وكالة أنباء تركيا
أكد الكاتب التركي توران قشلاقجي، أن الادعاءات التي تقوم بترويجها بعض وسائل الإعلام العربية والغربية من خلال التلميح بأن تركيا تخطط لاحتلال البلدان العربية، عن طريق التركيز على الدولة العثمانية بشكل متكرر، تهدف لإفساد العلاقات التركية- العربية، وتسعى للتستر على النضال الذي تخوضه تركيا ضد القوى الإمبريالية الغربية في المنطقة، مشدد على أن “الدولة العثمانية لم تكن قوة استعمارية في العالم العربي، ولا سبباً لتخلفه… وهذه مزاعم غربية بحتة”.
كلام قشلاقجي جاء في مقال نشره، الخميس، في موقع “القدس العربي” تحت عنوان “العثمانيون والعرب”.
وأضاف قشلاقجي أن “الأيام القليلة الماضية شهدت مساعي جديدة لإفساد العلاقات التركية- العربية، تمثلت في تركيز بعض الوسائل الإعلامية العربية والغربية على الدولة العثمانية بشكل متكرر.. الذين يقفون وراء هذه المزاعم يعلمون جيدا أن العثمانيين لن يعودوا، كما هو الحال بالنسبة إلى العباسيين والسلاجقة والأندلس والأمويين، لكنهم يحاولون التستر على النضال الذي تخوضه تركيا في السنوات الأخيرة، لإحباط المؤامرات الجديدة للقوى الإمبريالية الغربية في هذه المنطقة”.
وأرفد أنه “لا يخفى على أحد أن الدولة العثمانية لم تكن قوة استعمارية في العالم العربي، ولا سببا لتخلفه” موضحا أن “هذه مزاعم غربية بحتة، نشرتها جهات غير مسلمة في القرن التاسع عشر، بهدف شرعنة الاستعمار من قبل الفرنسيين والبريطانيين، وإخفاء مذابحهم”.
واستشهد قشلاقجي بما كتبه المؤرخ اللبناني زين نورالدين زين، في كتابه “نشوء القومية العربية”، وأردف قائلا “يؤكد المؤرخ اللبناني زين نورالدين زين، أن الأتراك لم يمارسوا الصهر القومي، أو سياسة التتريك بحق العرب لغاية الحرب العالمية الأولى، وأن العرب استفادوا من الحكم العثماني الذي استمر 400 سنة”، لافتا إلى أن “مزاعم (التخلف) طرحتها القوى الإمبريالية الغربية في القرن التاسع عشر”.
وأرفد “باتت الشعوب العربية برمتها تدرك ماهية المشاريع، التي يحاول الغرب تنفيذها في العالم العربي خلال 200 سنة الماضية.. أمّا المجازر التي ارتكبوها تحت ذريعة (الحضارة) و(الديمقراطية) بدءا من الجزائر وحتى العراق، فإنها لا تزال حية في أذهان الشعوب العربية حتى يومنا هذا”.
ودعم الكاتب كلامه بمقولة للمفكر الإسرائيلي المعروف إسرائيل شامير، وأكد قائلا على لسانه إن “الغرب لم يحقق الاستقرار للعالم العربي، ما بعد الدول العثمانية، بل حوّل بلدانه إلى حمام من الدماء”، مشيرا إلى أن “شامير اعترف بأن العالم العربي عاش الاستقرار الحقيقي إبان العهد العثماني”.
وسرد الكاتب أبرز المواقف التي كلّلت العلاقات العثمانية ـ العربية، ملخصا إياها بالنقاط التالية:
تعود العلاقات التركية – العربية إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب، فبعد أن اعتنق الأتراك الإسلام بشكل جماعي، شاركوا في الحروب ضمن صفوف الجيوش العربية، وكذلك شارك العرب في الجيوش التركية من أجل محاربة الأعداء. وتعد معركة طلاس التي وقعت عام 751 المثال الأول على ذلك، حيث خاض الأتراك والعرب نضالا مشتركا ضد الصين.
خلال العهد العباسي، أقام الأتراك علاقات واسعة مع العباسيين، فقد كان السلاجقة موالين دائما للخلفاء العباسيين، وأقاموا معهم قرابةً وثيقةً من خلال الزواج.
لم يقاتل العثمانيون العرب أبدا، ولم يستعمروا الأراضي العربية، كانت الحملة التي نفذها السلطان ياووز سليم على مصر، بسبب عدم قدرة المماليك على حكم بلاد المسلمين، وتحالفهم مع الفاتيكان. كما أن المماليك ليسوا عربا بل أتراكا، وكانوا أول من استخدم الاسم التركي في التاريخ، وأطلقوا اسم الدولة التركية على دولتهم في مصر.
أراد السلطان ياووز سليم ذات مرة أن يجعل اللغة العربية لغة رسمية للدولة العثمانية، لكن شيخ الإسلام في تلك الفترة زنبيلّي علي أفندي، عارض ذلك.
تبنى العثمانيون اللغة العربية، باعتبارها لغة مقدسة ومعنوية، لذلك كان التعليم في المساجد والمدارس باللغة العربية. استخدم العثمانيون الحروف العربية في الكتابة، وكانت الكلمات العربية تشكل نحو 60% من إجمالي الكلمات العثمانية. وفي الأول من نوفمبر 1928 حلّت الأحرف اللاتينية مكان العربية، إثر الانقلاب اللغوي، واستخدمت الكلمات الفرنسية، بدلًا من العربية التي كانت في اللغة التركية.
كان العثمانيون يكنون احتراما كبيرا تجاه الشعوب العربية، لأنها تتحدث باللغة العربية المقدسة، وكونها من عرق النبي صلى الله عليه وسلم، وأطلقوا عليها اسم (قوم نجيب) (الشعب النبيل) وأولوا أهمية أكبر للسّادة والأشراف من نسل النبي صلى الله عليه وسلم.
تطور فن الخط في العاصمة إسطنبول، نظرا للاهتمام الكبير باللغة العربية لدى الدولة العثمانية، حتى أن هذا الأمر كان سببا لإطلاق المثل المعروف في أنحاء العالم الإسلامي: (القرآن نزل في مكة وقرئ في مصر وكتب في إسطنبول). ولفت إلى أنه “يمكنكم مشاهدة آيات من القرآن الكريم مكتوبة بخطوط جميلة في جميع القصور والأماكن التاريخية والمنازل القديمة بإسطنبول”، وكانت الرايات العثمانية جميعها تقريبا تحمل عبارات عربية مكتوبة باللون الأبيض على قماش أخضر.
حصل العلماء والسياسيون العرب على مناصب رفيعة في المؤسسات العثمانية، ونقل عن الجنرال نوري السعيد باشا رئيس الوزراء العراقي قوله، إن “العرب كانوا يعتبرون أنفسهم شركاء للعثمانيين، وتولوا مناصب مختلفة في جميع أركان الدولة العثمانية، مثل رئيس الوزراء (الصدر الأعظم) وشيخ الإسلام، والجنرال، والوالي. وكان خريجو الأزهر بالقاهرة والمدارس في دمشق وطرابلس وحلب يشكلون العمود الفقري للحكومة العثمانية في مجال القانون”.
قام العثمانيون بحماية الشعوب العربية من الهجمات الصليبية طيلة 400 سنة. وكان الجيش العثماني يضم دائما وحدات وقادة من العرب. وخلال فتح إسطنبول، كان العرب يشكلون القوة الأهم بجانب السلطان محمد الفاتح، لقد قاتل العرب والعثمانيون في صف واحد ضد الأعداء في جميع الحروب، بدءا من فتح إسطنبول وحتى معركة جناق قلعة.
عندما سيطر الإسبان عام 1492 على غرناطة، المدينة العربية الأخيرة بالمنطقة، انتقل بعض من أهلها إلى إفريقيا والبعض الآخر جاء إلى إسطنبول ليتم إسكانهم في محيط برج غلطة، إبان عهد ياووز والقانوني. وأشرف مسلمو الأندلس على بناء (جامع العرب) الواقع بجوار برج غلطة.
وختم قشلاقجي مقاله بالقول إن “خلاصة القول، لا أعرف ماذا أقول إذا كان هناك من لا يزال ينتقد العثمانيين على الرغم من كل ما ذُكر، لكن من الواضح جدًا أن القوى الإمبريالية الغربية قامت بترسيخ الإمبريالية الثقافية في هذه المنطقة، التي بات المتعصبون الذين يخجلون من أنفسهم وتاريخهم موجودون في جميع أنحائها”
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!