إبراهيم قيراس – صحيفة وطن – ترجمة وتحرير ترك برس
هناك بعضٌ من المثقفين الأتراك، يريد إثبات أنه من المثقفين، من خلال مبدأ "خالف تُعرف"، لهذا كان لهم رأيٌ آخر فيما يتعلق بأحداث عام 1915 مع الأرمن، وأنا اعتقد أنّ هؤلاء المثقفين، لا يوجد لديهم متسع من الوقت من أجل أنْ يبحثوا ويتأكدوا ويقرؤوا، لهذا فإنّ ما قالوه هو عبارة عن أقاويل حفظوها عن ظهر قلب، ويقولون "قام الاتحاديون القتلة والعنصريين باتخاذ قرار إبادة جماعية بحق أبرياء ليس لشيء، سوى لأنهم أرمن. نعترف بالإبادة الجماعية وندينها...الخ".
كل هذه الجمل التي حفظوها خاطئة تقريبا، فلا تعتمد أيٌ منها على دليل ملموس، هم فقط "يؤمنون" بذلك، لكن في الحقيقة هناك فرق بين هؤلاء المثقفين وبين شتات الأرمن، حتى لو تشابهت كلماتهم وأحاديثهم.
يؤمن الأرمن في الشتات بحدوث إبادة جماعية لهم عام 1915، ووصولهم إلى هذا الاعتقاد بعد ما تعرضوا لهم من صدمة كبيرة، ليس بالأمر الغريب، فالنسبة للأرمن هناك صدمتان كبيرتان.
الأولى: هي رؤيتهم للسقوط الأبدي لحلم النخبة الأرمنية بتأسيس دولة مستقلة لهم في شرق الأناضول.
الثانية: الصدمة التي تعرضوا عليها بعد المجازر التي تعرضوا لها أثناء تهجير شعب الأرمن.
لهذا فإننا نعتبر ادعائهم وإيمانهم بأنّ "الأتراك ارتكبوا مجزرة جماعية بحقنا" هو نتيجة لتلك الصدمتين الكبيرتين، على اعتبار أنهم يريدون الدفاع عن أنفسهم من خلال اتهام الآخرين، وهذا ربما أسلوب منطقي أو متعارف عليه.
هذا ما يخص الأرمن، لكن السؤال، ما هو العامل الذي أوصل المثقفين اليساريين واللبراليين الأتراك إلى درجة الإيمان بحصول إبادة جماعية؟ وهل كلامهم المتكرر واستخدامهم لقول "لنواجه تاريخنا" هو مجرد حديث بلاغي عابر؟ لا، الأمر ليس كذلك.
يحرّفون التاريخ من أجل إثبات أحقية موقفهم السياسي، وبنفس الطريقة تقوم الحركة الأرمينية بنشر الدعاية حتى تحقق مكاسب على صعيد المجتمع الدولي، من خلال تصوير قرار التهجير على أنه قرار بارتكاب مجزرة.
لكن في الحقيقة لا يستطيع أي أحد محاكمة قرار التهجير دون السؤال والحديث عما قام به الأرمن بعد توجه الجيش الروسي إبّان الحرب العالمية الأولى نحو الشرق، من ارتكاب مجازر فظيعة دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ، فحينها قد قُتل نصف مليون إنسان (تركي وكردي) بعد عصيان الأرمن، لكن عند الحديث عن ذلك يقولون "تلك جناية وأعمال انتقامية فردية قام بها بعض الأرمن".
ربما يخدعون من لا يعرف التاريخ، لكن أي شخص قرأ كتابين أو ثلاثة يدرك تماما أنّ ما تحدثت عنه من مجازر بحق الأتراك والأكراد كانت قبل قرار تهجير الأرمن، لهذا أصلا تم اتخاذ قرار التهجير.
لكن في المقابل لا يمكن إنكار دماء الأبرياء التي سالت أثناء تهجير الأرمن، ولا يمكننا الدفاع عما جرى من خلال القول "أنّ ذلك انتقام لما قام به الأرمن في شرق الأناضول".
وكما أنّ الحديث عن "الأرمن الخونة" أمرٌ غير محبب، كذلك الحديث عن "الأتراك القتلة والعنصريين" أمرٌ لا يقبله ضمير. التاريخ واضح، فما جرى هو أمور متبادلة، أمور يندا لها الجبين، وحديثنا ونقاشنا حول "أنا بدأت، كلا أنت بدأت أولا" يفقدنا إنسانيتنا إلى غير رجعة.
لكننا نحن لا نتحدث حول هذا الموضوع بهذه الأبعاد، لأن اليساريين واللبراليين يحاولون تصوير ما جرى على أنه "إبادة جماعية" مُخطط لها من قبل الاتحاديين والحكومة، والهدف من ذلك هو تحقيق أهداف سياسية لهم، وهذا هو العار بحد ذاته.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس