ترك برس
تتنهد العراقيّة شهد السامرائي وهي تصف حال غربتها في تركيا، غصّة من الشوق مع كل لقمة تتناولها في وجبة الإفطار في شهر رمضان.
فالغربة ليست ضربًا من ضروب الرفاهية لدى الفتيات العربيات المغتربات، بل هي رحلة البحث عن بيئة تحتضن أحلامهن بالدراسة والعمل مهما كانت صعوبتها.
مضى من عمر شهد في الغربة قرابة 4 أعوام، وهي طالبة ماجستير في التصميم العماري، وقد قضت نصف سنوات الغربة في سكن مستقل، والنصف الآخر في سكن للطالبات، وهذا ما يجعلها تضمن بضع ساعات من يومها تشارك فيها زميلاتها وجبات الطعام وقت الإفطار، والعبادات أحيانًا.
وترى السامرائي أن التحدي ليس في شعور الوحدة أثناء الصوم؛ بل في لحظة إعداد طعام الإفطار ثم "لأنك وحيد، تجلس على المائدة وحيدا" في أوقات الوجبات. وفق ما نقل موقع الجزيرة نت.
ولكن ما يُبدّد وحدة شهد دعوة أقاربها ومعارفها إلى مائدة الإفطار، وتصف هذه اللحظات بأنها "أوقات جميلة ومؤنسة إلا أنها ما تلبث أن تذكرني بأني بعيدة عن عائلتي!".
تستذكر شهد أجواء عائلتها الرمضانية وتقارنها مع إفطارها "شتان بين طبخات أمي الرائعة التي أشتهيها كل يوم حرفيا، وطبخي المتواضع السريع والبسيط وإن كان لذيذا".
كما أن رمضان لدى عائلة السامرائي مرتبط بوجه أساسي بالعبادات، ويخلو من مشاهدة المسلسلات أو أي مواد ترفيهية، في حين جعلت شهد لهذه القاعدة استثناء في الغربة، فهي تقضي بعض الوقت في مشاهدة التلفاز؛ تقول إن "الوقت يمرّ أبطأ وأنت وحدك، ونفسك لا تجد ما يروح عنها بسهولة دائما".
ولا تخلو حياة غربة الفتيات من تحديات، وهي كما تراها شهد في "الحفاظ على هويتي الشخصية وقيمي، وتحمّل مسؤوليتي المادية والمعنوية، وكذلك تحدي اللغة الجديدة والحياة في مدينة إسطنبول الكبيرة، واستمرار السعي في تحقيق الهدف المرجو من الغربة مع تكوين مجتمع وصحبة تؤنسني للعيش في المكان الجديد".
ولاء عيد صحفية فلسطينية تقيم منذ 5 سنوات في تركيا التي وجدت فيها بابًا أوسع لتوفر فرص العمل الإعلامي التي لم تجدها في لبنان حيث كانت تقيم.
تفتقد ولاء حميمية أجواء رمضان العائلية، ورغم وجود شقيقها في رحلة الغربة إلا أنه لا يعوّض أجواء "الروح في جمعات العيلة الكبيرة" الممتلئة بالطقوس الرمضانية وتفاصيل المائدة الزاخرة بأصناف الطعام.
وتحاول "عيد" أن تقلّد والدتها في إعداد وجبة الإفطار إلا أنها لا تملك "نَفَس الطبخ" ذاته، كما تشتاق إلى عصير الجلّاب الذي تعوّدت منذ صغرها تذوقه من صنع يد أمها في شهر رمضان ولا يشابهه غيره في مذاقه المميز كما تصف ولاء.
في الغربة تقع على عاتق ولاء معظم المهمات، منذ لحظة التفكير بوجبة الإفطار ثم إعدادها وما يتبعها من التنظيف والترتيب، ويساعدها شقيقها على توفير الحاجات من خارج المنزل، أما عندما كانت مع عائلتها فكانت تُقسّم المهمات والمسؤوليات على أفراد الأسرة، وتقول "ترهقني جدًا هذه التفاصيل التي ينبغي أن أنسقها مع أوقات أداء العبادة في رمضان، وأيضا مع عملي الصحفي".
ومع ذلك، فالغربة في منظور ولاء "تعلم الفتاة أن تكون قوية أكثر، وتجعل لديها روح المسؤولية تدريجيًا، وأيضا تصبح أكثر نضجًا في أي موقف يمر بها، كما أن تحدي تعلم اللغة التركية والاندماج مع المجتمع هي تجربة مثمرة تفيدها في حياتها".
9 أعوام في تركيا مدة كافية لكي تعيش اختصاصية التغذية إيمان جمال الغربة بكل تفاصيلها وتحدياتها، فقد أصبحت لديها الخبرة الكافية في ترتيب جدول أيامها في رمضان دون عائلتها.
إيمان اعتادت أن تتسوق بعد انتهاء عملها لشراء ما تحتاج إليه لإعداد طعام الإفطار، وليس بالضرورة أن تطبخ إن كان التعب يسري في أوصالها، تقول "في كثير من الأحيان أتناول أي شيء موجود، لقمة تسد جوع الصيام وبس".
وتعود ذاكرة إيمان إلى يومها الرمضاني مع العائلة في مصر، فالجميع يشارك في إعداد سفرة الإفطار المملوءة بالمأكولات والمشروبات، ولا تخلو من تبادل الأحاديث بين أفراد الأسرة بأجواء تفيض بالسعادة.
لكن إيمان اعتادت أسلوب حياة الغربة في تركيا لأنها دولة منظمة بشكل كبير على حد وصفها، وتشعر كأنها في بلدها مصر، ومع ذلك ترهقها بعض التحديات المادية، تقول "أشعر في بعض الأحيان أنني أنا الرجل، وأتمنى أن أكون مع أهلي لكي أتخلص من المسؤوليات، وأرجو أن تمر هذه الأوقات الصعبة لأعود وأكمل حياتي بهمة عالية".
وتؤكد إيمان أن من المهم التنسيق بين مهماتها في المنزل والعمل، ولا يخلو الأمر من الاستعانة بمجموعة من المعارف والأصدقاء في مواجهة بعض التحديات.
مروة زيتون طالبة دكتوراه طب أسنان وهي من سوريا، عاشت غربتين، الأولى في الأردن 6 أعوام، والغربة الثانية الحالية في تركيا مضى منها عامان.
انتابت مروة مشاعر الحزن في بداية غربتها، ثم بدأت بتقبّل الأمر خاصة مع انغماسها بالدراسة، لكن الغربة في شهر رمضان أشد إيلامًا، تقول "الإفطار وحيدة شعور غريب، كما لو أن أحدا يضغط على قلبي، يظن بعضهم لأنه لا يوجد أحد يطبخ لي، لم تكن تلك مشكلتي الرئيسة بل شعور الغصّة المؤلم".
لجأت مروة إلى مشاركة شريكتها في غرفة السكن بالطبخ، فأحيانًا تتبادلان أطباق الإفطار لإضفاء جو من الألفة والمودة لعله يكسر شعور الوحدة.
وتقضي مروة وقت يومها في الاستعداد للامتحانات، ومع ظروف جائحة كورونا أصبح دوام الجامعات "عن بعد" فوجدته تحديًا أكبر عند تنظيم وقتها في رمضان، كما تخصص وقتا للعبادة، والتطوير الذاتي والقيام بأنشطة تطوعية، وتمارس هوايتها بالتدرب على الخط العربي أو سماع الشعر.
والغربة علّمت الطالبة الجامعية مروة ثقل المسؤولية وحدها، وإن مرّ عليها تحد كبير تواجهه بـ"أنظر إلى أسوأ ما قد يقع، وأسعى إلى تقليل الخسائر إن خرج الأمر من يدي".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!