ترك برس
قال عضو المجلس الاستشاري في رئاسة الجمهورية التركية ورئيس البرلمان الأسبق جميل جيجك، إن بلاده خاضت عبر تاريخها مسيرة تحول ديمقراطي مليئة بـ"المطبات".
جاء ذلك في حديث جيجك لوكالة الأناضول التركية، بمناسبة حلول الذكرى السنوية الـ 24 لانقلاب 28 فبراير/ شباط والذي أدى لإجبار رئيس الوزراء آنذاك نجم الدين أربكان على الاستقالة من حزب "الرفاه" وإنهاء حكومته الائتلافية.
وكان مجلس الأمن القومي التركي أصدر في 28 فبراير/شباط 1997 سلسلة قرارات بضغوط من كبار قادة الجيش بدعوى حماية علمانية الدولة من الرجعية الدينية مما تسبب في إطاحة الحكومة الائتلافية التي كانت بزعامة أربكان عن حزب الرفاه وزعيمة حزب "الطريق القويم" تانسو تشيلر.
واعتُبر التدخل العسكري في حينه بمثابة انقلاب عسكري غير معلن سمي بعد ذلك "بانقلاب ما بعد الحداثة.
** خارطة طريق
وأضاف جيجك: "انقلاب 28 فبراير/ شباط من أبرز المطبات التي واجهتها تركيا في مسيرتها الديمقراطية"، داعيا إلى "رسم خارطة طريق مناسبة من أجل عدم الارتطام مجددا بمطبات مشابهة".
وذكر أن 28 فبراير "كان أكبر نقطة فاصلة في التاريخ السياسي الحديث لتركيا، حيث شهدت العلاقة بين الدولة والمجتمع تباعدًا وجفاء، إضافة إلى الصراع الذي كان قائمًا بين مؤسسات الدولة نفسها ما أفقد الديمقراطية زخمها بشكل ملحوظ".
وأكد جيجك، أن "أكبر ضرر وقع بسبب انقلاب 28 فبراير كان الجرح الذي أصاب إرادة الأمة (الشعب) والبرلمان، إضافة إلى زعزعة أركان النظام الديمقراطي بأساليب غير ديمقراطية من أجل إنهاك الحكومة ودفعها نحو السقوط".
كما أشار إلى أن آثار انقلاب 28 فبراير "لا تزال مستمرة حتى اليوم"، مشددًا أن الانقلابات العسكرية "لم تجلب للبلاد أية آثار إيجابية، ولم تعد بالفائدة على حل المشاكل التي واجهتها وما تزال تواجهها".
وأضاف جيجك: "الاعتقاد بأن الانقلابات العسكرية وما تحمله من وسائل غير ديمقراطية بإمكانها حل المشاكل التي تواجه الشعب والدولة طريقة تفكير غير سليمة".
وأردف: "التاريخ السياسي الذي عاشته تركيا أظهر بوضوح الآثار السلبية التي خلفها انقلاب 28 فبراير على مسيرة البلاد الديمقراطية".
** 3 مشاكل رئيسة
وتابع جيجك: "إذا أرادت تركيا التأسيس لنظام ديمقراطي متين الأركان والوصول إلى مصاف البلدان المتقدمة يجب عليها حل 3 مشاكل رئيسة أولها القضاء على الاقتصاد غير الرسمي، والسياسة غير الرسمية، والمؤسسات الدينية غير الرسمية".
وقال: "هناك شرائح مهمة من المجتمع لم تقدم امتحاناً جيداً خلال انقلاب 28 فبراير".
وأضاف جيجك: الانقلاب "كان بمثابة امتحان للمثقفين والصحافة الذين وقفوا على الأغلب إلى جانب السياسة غير الرسمية والتي مثلها الانقلابيون".
وأردف "كذلك كان حال المؤسسة القضائية، إلا أن المجتمع التركي فهم الآثار السلبية التي تسبب بها ذلك الانقلاب العسكري في مراحل لاحقة".
ولفت جيجك، إلى أن "الطغمة الانقلابية دفعت نحو إسقاط الحكومة الـ 54 في الجمهورية التركية (حكومة ائتلافية بقيادة أربكان وتشيلر)، وتشكيل الحكومة الـ 55 بطريقة غير نزيهة بدلًا عنها والتي كانت هزيلة"، مشددًا أن انقلاب 28 فبراير "زعزع أركان الركيزة الأخلاقية للديمقراطية".
** ضربة للحياة التعليمية
وأشار إلى أن المسؤولين عن انقلاب 28 فبراير "وجهوا ضربة موجعة للحياة التعليمية حيث أدى النظام التعليمي الذي جرى اعتماده من قبلهم إلى نشوء فئة اجتماعية عريضة من العاطلين عن العمل بسبب عدم تلقيهم التدريب المهني اللازم".
وذكر جيجك، أنه "طُرد من حزب الوطن الأم عقب انقلاب 28 فبراير بسبب اعتراضه على النظام التعليمي وتحذيره من خطورته على المجتمع، ليبدأ فيما بعد بممارسة العمل السياسي بصورة مستقلة قبل الانضمام لاحقًا إلى حزب الفضيلة".
وأشار جيجك، إلى أن 28 فبراير "أصبح جزءًا من التاريخ إلا أن آثاره السلبية لا تزال ماثلة أمام المجتمع، وأن العمل السياسي في تركيا قد قطع شوطًا مهمًا منذ ذلك التاريخ حتى يومنا الحاضر".
وأضاف أن العمل السياسي "تمكن من تحقيق تطورات في مجالات معينة، والوقوع في مطبات مؤلمة في مجالات أخرى أبرزها انتظار المدد من بعض الجهات التي تمثل السياسة غير الرسمية في البلاد".
** ديمقراطية فاعلة
وشدد جيجك، على أنه "في ظل وجود ديمقراطية فاعلة، لن يستطيع وقتئذ أي شخص أو جماعة أو حزب الاستئثار بالسلطة من خلال استخدام أدوات غير ديمقراطية وغير أخلاقية".
وحول عدم وجود انقلابات عسكرية في الدول الغربية قال جيجك، إن الزعيم الذي يخسر الانتخابات في الغرب "يعتبر ذلك هزيمة في حلبة السياسة ويبادر إلى ترك منصبه ويرضخ للنتيجة".
وتابع: أما في تركيا فإن "بعض قادة الأحزاب يؤثرون البقاء في مناصبهم حتى لو خسروا الانتخابات 50 مرة، هذا منطق قبلي".
وشرح جيجك ذلك بالقول: "زعيم القبيلة لا يذهب من منصبه حتى يفارق الحياة، وأنا اعتبر أن هذا المنطق كان من الآثار السلبية التي جلبها انقلاب 28 فبراير في تركيا".
وختم جيجك حديثه بالقول: تركيا "بحاجة إلى الحفاظ على ثقافة الديمقراطية وخطها الأخلاقي، وأن كل محاولة انقلابية تعيد المجتمع 15 عامًا للوراء"، مشيرًا إلى أن الديمقراطية "لا يمكن اكتسابها من خلال لقاح ما بل هي نتاج تجربة مجتمعية وسياسية عميقة".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!