د. سمير صالحة-خاص ترك برس
افرج وزير الخارجية المصري سامح شكري عن بعض الرسائل السياسية المهمة باتجاه انقرة بعد " صوم " طويل رغم كل " التحركشات " والرسائل الايجابية التركية نحو القاهرة .
يقول الوزير شكري في مداخلة مع برنامج " حديث القاهرة " على فضائية " القاهرة والناس " الخاصة، للحديث بشأن الجديد في ملف الحوار التركي المصري وأبعاد الاتصال الاخير بينه وبين وزير الخارجية التركي مولود شاووش اوغلو أن :
الاتصال كان في إطار المجاملات الإنسانية للتهنئة بشهر رمضان لكنه لابد أن يؤخذ مع التصريحات التركية الأخيرة في إطار ما يتعلق بالأهمية الاستراتيجية لمصر وضرورة تصويب المسار.
وأن هناك حرص مصري على وجود حوار يصب في مصلحة الجانبين، وإقامة علاقات تتسق مع القانون الدولي، وعلى رأسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم الإضرار بالدول .
وأن التصريحات واللفتات التركية الأخيرة موضع تقدير، ويوجد اهتمام بأن يحدث انتقال من مرحلة المؤشرات السياسية والانفتاح السياسي الذي يحدد إطار العلاقة وكيفية إدارتها وفي اطار حوار يخدم مصلحة الطرفين .
تحدث أكثر من قيادي سياسي وعسكري تركي في الاشهر الاخيرة عن اهمية تحسين العلاقات التركية المصرية وان انقرة ترغب في ذلك بعد توتر دام اكثر من 7سنوات . وسرب الاعلام التركي أكثر من خبر ومادة حول وجود اتصالات على مستوى استخباراتي لاستشفاف المرحلة المقبلة في مسار العلاقات بين البلدين وسبل التهدئة وفتح صفحة جديدة من الحوار . الجديد هذه المرة جاء وبعد ساعات على تسريبات اعلامية حول ايقاف مصر للتفاوض مع تركيا ونقل معلومات عن " مصادر مصرية موثوقة " حول شروط تقدمها القاهرة لانقرة في مقدمتها تغيير سياستها الليبية ، حيث سارعت الخارجية التركية للرد على كل هذه التسريبات من خلال الكشف عن اتصال هاتفي جرى بين وزيري خارجية تركيا ومصر في أول حوار مباشر بينهما منذ أن بدأت تركيا مساعي تحسين العلاقات المتوترة بين البلدين.
الخطوة الاخرى جاءت بعد ساعات من تصريحات الخارجية التركية ومع انباء جديدة حول قرارات ايقاف برامج سياسية في " اجازة مفتوحة " لهذه البرامج التي تبث من قبل قنوات تلفزيونية مصرية معارضة موجودة في اسطنبول ورسالة " واجبنا ألا نثقل على تركيا إطلاقا، لأنها تحملت الكثير على مدار 7 سنوات " .
وهنا قرر الوزير شكري اخراج القاهرة من وضعية " أم العروس " والتبسم للقيادات التركية من خلال تصريح " مشجع " يفتح الطريق امام تركيا لمواصلة رسائلها وخطواتها .، فمصر لا تريد ان تكون المعرقل امام الانطلاقة التركية الجديدة .
اعطى الوزير شكري تركيا بشكل مباشر وغير مباشر اكثر مما تريده من خلال هذه التصريحات :
لا احد يتحدث عن شروط مسبقة بل عن حوار حقيقي يحترم اسس ومسار العلاقات وخصوصياتها في اطار المعايير الدبلوماسية والقانونية . والمح الى ان مصر لن تاخذ بالتسريبات والانباء التي تنشر هنا وهناك وتستهدف المسار المصري التركي الجديد . وأن التصريحات الايجابية التركية الاخيرة مهمة وهي وصلت كلها حول ضرورة تغيير المسار، والانتقال بالامور إلى مرحلة الانفتاح السياسي وأن الحوار يساعد على معالجة كل الامور في ليبيا . وان مصر تسلمت رسائل التحول في الموقف التركي وليس المهم من بادر بل تجنب تحويل الاراضي الى اماكن تحرك عناصر معادية تستهدف مصالح دولة ضد دولة اخرى .
نعرف ان االتقارب بين البلدين يغضب الكثيرين ويقلب حسابات اخرين اقليميا ودوليا . وان محاولات التعطيل والعرقلة عبر تجميد المحادثات او الترويج لشروط مصرية ملزمة لا بد من تنفيذها تركيا قبل مواصلة الحوار، لا تعني القاهرة بدليل ان الوزير المصري يتدخل مباشرة لقطع الطريق عليها .
ونعرف ايضا أن مصر بنت شبكة علاقات اقليمية واسعة تتعارض مع ما تقوله وتريده انقرة ومواجهتها ستكون اصعب على انقرة من محاولة تخفيف ارتداداتها عليها . هناك اصطفاف عربي واضح ضد المصالح التركية وسياستها في التعامل مع ملفات تعني العالم العربي في سوريا والعراق والخليج وشمال افريقيا . وهناك عربيا من يتحدث عن افشال خطة الرهان على البشير التركية في السودان والاصطفاف الاقليمي في شرق المتوسط ضد السياسات التركية وعن قيمة التقارب العربي الاسرائيلي في المصالح التي تتعارض مع ما تقوله وتريده انقرة اقليميا .
لا يحتاج الأمر الى تكرار ان تركيا تبحث عن فرص جديدة للمصالحة والتطبيع مع القاهرة وان المسالة لن تكون سهلة وسريعة كما يقول الجانب المصري لكن القاهرة تدرك ايضا امتلاك الجانب التركي للكثير من الاوراق الاستراتيجية الموجعة اقليميا . القاهرة تتابع عن قرب مثلا زيارة رئيس الوزراء الليبي الجديد الى تركيا على راس وفد وزاري كبير لبحث العلاقات الاستراتيجية والتي لا علاقة لها بموضوع مزاعم المرتزقة او الانسحاب العسكري التركي او مراجعة الاتفاقيات الاستراتيجية الموقعة بين تركيا وليبيا.
التلطي وراء بايدن مع الادارة الاميركية الجديدة لا يخدم الطرفين وفرص المرحلة الانتقالية في ليبيا وسوريا تقوي موقفهما الاقليمي اكثر . ومصالحهما البحرية في شرق المتوسط تتجاوز بكثير ما تعرضه اليونان او تقوله فرنسا للجانب المصري .
الواضح اذا هو ان الامور في تركيا مع المعارضة المصرية تسير الى ابعد من مسألة " ضبط الخطّ التّحريري " كما قيل وانها لن تصل الى اعتقالات وطرد او تسليم معارضين ، لكن كلا الجانبين سيجدان الصيغة الملائمة لازاحة هذا الملف من درب ملفات اقليمية فيها الكثير من المصالح المشتركة للطرفين . الوزير شكري يقول اكثر من ذلك لانقرة اليوم : فتحنا الطريق الى القاهرة امامكم فماذا انتم فاعلون ؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس