د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
أعلنت دول المقاطعة الأربعة وقطر في أعقاب القمة الخليجية في العلا السعودية عن عودة العلاقات المجمدة بينها منذ شهر حزيران 2017.
4 سنوات من القطيعة مع قطر بقرار 4 عواصم عربية انتهت خلال 4 ساعات في قمة بدأت باحتضان الأمير الشيخ تمام وتحية "نورت المملكة العربية السعودية" من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
افتتح ولي العهد السعودي القمة بقوله "إن جهود الكويت والولايات المتحدة أدت إلى تعاون الجميع للوصول إلى اتفاق بيان العلا"، وهناك من يتحدث عن أن توقيع "إعلان المصالحة الخليجية" سيتبعه تفاوض وجلسات حوار سياسي ودبلوماسي بين دول المقاطعة وقطر على شكل مفاوضات ثنائية بعيدة عن الاصطفافات والشروط والمطالب المسبقة. لكن هناك من يرى أنه بين أفضل التوصيفات المعلنة حول الموقف الأميركي من الأزمة الخليجية هو أن الحصار ما كان ليتم لولا الرغبة الأميركية بذلك وما كان لينتهي لولا الرغبة الأميركية بذلك أيضا. المايسترو هو جاريد كوشنير صهر الرئيس "طباخ الوجبات الوجبات السريعة" في البيت الأبيض.
لا يمكن أيضا قراءة وتحليل أسباب وأبعاد المصالحة الخليجية الخليجية بمعزل عن التطبيع الإسرائيلي العربي الأخير والاصطفاف الإقليمي ضد تركيا في منتدى غاز شرق المتوسط ومصالح أميركا التي تراجعت إقليميا لصالح التقدم والانتشار الروسي والصيني في المنطقة، وحاجة واشنطن لإعادة تموضع جديد بعد النجاح في تنفيذ عملية اقحام إسرائيل داخل البيت العربي وجعلها الشريك واللاعب المؤثر في المعادلات والتوازنات. أميركا التي باعدت بين دول الخليج تريد إعادة الأمور إلى ما كانت عليه بعد عملية الاختراق الإسرائيلي التي أشرف كوشنير على خطة تنفيذها.
يستوقفنا طبعا تواجد كوشنير أمام كل الطاولات والعدسات التي شهدت لقاءات وقمم إقليمية ثنائية وثلاثية ورباعية في السنوات الخمس الأخيرة. كان مشاركا في كل اللقاءات التي عقدت لمناقشة الصفقات التي تفتح الطريق أمام إسرائيل عربيا ما إن وصل "حماه " ترامب إلى البيت الأبيض. وكان شبحه حاضرا أمام طاولة تفجير العلاقات مع قطر في حزيران 2017، وها هو يجلس بهدوئه ورصانته المعتادة ليكون شاهدا في قمة المصالحة الخليجية مجددا.
كوشنر يقدم نفسه على أنه بطل الإنجاز بعد أشهر طويلة من المفاوضات. بينما الجميع يعرف أن الرئيس الأميركي ترامب كرر أكثر من مرة دوره في إطلاق خطة الحصار والمقاطعة. واحد يشعل النزاع وآخر يحاول إخماده وكلاهما في خندق واحد.
كان هدف كوشنير وشركاه منذ البداية الإيقاع بين دول الخليج لتشتيت مواقفها حيال مشروع التطبيع مع إسرائيل، وإضعاف ومحاصرة القرار التركي والإيراني من خلال إلهائهما بملفات أخرى غير التفاهمات التي تدور بعيدا عن الأضواء. هدف كوشنير كان أيضا جر بعض الدول العربية نحو المصالحة مع إسرائيل والعالم العربي والخليج منقسم على نفسه. والآن يريد العمل على توحيد العالم العربي والخليج مجددا بعدما نجحت تل ابيب في الحصول على الكثير مما تريد. الحديث عن خدمة يؤديها "طباخ الرئيس" للجميع قبل مغادرة البيت الأبيض غير واقعي ومقنع، هو نجح في اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحدة: أشرف على عملية الإيقاع بين دول الخليج ودفعها نحو اصطفافات عدائية، نجح في توتير العلاقة العربية التركية والعربية الإيرانية وساهم في التقريب بين تركيا وإيران وتحويلهما إلى العدو الإقليمي الواجب مواجهته، وفتح الطريق على وسعها أمام إسرائيل عربيا. وها هو يدخل التاريخ كبطل سلام إقليمي.
كان كوشنير يتطلع لإرضاء اسرائيل إقليميا والثمن لا بد أن يدفعه الأتراك والإيرانيين. تركيا شعرت منذ بداية الأزمة عام 2017 أن هناك من يخطط لاستهداف مصالحها الخليجية عبر الإيقاع بينها وبين دول الخليج وهذا ما حذرت منه مع انفجار الأزمة. العقل المدبر كان كوشنير دائما.
حقيقة أخرى لا يمكن تجاهلها وهي أن يكون كوشنير قد أخذ الكثير مما أراده وغادر لكن الاستعداد الخليجي لحقبة بايدن قد لا يكون بالضرورة لإرضائه إقليميا. المصالحة الخليجية ليست كما يصورها البعض هدية ترامب لدول الخليج أو لبايدن قبل مغادرته البيت الأبيض بل هدية صهر الرئيس لإسرائيل التي نجحت في تسجيل كل هذه الاختراقات الإقليمية في الأعوام الأخيرة.
الأزمة في الخليج لم تكن خليجية يوما لذلك كان من الصعب حصرها في تلك البقعة الجغرافية. أبعاد الأزمة الخليجية وتداعياتها الإقليمية والدولية، كانت دائما مرتبطة بالمواقف الأميركية ومصالح إسرائيل في المنطقة وهذا ما عبر عنه وترجمه كوشنير عمليا على الأرض.
نقل الإعلام المحسوب على أبو ظبي عن أوساط خليجية متابعة إن القمة هدفت إلى تحقيق مصالحة معنوية أكثر منها مصالحة سياسية تتم بعد مناقشة أسباب الأزمة وطريقة الخروج منها، وتحديد عناصر التنازلات والجهة التي يفترض أن تبدأ الخطوة الأولى. هل هناك لائحة شروط ومطالب متبادلة جديدة بين الأطراف ام لا؟ يوجز نائب رئيس الإمارات ورئيس الحكومة محمد بن راشد آل مكتوم الذي شارك في القمة، في تغريدة له "قمة إيجابية… موحدة للصف… مرسخة للإخوة برعاية أخي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان". هذا هو الموقف الإماراتي الرسمي بعيدا عن التحليلات والتقديرات.
صحيح أن "المتغيرات والتحديات المحيطة بنا تتطلب قوة وتماسكا وتعاونا خليجيا حقيقيا وعمقا عربيا مستقرا" كما قيل لنا بعد المصالحة. لكن هناك من يرى أن قطر تعود إلى الحضن الخليجي أقوى مما كانت عليه في العام 2017. تعود بشبكة علاقات إقليمية ودولية جديدة وباتفاقيات وعقود استراتيجية مع الكبار عززت المكانة والموقع بعدما كان الهدف محاصرتها وتحييدها وإنهاء دورها في المنطقة وهي الآن ستضع كل ذلك تحت تصرف شركائها وإخوتها في الخليج.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس