ترك برس
تناول تقرير لقناة "TRT عربي" التركية الحكومية، أبعاد التصعيد الروسي في منطقة خفض التصعيد بإدلب شمال غربي سوريا، عقب إعلان تركيا توقيع مذكرتي تفاهم مع ليبيا حول الحدود البحرية والتعاون الأمني والعسكري.
وقال الموقع إنه ما إن صعَّدَت تركيا لهجتها في وجه الرافضين للاتفاق والتفاهم مع حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليّاً برئاسة فائز السراج، بخصوص السيادة البحرية وملفات أخرى شرقي المتوسط، حتى بدأت موجة ردود الفعل من خلف كواليس بعض الدول كرد فعل انتقامي على الخطوات التركيةـ الليبية.
ووفقًا للتقرير، يرى مراقبون أن من بين تلك الدول، روسيا، التي توجه أصابع الاتهام إليها بدعمها مليشيا خليفة حفتر، والتي بدورها سارعت للتصعيد في إدلب، إذ تحاول روسيا الضغط على تركيا من بوابة إدلب السورية، كون تركيا هي الطرف الضامن والموجود في تلك المنطقة، لتتبع روسيا بذلك مبدأ "الابتزاز"، سواء تجاه تركيا أو تجاه المجتمع الدولي، لتحقيق مكتسبات سياسية وميدانية في المنطقة.
وتشهد منطقة إدلب شماليّ سوريا، التي تُعتبر منطقة خفض التصعيد الرابعة والأخيرة في الداخل السوري، وذلك بناءً على تفاهمات وقرارات دولية وأممية وبناءً على تفاهمات بين روسيا وتركيا، تشهد حملة عسكرية ممنهجة من قوات النظام السوري وحليفه الروسي بشتى أنواع الأسلحة التي تطال المدنيين العزل.
وتسببت الحملة الحالية على إدلب، بنزوح أكثر من 200 ألف نسمة، إضافة لسقوط نحو 80 ضحية بينهم أطفال ونساء، وفق توثيقات فرق إغاثية.
وعلى الرغم من أن منطقة إدلب كما ذكرنا آنفا تخضع لتفاهمات تركية-روسية، التي وُقّعت بين الطرفين في مدينة سوتشي الروسية، والتي تقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب، فاصلة بين قوات المعارضة والنظام، ووقف إطلاق النار وأي عمليات عسكرية. إلا أن روسيا تواصل دعمها لقوات النظام السوري في خرق تلك التفاهمات وشنّ الحملة العسكرية.
وفي حين أن الخروقات الروسية ومن قوات النظام السوري على إدلب مستمرة منذ عدة أشهر، فإن مصادر من المعارضة العسكرية السورية ذكرت أن هذا التصعيد مختلف كليّاً عن سابقاته، إذ إن روسيا تتبع سياسة الأرض المحروقة بهدف إفراغ المناطق من ساكنيها بغية تحقيق تَقدُّم لقوات النظام السوري.
ووسط كل ذلك يطفو على السطح عديد من التساؤلات حول الضغوطات الممارسة من روسيا على تركيا من بوابة إدلب السورية، والهدف منها؟ وعلاقة الملف الليبي بهذا التصعيد.
المحلل السياسي التركي فوزي زاكير أوغلو، قال إن "روسيا غير مرتاحة للاتفاق التركي-الليبي لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، وسوف يناقش هذا الأمر بين الزعيمين التركي والروسي في لقائهما هذا الشهر، لكنها لا تتوقع أن تتراجع تركيا بسهولة ولهذا ابتدأت بالضغط على تركيا في شمال غرب سوريا، الذي يُعتبر مصدر قلق تركي من هجرة محتملة إلى تركيا بسبب الكثافة السكانية وقربها من الحدود التركية، عل تركيا تتراجع عن الاتفاقية مع ليبيا أو على الأقل تستثني روسيا من التزامها".
