ما يبدو ضبابية المشهد دون أن تتخلى عن دعم حقوق الشعب العراقي المشروعة أو أن تضر بعلاقاتها الصاعدة مؤخراً مع الحكومة العراقية.
وزارة الخارجية التركية كانت قد أصدرت بياناً بتاريخ ٥ أكتوبر حول الاحتجاجات التي تضرب بعض المحافظات العراقية أشارت فيه إلى أنّها تشعر بحزن عميق إزاء العدد الكبير من الوفيات والإصابات خلال الاحتجاجات، داعيةً جميع الأطراف إلى ضبط النفس والحس السليم. الخارجية التركية أكّدت أنّ تركيا تولي أهميّة كبيرة لاستقرار العراق وأنّ السلام والازدهار هو ما ترغبه تركيا بإخلاص للشعب العراقي، لافتةً إلى أنّها تؤمن بأنّ الحكومة العراقية ستتخذ جميع الخطوات اللازمة لتلبية التطلعات المشروعة للشعب العراقي.
ويمكن فهم التريث في الموقف التركي من عدّة زوايا لعل أبرزها أنّ اللاعب التركي لا يقع تحت ضغط التداعيات الأمنية حالياً والتي قد تنجم عن المواجهات المتزايدة بين المنتفضين والسلطات الأمنية وذلك لكون الأحداث تقع في وسط وجنوب العراق وليس في شماله حيث يقع القسم الأكبر من المصالح التركية. لكن وإن كان ذلك يحمل في ثناياه تطميناً مؤقتاً لأنقرة إزاء الوضع الأمني في شمال العراق، إلاّ أنّ تسارع وتيرة الأحداث وسقوط القتلى يلقي بظلاله على مستقبل الحكومة العراقية.
سكوت المحافظات الشمالية في العراق عمّا يجري لا يجب أن يفهم على أنه رضى عن أداء الحكومة أو عن الوضع الحالي الذي يعيشون فيه بقدر ما يجب أن يفهم على أنّه انعكاس لعملية عزل وتمييز تم ممارستها بحق العراقيين في هذه المحافظات على مدى السنوات الماضية وهو واقع يحمل معه مخاطر أكبر من مجرّد التظاهر وقد يتمظهر بأشكال أكثر تطرفاً وعنفاً مستقبلاً إن لم تتم معالجته.
مؤخراً حاولت أنقرة فتح صفحة جديدة مع الحكومة العراقية برئاسة عادل عبد المهدي بعد المشكلات الكبيرة التي اعترضت طريق العلاقات التركية-العراقية إبان حكم المالكي ومن بعده حيدر العبادي. الجانبان كانا يوليان أهمية لإعادة الزخم إلى العلاقات الثنائية على أكثر من صعيد. الزيارات الرسمية المتبادلة بين الطرفين خلال الأشهر القليلة الماضية تعكس هذه الرغبة بشكل واضح. وفقاً للمعلومات المتوافرة، فقد كان من المنتظر أن يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العراق خلال الشهرين القادمين وأن يعيد تفعيل اللجنة الاستراتيجية المشتركة بين الطرفين.
التظاهرات الحالية قد تعرقل الجهود الثنائية لاستكمال المسار أو قد تعطيها دفعاً جديداً تبعاً لتطورات الأحداث وذلك اعتماداً على مدى قدرة المظاهرات على إخراج الحكومة من المشهد السياسي، أو ربما دفع الحكومة إلى طلب المساعدة من الدول الصديقة، وأخيراً إذا كان لدى أنقرة ما تستطيع أن تساعد به الحكومة العراقية والشعب العراقي في هذه المحنة
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس