ترك برس
مع قرب انتهاء فترة رئيس الجمهورية التركية العاشر "أحمد نجدت سيزير" في 16 أيار/مايو 2007، كان تاريخ 25 نيسان/أبريل آخر يوم لتقديم طلبات الترشح للرئاسة، وكان من المفترض أن تبدأ أول حملة انتخابية لمرشحي الرئاسة في 27 نيسان/أبريل.
ظهرت في تلك الفترة نقاشاتٌ حادة حول مسألة الحجاب والعلمانية، وعمّت أرجاء البلاد مظاهراتٌ تحت اسم "مظاهرات الجمهورية" من أجل منع حزب العدالة والتنمية الحاكم من اختيار رئيس جمهورية يحمل نفس المنحى الفكري.
ولكنّ قدَر الانتخابات كان قد رُسِم قبل 4 أشهر من ذلك التاريخ، من خلال النّقاش الذي دار حول عدد أعضاء البرلمان الذين كان من المفترض أن يحضروا ويصوّتوا عند إجراء الانتخابات الرئاسية، وهو 367 عُضواً. وبحسب المادة 102 من الدستور، كان يجبُ أن يحصل الرئيس في الجولتين الأولتين على 367 صوتاً، وفي الجولتين الثانيتين على 276 صوتاً.
في 26 كانون الأول/يناير 2006 كتب النائب في البرلمان من حزب الشعب الجمهوري والمدّعي العام سابقاً "صبيح كانا دوغلو" في جريدة "جمهوريت" أنّ رقم 367 لا يُمثّل الحد الأدنى لإجراء الانتخابات فقط، بل يمثّل أيضاً الحدّ الأدنى من عدد المصوّتين من أعضاء البرلمان.
وبهذا رأى "كانا دوغلو" أنّ الانتخابات ستكون باطلة لأن هذا العدد من أعضاء البرلمان لن يكون حاضراً، فقد كان عدد أعضاء البرلمان من حزب العدالة والتنمية 354 عضواً، ولذلك وحسب ادعائه لن يستطيع الحزب الحاكم انتخاب رئيس للجمهورية بأصواته.
ومن جانبه، أعلن زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارِض آنذاك "دنيز بايكال" أنّ أعضاء البرلمان من حزبه سيمتنعون عن الحضور في حال تم الاتفاق على خروج مرشح من الحزب الحاكم. وأكّد "بايكال" أنّ من المفترض التشديد على قاعدة حضور 367 نائباً من نواب البرلمان.
جولتان انتخابيتان ولا رئيس
رشّح حزب العدالة والتّنمية "عبد الله غُل" الذي كان وزيراً للخارجية ونائباً في البرلمان عن مدينة "قيصري" في ذلك الوقت.
جرت الجولة الأولى للانتخابات في 27 نيسان/أبريل، وصوّت فيها 361 نائباً في البرلمان، وحصل عبدالله غُل على 357 صوتاً. فقام حزب الشعب الجمهوري بمُراجعة المحكمة الدستورية لعدم استيفاء شرط حضور 367 نائباً في جلسة البرلمان.
وفي مساء ذلك اليوم، أعلنت رئاسة الأركان في موقعها على الإنترنت أنّ رئيس الأركان لن يكون على الحياد في النقاشات التي تدور حول العلمانية التي كثرت آنذاك، أي أنّه سينحاز للعلمانية.
وفي 1 أيار/مايو، قبِلت المحكمة الدستورية اعتراض الحزب الجمهوري وأقرّت ضرورة حضور 367 نائباً من البرلمان، وأبطلت بذلك الجولة الأولى من الانتخابات. وحتى في الجولة الثانية، لم يتمّ انتخاب رئيس الجمهورية الحادِي عشَر لعدم اكتمال نِصاب الجلسة.
قرّرت المحكمة الدستورية بعد إلغاء الانتخابات إجراء انتخابات عامة مبكرة، لتشكيل حكومة جديدة قبل معاودة انتخاب رئيس الجمهورية، وطلبت ذلك من الحزب الحاكم. فقدّم حزب العدالة والتنمية مشروع قرار للمجلس من أجل إجراء انتخابات عامة في 24 حزيران/يونيو، ثم قام مجلس الانتخاب الأعلى بتحديد 22 تموز/يوليو موعداً للانتخابات العامة بموافقة كل الأحزاب.
الشّعب يقرّ تعديلات دستورية
مع اتخاذ قرار الانتخاب في المجلس أجريت بعض التعديلات في الدستور: خفّضت مدة الانتخابات العامة من مرة كل 5 سنوات إلى مرة كل 4 سنوات، وحدّدت نسبة الثلث من نواب البرلمان بدل رقم 367 الذي يمثّل الثلثين من النواب والذي كان نقطة خلاف وسبباً لإلغاء الانتخابات الرئاسية، وتمّ إقرار انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب على جولتين وليس من قبل البرلمان، وخُفّضت فترة الرئاسة من 7 سنوات إلى 5 سنوات، وصار يحِقّ للرئيس أن يُنتَخَب لدورةٍ ثانية.
وافق البرلمان على هذه التعديلات في الدستور بـ376 صوتاً، لكنّ الرّئيس "أحمد نجدت سيزار"، الذي ظل رئيساً رغم انتهاء فترته الرئاسية بسبب عدم انتخاب رئيس جديد للبلاد، رفضَ التعديلات في الدستور قائلاً إنّ مثل هذه التعديلات ستسبّب أزمة في النظام.
وقدم البرلمان تعديلات الدستور للتصويت للمرّة الثانية، حيث حصلت هذه المرة على 370 صوتاً، إلّا أنّ الرئيس "سيزار"، على الرغم من عدم امتلاكه صلاحية رفضها للمرة الثانية، وقام باتّخاذ قرار إجراء استفتاء من قبل الشعب في 15 حزيران/يونيو، وأعلن أنّه سيلجأ إلى المحكمة الدستورية من أجل طلب إلغاء هذه التعديلات، إلا أنّ المحكمة رفضت طلبه في 5 تموز/يوليو، ومن ثمّ جرى استفتاء الشعب في 21 تشرين الأول/أكتوبر، حيث وافق 68% على التعديلات الدستورية التي أصبحت منذ ذلك التاريخ سارية المفعول.
توازنات جديدة في البرلمان
أجريت الانتخابات العامة في 22 تموز/يوليو، وفازحزب العدالة والتنمية بنسبة 46,6% تحت زعامة "رجب طيب أردوغان"، وصار للمرة الثانية على التوالي الحزب الحاكم، وحصل على 341 مقعداً في البرلمان.
على الرّغم من زيادة الأصوات التي دعمت الحزب الحاكم بنسبة 12% إلّا أنّ عدد مقاعده في البرلمان انخفض بسبب دخول حزب الحركة القومية بزعامة "دولت بهتشلي" إلى البرلمان، وحصوله على 14,3% من الأصوات. أمّا حزب الشعب الجمهوري بزعامة "دنيز بايكال"، فقد حافظ على موقعة كأكبر حزب معارض، وحصل على 20,85 %، من الأصوات مع تراجع بعدد مقاعده من 178 إلى 112 مقعداً بسبب دخول حزب الحركة القومية كحزب ثالث في الحكومة الجديدة.
انتخابات رئاسية بثلاث جولات
بعد انتخابات 22 تموز/يوليو قام البرلمان الجديد بعقد الانتخابات الأولى في 4 آب/أغسطس، وانتخب المجلس رئيسه "كوكسال توب تان" نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، وفي نفس اليوم أعلن "أردوغان" بدء فترة انتخاب رئيس الجمهورية من جديد. وفي شهر آب قِيل أنّ عبد الله غُل سيترشح للرئاسة.
أكّد حزب الحركة القومية أنّه لن يتخلف عن حضور انتخاب رئيس الجمهورية في البرلمان، وبذلك زال الخلاف حول قضية وجوب حضور 367 نائباً من البرلمان. أما حزب الشعب الجمهوري فقد حافظ على موقفه بعدم الانضمام إلى الانتخابات، وقدّم حزب الحركة القومية مرشحه "صباح الدين تشاكماك أوغلو" وقدّم حزب الشعب الجمهوري مرشحه "طيفون إتشلي" كمنافس لـ"عبدالله غُل" الذي حصل في الجولة الأولى على 341 من الأصوات، وفي الجولة الثانية على 337 صوتاً.
وحسب القانون، إذا لم يحصل المرشّح على 367 صوتاً، وهي نسبة ثلثي عدد أعضاء النواب، فسيتم إجراء جولة ثالثة، وفي الجولة الثالثة يكفي لكي يفوز المرشح أن يحصل على 276 من الأصوات.
وفي تاريخ 28 آب/أغسطس جرى التصويت في البرلمان وحصل "عبد الله غُل" على 339 صوتاً، وانتُخِب الرئيس الحادي عشر للجمهورية التركية.
وقام الرئيس "غُل" في نفس اليوم بأداء اليمين الدستوري، وإلقاء كلمته، وكانت أول زيارة له كرئيس جمهورية إلى جمهورية قبرص التركية كما هي العادة المتبعة لكل رئيس.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!