أما الكاتب والمحلل السياسي ماجد عزام، فأعرب عن اعتقاده أن "الضغط الروسي له علاقة بالتفاوض على ليبيا، وفي موسكو وفد سياسي أمني تركي، وبين الرئيسين لقاء مرتقَب في تركيا بعد أسبوعين تقريباً".
وأضاف عزام أن "أنقرة دعمت موقفها الرسمى بالتفاهمات مع الحكومة الليبية الشرعية، في حين تريد موسكو تقوية موقفها عبر ابتزاز تركيا والضغط عليها في إدلب وسوريا بشكل عامّ، بخاصة بعد عودة أمريكا لتولِّي ملفّ شرقي الفرات وعدم إعطاء الدور أو الساحة لروسيا".
وقال عزام إنه "يجب أن ننتبه لشيء مهمّ مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المفاوضات والحوارات السياسية والدبلوماسية، إلا أنه يوجد فرق كبير جدّاً وجوهريّ، فتركيا تقف في الجانب الصحيح أخلاقياً وتاريخياً وسياسياً سواء في ليبيا أو سوريا إلى جانب المطالب العامة للشعبين، في حين تبحث روسيا عن فرض مصالحها بالمرتزقة وجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية".
المحلل السياسي والمختص بالشأن الروسي الدكتور هيثم بدرخان، رأى أن "الخلافات السياسية بين روسيا وتركيا لا تزال هي المسيطرة على العلاقة بين البلدين، رغم الاتفاقات الاقتصادية الضخمة بينهما والتعاون كدول ضامنة في المأساة السورية".
وأضاف بدرخان أنه "مع بداية الأحداث في ليبيا 2011، وقفت كل من روسيا وتركيا على طرفَي نقيض، فكانت روسيا إلى جانب معمر القذافي في حين وقفت تركيا إلى جانب الربيع العربي، ورغم أن تركيا كان لها الدور الأكبر في ليبيا وتأثيرها على الأحداث كان واضحاً، كونها رغبت في أن تلعب دور الوسيط الأساسي لحل النزاع، فإن روسيا بدأت تدعم كلّاً من إيطاليا وفرنسا لمواجهة تركيا، ولم يتغير الوضع إلا بعد أن اتخذت إيطاليا موقفاً واضحاً إلى جانب فرنسا وأعطتها الضوء الأخضر كمنطقة نفوذها في ليبيا، وجرت تصفية القذافي، مما أدَّى إلى تراجع دور روسيا في الصراع".
وتابع قائلاً إن "التوافقات الايطالية الفرنسية كانت موجهة أيضاً ضدّ النفوذ التركي آنذاك، فالتنافس بين روسيا وتركيا في ليبيا ليس بجديد وليس وليد الساعة، ورغم أن روسيا كانت منقسمة حول موقفها في ليبيا وإذ بالسفير الروسي في ليبيا آنذاك أعلنها صراحة عن موقفه إلى جانب الحراك والربيع العربي وأنه لا داعي للدفاع عن نظام القذافي، وكان وقتها موقفاً غير مألوف في الدبلوماسية الروسية مِما أدى إلى استدعائه إلى موسكو وتجريده من كل المناصب والأوسمة التي حاز عليها خلال كل فترة عمله بالخارجية الروسية والسوفييتية سابقاً".
ورأى بدرخان أن "أحداث سوريا كانت هي صمام الأمان لعودة روسيا إلى المنطقة ونقطة الارتكاز في الشرق الأوسط، وللضغط على تركيا وحلف الناتو بعد أن خسرت موقعها في ليبيا، ومن خلال مجلس الأمن بدأت روسيا تعيد ثقلها إلى ليبيا أيضاً رويدا رويدا والضغط على تركيا سواء في سوريا أو ليبيا وحتى في مصر".
وأشار بدرخان إلى أن "دراسات وكميات الغاز في شرقي المتوسط تأتي كنقطة أساسية للصراع، إذ تحاول روسيا أن تُبقِي مسألة الغاز عالَميّاً بيدها، مما دفع بها إلى توقيع اتفاقيات وتفاهمات مع مصر وإسرائيل واليونان حول حقول الغاز بهدف تحجيم دور تركيا في مسألة غاز المتوسط".
وبما أن تركيا صعَّدَت الوضع بالاتفاق التركي-الليبي مع حكومة السراج حول التعاون الأمني والعسكري، والتحضير لإرسال قوات تركية رسميّاً إلى ليبيا، كل ذلك أثار تناقض مع الرؤية الروسية والتي تدعم قوات حفتر مع كل من مصر والإمارات وغيرها من الدول، فكان الرد هو التصعيد في إدلب ومساندة قوات النظام بشَنّ هجوم كاسح على إدلب، تمهيداً لفرض الأمر الواقع في أثناء اللقاء المرتقب بين الرئيسين بوتين وأردوغان، وفق بدرخان.
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد مالك الكردي، أن "الروس قد يعمدون إلى الضغط على تركيا في الملف السوري، من أجل تخفيف تدخلها في ليبيا والحد من دعمها لحكومة الوفاق الوطني".
وأضاف الكردي أن "هذا الموضوع لا يمكن اعتباره سبباً أساسيّاً في ما تشنّه من حملة بربرية شعواء في ريف إدلب، إنما بات الأمر معروفاً، فالغاية هي تطبيق اتفاق سوتشي بالقوة".
وأضاف أن "توقيع الإدارة الأمريكية على قانون (سيزر) جاء ليسرع الأحداث، فمعلوم أنه عادة تؤجَّل العمليات العسكرية الواسعة التي يُخشى فيها عادةً تهجير أعداد كبيرة من المدنيين وتثير الرأي العامّ وتشكّل تحدياً كبيراً للمنظَّمات الإنسانية في ظروف جوية صعبة تترافق مع فصل الشتاء، إذ تؤجل إلى نهاية فصل الربيع".
وتابع الكردي بأن "قانون سيزر (الذي يقضي بفرض عقوبات كبيرة على النظام السوري وداعميه) جاء ليشكل إحراجاً وتهديداً لروسيا، لذلك مضت مسرعة للاستفادة من مهلة الـ90 يوماً لتنفيذ القرار، كي تتمكن فيها من قضم مساحات أوسع من محافظة إدلب، بهدف تحقيق تقدم لفتح الطرقات الدولية خلال هذه المدة، ومن خلال هجوم سريع وخاطف متحملة كل العوائق والأصوات التي تتعالى منددة بهذا الهجوم".
وأكّد الكردي أنه "مِما لا شك فيه قد تستغلّ روسيا ذلك كوسيلة للضغط على تركيا لإجراء مراجعات لمواقفها في ليبيا، مقابل أن توقف هي الأخرى هجومها على إدلب".
ورغم أن كل ما ذهب إليه محلّلون يدلّ على أن روسيا تحاول من وراء تصعيدها العسكري على إدلب الضغط على تركيا في ملفات أخرى، بخاصة الملف الليبي، إلا أن الباحث والمستشار السياسي الدكتور باسل الحاج جاسم، اعتبر أنه لا علاقة للملف السوري بالملف الليبي.
وقال الحاج جاسم إنه "من الصعب الربط بين الملفين الليبي والسوري، وذلك لعدة أسباب، لعل أبرزها أن ما يجري في ليبيا ليس جديداً من حيث التحالفات والاصطفافات، وأن توقيع الاتفاق الأخير بين أنقرة وطرابلس جعل الملفّ يطفو على السطح".
وأضاف: "في حين أن في سوريا تفاهمات أيضاً ليست جديدة وتجمع موسكو وأنقرة من حيث الاتفاق على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، ومحاربة الإرهاب الانفصالي والديني المتطرف، وتمهيد عودة اللاجئين والحلّ السياسي".
وأشار إلى أنه "لا أحد يعرف على وجه الدقة حقيقة الاتفاقات بين البلدين وتفاصيلها وخرائط إعادة انتشار القوى، وفي جميع الأحوال فقد توجه وفد تركي إلى موسكو لبحث هذا الملف".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!