ترك برس
"السيل التركي" هو مشروع اقتصادي عملاق مشترك بين موسكو وأنقرة، يقوم على نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى كل من تركيا ودول جنوب وشرق أوروبا عبر أنابيب ناقلة تمر من البحر الأسود وعبر الأراضي التركية.
رغم أن العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا خلال العقد الماضي، كانت السبب الرئيسي في تعطيل الأعمال التجارية بين الجانبين، فإن أوروبا غيّرت لغتها في ظل رغبة موسكو في بيع النفط إلى القارة العجوز.
وقد وضعت روسيا خطيْ أنابيب للغاز الطبيعي يمتدان من أراضيها من أقصى شمال نصف الكرة الأرضية، يُعرف الأول باسم "نورد ستريم"، والثاني باسم "ترك ستريم" الذي يمر عبر تركيا.
وفي السنوات الأخيرة، اعتمدت الدول الأوروبية بشكل كبير على إمدادات الغاز الطبيعي الأميركي ومجموعة جديدة من مصادر الطاقة المتجددة.
في تقرير نشره موقع مودرن دبلوماسي الأميركي، قال الكاتب سيسير ديفكوتا "على الورق ترحب أوروبا بمصدر جديد لإمدادات الطاقة باسم المنافسة المربحة، لكن ذلك لا يغيّر من أساس المخاطر الجيوسياسية العميقة".
وتم إطلاق خط أنابيب "ترك ستريم" في أوائل شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وهو ما يجعل السياسة الروسية الجديدة قادرة على تغير العلاقات الخارجية في السنوات القادمة. وفق موقع "الجزيرة نت".
جغرافيا تقع أوكرانيا بين خطي الأنابيب في الشمال والجنوب، لكن تم تجاهلها برغبة روسية، وفضلا عن ذلك تعكس حجم الخيارات المتاحة في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويلفت الكاتب إلى أن الطموحات الروسية جدية للغاية، ذلك أن الاستثمار في كلا الخطين كان مكلفا للغاية، لكن الدولة الغنية بالنفط قد نجحت في جذب الأنظار إليها.
وبينما تتباهى تركيا بعقد صداقة جديدة في الشرق، تعمل دول أخرى في المنطقة، بما في ذلك أوكرانيا، على تقييم المصالح الروسية بشكل محدد.
في الواقع، لن يكون من المنطقي تفويت الفوائد الاقتصادية لمجموعة من الدول الأخرى المحايدة أكثر من أوكرانيا، أما بالنسبة لسياسة اللغة، فإنه في حين أن خط "نورد ستريم" ما زال مبهما للغاية ويمكن أن يشمل دول البلطيق والدول الغربية الإسكندنافية، يعتبر خط "ترك ستريم" بمثابة جائزة حصلت عليها في نظر منطقة البحر الأبيض المتوسط المشتركة.
ويمكن القول إن تركيا قد حصلت على حقوق بيع الاحتياطات الروسية للعملاء الأوروبيين، والتي تثبط أيضا طموحات تركيا التاريخية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وذكر الكاتب أنه على نحو غير معهود، تقف الصين وراء كل حالات عدم الاستقرار في أوروبا، وقال إنه لا يخفى على أحد ما إذا كانت العلاقات الصينية الروسية قادرة على توفير طريق طاقة منافس.
وقال إن كلا من قوة البنية التحتية واستعداد الرئيس الصيني لتوسيع مشاريع "الحزام والطريق"، يمكن أن يدعما بسهولة روابط الطاقة بين الجانبين.
لقد أدرك القادة الأوروبيون أن مثل هذه الاحتمالات يمكن أن تؤدي على الأرجح إلى تدهور مجال الطاقة في أوروبا، فضلا عن فقدان التوازن الاقتصادي فيها.
وبحلول عام 2030، من المحتمل أن تتضاعف احتياجات الصين من الطاقة مقارنة بالوقت الحالي، في حين لا ترغب أوروبا في جعل الصين تطالب بسحب الاحتياطات الروسية إلى الشرق.
ومن المثير للقلق أن الدول الأوروبية تدرك أيضا أنه من المحتمل أن يكون هناك اقتراح من هذا القبيل في المستقبل القريب، بالنظر إلى الطريقة التي أدت بها المنافسة الحالية إلى انخفاض الأسعار.
إن المعضلة الأوروبية لم تنته بعد، لأن روسيا لعبت الأوراق على كلا الجانبين، وإنه سيكون على أوروبا صياغة نهج من شأنه حفظ ماء الوجه مع تركيا، وذلك بالنظر إلى الطريقة التي تعاملت بها مع أنقرة بشأن القضايا المتعلقة بعضوية الاتحاد الأوروبي.
وعلى خلفية الخروج الناجح لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن تركيا ستضغط من جديد على أوروبا، التي طالما ذكّرت تركيا بأنها غير مناسبة.
على عكس ما لا ترغب به أوروبا، فإن الاحتياطات الروسية تتدفق الآن عبر الأراضي التركية، والتي قد تتمكن من تدمير المنافسين الجدد في سوق الطاقة.
لقد كلف سوء التقدير أوروبا مرة أخرى، بينما تقدمت روسيا خطوة. إنها مجرد بداية لسياسة روسية كبرى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!