ترك برس
كثيرا ما تتردد على ألسنة المراقبين الغربيين وبعض العرب عبارة "العثمانية الجديدة" للإشارة إلى ما يعدونه سياسات خارجية توسعية تنتهجها الإدارة التركية خلال السنوات الماضية في العراق وليبيا وسوريا وأخيرا أذربيجان من أجل الهيمنة الإقليمية.
لكن الباحث مروان قبلان مدير تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يرى خطأ هذه النظرة إلى السياسات التركية، وأنها سياسة دفاعية عملية لحماية الأرضي التركية من تهديدات للداخل التركي.
ويلفت قبلان في مقاله الذي نشره موقع الجزيرة الإنجليزية، إلى أن الدعم العسكري التركي ساعد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا في طرابلس على طرد قوات القائد العسكري المنشق خليفة حفتر، المدعوم من روسيا ومصر والإمارات العربية المتحدة، من معظم غرب ليبيا.
وفي شباط/ فبراير أجهض التدخل العسكري التركي محاولة النظام السوري وحلفائه الإيرانيين للسيطرة على آخر معقل للمعارضة في محافظة إدلب السورية وأجبر موسكو على احترام اتفاقية منطقة التصعيد لعام 2018.
ويضيف أن السياسة الخارجية لتركيا ذات طبيعة دفاعية إلى حد كبير وتحدد من خلال ثلاثة اعتبارات رئيسية: الاستقرار الداخلي وسلامة الأراضي؛ وتهديد واضح بأن المنافسين الإقليميين يملؤون الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ؛ واستقلال الطاقة.
الدفاع عن الاستقرار الداخلي
كان استعمال تركيا للقوة انفصالًا واضحًا عن السنوات الأولى لحكومة حزب العدالة والتنمية التي تدور حول مبدأ "صفر مشاكل مع الجيران"، الذي طوره وزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو.
لكن اندفاع قوى إقليمية مختلفة لتحديد نتائج الانتفاضات العربية، وتضاؤل اهتمام واشنطن بالمنطقة دفع تركيا إلى إعادة النظر في نهجها الإقليمي. وعزز الصراع المسلح عام 2015 مع تنظيم "بي كي كي"، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/ يوليو 2016 هذا التفكير، مع تزايد قلق القيادة التركية بشأن التهديدات الخارجية للاستقرار الداخلي.
حدث أول تغيير رئيسي في السياسة في الملف السوري. بحلول عام 2016، أدركت أنقرة أنها فقدت الفرصة لتشكيل نتيجة الصراع السوري، وكان واضحًا أنها أخفقت في تحقيق أي من أهداف سياستها الرئيسية في الحرب الأهلية السورية: إسقاط نظام بشار الأسد وتشكيل حكومة صديقة في دمشق.
على النقيض من ذلك، كانت روسيا وإيران، وكلاهما لا يشتركان في الحدود مع سوريا، أكثر نجاحًا في تأمين مصالحهما في سوريا، وتمكنا من إنقاذ نظام الأسد من الانهيار ووقف تقدم المعارضة المدعومة من تركيا.
ونتيجة لذلك، حددت تركيا هدفًا أكثر تواضعا: "منع إقامة جيب كردي يسيطر عليه "بي كي كي" على طول الحدود الجنوبية، ما قد يزعزع استقرار المناطق (ذات الأغلبية) الكردية في تركيا". وخففت أنقرة موقفها من الأسد لكسب موافقة روسيا على تدخلها العسكري في شمال وشمال غرب سوريا لمتابعة هذا الهدف الجديد.
وهكذا أصبحت المصالح التركية في سوريا محصورة في المناطق المتاخمة لحدودها ولم تعد معنية بمستقبل النظام في دمشق. وأصبح احتواء تأثير الصراع السوري المزعزع للاستقرار على أراضيها مصدر قلق رئيسي لأنقرة.
التهديدات الإقليمية واستقلالية الطاقة
يُعد أمن الطاقة أيضًا محركًا مهمًا لسياسة تركيا الخارجية، ويتشابك في حد ذاته مع العديد من التهديدات الناشئة عن المنافسين الإقليميين. حاليا، تزود روسيا وإيران حوالي 80 بالمائة من احتياجات تركيا من الطاقة. تنافسها مع كليهما يضع أنقرة في وضع دقيق.
ولهذا السبب، سعت تركيا على مدى السنوات القليلة الماضية إلى تنويع مصادر الطاقة وزادت من جهودها في استكشاف الطاقة في المياه المجاورة، بما في ذلك البحر المتوسط. وقد أثر ذلك مباشرة في سياستها بشأن ليبيا.
عندما اندلعت الحرب الأهلية الليبية الثانية في عام 2014، لم تكن تركيا مهتمة بلعب أي دور رئيسي في الصراع الليبي. وتركز اهتمامها على سوريا المجاورة وعلى التهديدات الفورية الأخرى. واقتصر الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني على الدعم الإعلامي والدبلوماسي.
لكن إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط في أوائل عام 2019 أدى إلى زيادة شعور تركيا بانعدام الأمن، بعد أن استبعدت من هذا الترتيب الإقليمي لتحويل شرق البحر المتوسط في مركز طاقة رئيسي.
في ذلك الوقت، ظهرت ليبيا باعتبارها الفرصة الواعدة لتركيا لمواجهة الجهود المبذولة لعزلها. كما أدى تزايد العداء من قبل مصر والإمارات العربية المتحدة إلى تسريع هذا التغيير في السياسة.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وقعت الحكومة التركية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي غيرت حدود المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط، ما يشير إلى نية تركيا منع أي مشروع لتصدير الطاقة إلى أوروبا دون موافقتها. ومن ثم، أصبح بقاء حكومة الوفاق الوطني في طرابلس مصلحة تركية أساسية.
وعندما جدد حفتر هجومه على طرابلس في وقت سابق من هذا العام، وضعت تركيا ثقلها وراء حكومة الوفاق الوطني، ما غير ديناميكية الصراع الليبي.
كما دفع التنافس الإقليمي مع الإمارات التي تشتبه تركيا في ضلوعها في محاولة الانقلاب في عام 2016 وفي "دعم الميليشيات الكردية" في عام 2017 إلى اتخاذ إجراءات بشأن الحصار المفروض على قطر، حليفها العربي الرئيسي ومورد الغاز المتزايد الأهمية.
فسرت الحكومة التركية الإجراءات التي اتخذتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر على أنها محاولة لإحداث تغيير في النظام في الدوحة، وأنه متابعة لمحاولة الانقلاب في تركيا.
ومن خلال دعم قطر، كانت تركيا في الواقع تدافع عن نفسها وتعزز مكانتها في مواجهة منافستها. وهرع البرلمان التركي للتصديق على الاتفاقية العسكرية مع الدوحة وأرسلت قوات إلى الدولة الحليفة لردع أي عمل عسكري سعودي إماراتي محتمل.
وخلص قبلان إلى أن وراء ما يبدو أنه سياسة خارجية تركية عدوانية، تكمن البراغماتية الدفاعية بدلاً من الطموح لاستعادة المجد العثماني. ففي معظم مشروعاتها لإبراز القوة كانت الظروف الخارجية هي ما أجبرت تركيا وليس نوايا توسعية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!