ترك برس
وصل القطار الثاني المحمّل بالصادرات التركية، الأربعاء، إلى مدينة شيان الصينية، بعد أيام من انطلاقها من إسطنبول، قاطعاً مسافة نحو 8 آلاف و700 كم، ومروراً بقارتين وبحرين و 5 دول، في غضون أسبوعين.
إحياء تركيا والصين التجارة عبر السكك الحديدية بينهما، سلّط الضوء على مساعي أنقرة لتعزيز قدراتها التجارية من خلال تسهيل عمليات نقل بضائعها ومنتجاتها إلى العالم عبر شبكة من القطارات الحديثة العابرة للقارات.
ويحتل ملف النقل والمواصلات الخارجية مكانة متقدمة على أجندة الاهتمامات في أنقرة، ويمثل واحدا من الأركان التي بنت عليها رؤيتها للتحول إلى واحد من الاقتصادات الإقليمية والعالمية الكبرى.
ويسعى صانعو السياسة الاقتصادية التركية إلى الاستفادة من موقع بلادهم كحلقة وصل بين قارتي أوروبا وآسيا لبناء مركز نقل عالمي بري بعدما تحولت تركيا بالفعل إلى نقطة عبور ورابط مركزي للرحلات الجوية الدولية عقب افتتاح مطار إسطنبول أواخر العام 2018.
وأحيا قطار الصادرات التركي إلى الصين، تطلعات أنقرة لاستعادة التحكم بـ"طريق تجارة الحرير" التاريخي الذي كان يربط الصين بالموانئ الأوروبية مرورا بخليج أنطاليا التركي في البحر المتوسط.
ويعول المسؤولون الأتراك على هذا القطار -الذي يبلغ طوله 770 مترا ويتكون من 42 مقصورة نقل- في تعزيز علاقاتهم التجارية مع الصين ودول العبور الثلاث، وسط توقعاتهم بأن يساهم القطار في تقريب بلاده من هدفها بحجز مقعد بين الاقتصادات العشرة الأولى عالميا.
وتتمتع تركيا بعلاقات تبادل تجاري مميزة مع عملاق الإنتاج الصيني، إذ زاد حجم التبادلات التجارية بين البلدين على 126 مليار دولار خلال الأعوام الخمسة الماضية، بينها أكثر من 13 مليار دولار من الصادرات التركية مقابل قرابة 113 مليار دولار من الواردات من الصين.
ووفقا لبيانات اقتصادية تركية، فإن المنتجات الكيميائية كالأملاح والكبريتات والأسمدة والمعادن النفيسة والبيوت الجاهزة تمثل أهم صادرات أنقرة إلى بكين التي تستورد تركيا منها المعدات الكهربائية ومنتجات النسيج والأجهزة والآلات الصناعية وآلات معالجة البيانات الأوتوماتيكية والخامات الكيميائية نصف المصنعة والهواتف الخلوية وأجهزة الاتصال.
وفي معرض تعليقه على الأمر، قال جنكيز أنار، الباحث في الاقتصاد الدولي بجامعة تشوكوروفا التركية، إن أنقرة تعول على خط النقل البري لتعديل الميزان التجاري الذي تميل كفته بقوة لصالح بكين، وإنها تنظر باهتمام كبير لتوسيع حضور المنتج التركي كما ونوعا في السوق الصيني العملاق.
وأضاف أن أغلب دول العالم تواجه أزمة فقدان التوازن في التبادلات التجارية مع الصين نظرا لتعاظم صادرات الأخيرة باعتبارها ثاني أكبر المصدرين حول العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يتطلب رفع جودة أي منتج خارجي لأعلى درجة وتخفيض سعره إلى أدنى المستويات كي يتمكن من دخول السوق الصيني، بحسب ما نقلته "الجزيرة نت."
وأشار الباحث التركي إلى أن قطار البضائع يمكنه رفع حضور المنتجات التركية في الصين نظرا لقدرته على نقل كميات أكبر من المنتجات التي تنقلها طائرات الشحن وبأسعار أقل من التكاليف الباهظة التي يتكلفها النقل الجوي، الأمر الذي يسهل وصول البضاعة التركية إلى السوق الصيني بسعر مقبول.
كما رأى أن قطار البضائع سيتحول إلى خيار مفضل على الناقلات البحرية لمصدري الحمولات متوسطة الحجم نظرا لانخفاض زمن الشحن الذي لا يتجاوز 12 يوما، مقارنة بحركة البواخر والناقلات البحرية التي تحتاج إلى أكثر من شهر من الملاحة البحرية بين مرافئ الصين وتركيا.
ووفقا لبيانات إدارة السكك الحديدية التركية، فإن 10 قطارات دولية تتحرك اليوم بين الصين وأوروبا عبر الأراضي التركية، الأمر الذي يجعل أنقرة مركز تحكم تجاري بالغ الأهمية على طرق التجارة الدولية البرية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وصل أول قطار شحن صيني إلى تركيا كمحطة ترانزيت في رحلته عبر خط مرمراي الذي يعبر مضيق البوسفور إلى أوروبا.
كما قرر وزراء النقل في منظمة التعاون الاقتصادي إعادة تشغيل خط القطارات لنقل البضائع بين مدن إسطنبول وطهران وإسلام آباد مطلع عام 2021.
وبحسب دراسات صدرت عن قسم الاقتصاد الدولي في جامعة إسطنبول، فإن سكة الحديد التركية مع الصين يمكن أن تنعش القرى والمناطق الشرقية من تركيا، خاصة تلك التي تشهد قلاقل ونزاعات، الأمر الذي قد يبشر بمتنفس أمل ينهي المعاناة ووقف الحرب هناك.
كما تبشر الدراسات بفتح آفاق واسعة لتحريك عجلة الاقتصاد في دول ممر القطار، خاصة في المدن القريبة منه والتي ستتعزز مكانتها التجارية والسياحية والتسويقية لوقوعها على خط النقل التجاري البري الرئيس بين الشرق والغرب.
وتقول الدراسة إن مدن الأناضول -التي يمر منها قطار البضائع إلى الصين- ستكون الأكثر استفادة من دوران عجلاته التي ستجذب الوسطاء التجاريين والمستثمرين من كل أنحاء العالم للاستثمار في البضائع المتدفقة بين أوروبا والصين.
ووفقا للدراسة، فإن الاستثمارات التجارية والعقارية والعمرانية التي ستنشأ في ولايات كوجالي وأنقرة وسيواس وقارص -التي يمر بها القطار قبل مغادرة البر التركي في رحلته القارية- تبشر بأن تتحول تركيا إلى الشريك التجاري والاقتصادي الأكبر للاتحاد الأوروبي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!