بارتشين ينانتش - حرييت - ترجمة وتحرير ترك برس
قبل بضع سنوات، كنت إذا صادفت مسؤولًا تركيًا يتحدث عن حليف استراتيجي، فلن تحتاج إلى سماع بداية الجملة حتى تفترض أن المسؤول يتحدث عن الولايات المتحدة.
لكن الأمر لم يعد كذلك؛ لأن روسيا حلت الآن محل الولايات المتحدة كشريك استراتيجي لتركيا، بينما اختفت كلمة "استراتيجية" من خطاب المسؤولين الأتراك عندما يتحدثون عن العلاقات مع واشنطن.
من الطبيعي أن تزداد التجارة بين البلدين، حيث توجد علاقة مباشرة بين القرب والتجارة. كما أن اعتماد تركيا على روسيا في مجال النفط والغاز أمر مفهوم إلى حد ما عندما تجد تركيا بوصفها دولة متعطشة للطاقة أنه ليس من السهل تنويع مورديها عندما يكون لديها مزود كبير مثل روسيا في الجوار.
حتى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يفهم السبب الذي أجبر تركيا على شراء صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية من روسيا؛ لأنها لم تكن قادرة على شرائها من حلفائها الغربيين. والأمر نفسه ينطبق على محطات الطاقة النووية، حيث تظل روسيا الدولة الوحيدة التي ترغب في المضي قدمًا في إنشاء أول محطة للطاقة النووية في تركيا.
ولكن من أجل تعريف هذه العلاقات على أنها "شراكة إستراتيجية"، يجب على البلدين أن يتوافقا حول القضايا الإقليمية والدولية، وأن يكونا متفقين فيما يتعلق بسوريا على سبيل المثال.
في هذا الصدد، من الصعوبة بمكان تعريف العلاقات التركية الروسية بأنها استراتيجية خاصةً عندما يقتل ستة جنود أتراك ويجرح تسعة في قصف قوات النظام السوري في محافظة إدلب شمال غرب سوريا. إن وقوع هذا الحادث قبل ساعات من زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لأوكرانيا - وهي قضية أخرى لا تتفق حولها أنقرة وموسكو - قد تكون مصادفة وقد لا تكون.
ومهما يكن الأمر فإن الأحداث في سوريا تتطور بطريقة تزيد من الضغوط الاقتصادية والعسكرية والسياسية على تركيا التي قد تواجه موجات جديدة من اللاجئين وتخاطر بأن تصبح ملاذًا آمنًا للفرار من القوات المناهضة للنظام وقد يكون من بينها إرهابيون. لكن الأهم من ذلك، أن الجنود الأتراك تحاصرهم قوات معادية، حيث إن نقطتين من مراكز المراقبة التركية في سوريا تقعان بالفعل في مناطق استولى عليها جنود النظام خلال الهجوم الذي بدأوه في الصيف.
منذ أغسطس/ آب، زادت قوات النظام من مكاسبها الإقليمية حول إدلب، ولا شك أن هذه المكاسب حدثت بالتنسيق والمساعدة العسكرية الكاملة لروسيا.
لذلك لا يمكن إلقاء اللوم على خسائر أرواح الجنود الأتراك على قوات النظام وحدها، لأن موسكو هي أيضا المسؤولة.
إذا كان الجنود الأتراك قد قتلوا نتيجة لسياسة يتبعها أحد شركاء تركيا، فلا يمكن تعريف ذلك الشريك بالشريك الاستراتيجي.
والأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة. فمنذ أن قررت واشنطن الشراكة مع ميليشيا ي ب ك التي تعدها تركيا الجناح السوري لتنظيم بي كي كي المحظور، واجه جنود البلدين في بعض الأحيان خطرا جديا بالمواجهة المسلحة. وقد تكبد الجيش التركي خسائر على يد الميليشيات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة. لكن رد فعل تركيا على واشنطن وموسكو كان متباينًا في لهجته، فالأولى كانت مستهدفة بنقد أكثر قسوة.
هناك تفسيران لشرح الفرق: ما يُعتقد أنه خيانة يؤلمك أكثر عندما يأتي من صديق قديم مقارنةً بمجيئه من عدو قديم تحول إلى صديق جديد. وإذا تناسينا حقيقة أن ميليشيا ي ب ك قد فتحت مكتبًا سياسيًا في موسكو، ولكن أن يوفر حليفك القديم المعدات العسكرية لمجموعة ترى أنها عدو وجودي، فمن الصعب أن تبتلعها. سيكون هذا هو الحال مع أي حكومة في السلطة في تركيا.
التفسير الثاني يتعلق أكثر بأيديولوجية النخب الحاكمة في تركيا. فمنذ محاولة الانقلاب في عام 2016، تعتقد النخبة التركية أنها تواجه إدارة أمريكية تريد إقصاءها عن السلطة. وترى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعارض خيارات تركيا السياسية المحددة ولكن ليس ضد أردوغان.
وفي المقابل ا إذا وضعنا ترامب جانباً، فإن النخب التركية على قناعة بأن الإدارة الأمريكية تعارض حكم أردوغان. وينطبق الشيء نفسه على بعض العواصم الأوروبية. ومن المعروف أن بعض مبعوثي الاتحاد الأوروبي في أنقرة قالوا لبعض محاوريهم إن حكوماتهم ليست ضد تركيا بل ضد أردوغان.
وقد دفع هذا القيادة التركية نحو تعزيز العلاقات مع موسكو، والتي يسميها الجانبان استراتيجية، لكنها استراتيجية بلاغة فقط، حيث يوجد توازن غير متكافئ للقوة بين موسكو وأنقرة
ومثلما رأينا في حالة العملية العسكرية التركية الأخيرة في شمال شرق سوريا حيث كان ينتشر الجنود الأمريكيين، نجحت تركيا في إملاء شروطها، بينما في شمال غرب سوريا، كان الروس هم الذين أملوا شروطهم. في الوقت الذي تحاصر فيه قوات النظام السوري المزيد من الجنود الأتراك، تخاطر العلاقة بالتحول إلى اعتماد استراتيجي على روسيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس