د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
الانتخاب هو استحقاق دستوري في إطار عقد اجتماعي سياسي بين شرائح المجتمع في دولة ما يتم بشفافية ومعايير ديمقراطية معروفة وينتهي بانتصار إرادة الأكثرية ورغبتها. هل جرت الانتخابات الرئاسية السورية على هذا النحو؟ نعم حسب النظام وموسكو وطهران فالناخب السوري توجه بحزم واستقلالية تحت يافطات "خيارنا الوحيد" للإدلاء برأيه. "إنجازات" الأسد وهو يترشح للمرة الرابعة واضحة للعيان في المشهد السوري القائم وحتى لو نص القرار الأممي رقم 2254 أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل بلاده أثناء فتح الأبواب أمام المرحلة الانتقالية في البلاد وحتى لو رفض البعض قبول "حقيقة" أن نسب المشاركة حسب مؤسسات النظام فاقت كل تقدير وتصور وتمسك بمزاعم أن الأرقام والنسب الرسمية المعلنة هي خارج المنطق والمعقول وما تقوله الجغرافية السورية اليوم. سفن الخيال المجوقلة نقلت مئات الآلاف للتصويت من مخيمات النزوح واللجوء وبيوت الهجرة وأعادتهم إلى أماكنهم بلمسة سحرية.
رفض الأسد وحلفائه أن تجري الانتخابات بإشراف إقليمي أو دولي لأن ذلك يمس بسيادة سوريا وسمعتها وليس لأن المراقبة تعني احتمال الطعن في النتائج أو خسارته الانتخابات حتما!
مارس الأسد حقه الدستوري وترشح مرة أخرى للرئاسة وفاز بالنسبة المتوقعة من الدعم والأرقام حتى ولو كان التوصيف هو مسرحية هزلية تدور منذ عقود في سوريا.
عباءة التوارث الأسري على إدارة شؤون البلاد في دولة تروج قياداتها على أنها ديمقراطية برلمانية تقدمية ليس جديدا على بلدان العالم الثالث. وليس من الجديد أيضا أن يعلن أنصار بشار الأسد في الخارج أن ما جرى كان على مرأى ومسمع المجتمع الدولي بمعايير الشفافية والنزاهة واحترام إرادة الناخب وهو يتوجه بحرية مطلقة إلى الصناديق! هذا ما اختاره الشعب السوري في العام 2000 وهذا هو قدره حتى العام 2028.
أكثر من عقدين في السلطة التوارثية مع أن الشعار الذي يرفعه النظام هو الديمقراطية والتقدمية والمشاركة السياسية في الحكم. النتيجة هي التمديد لبشار الأسد لكن النتيجة الأخرى هي حبس الشعب السوري داخل دائرة الترويكا الأسرية قدره منذ أواخر الستينيات بين ثلاثي الأب والابن والحفيد بتوجيه من شبح "الماترياركا" الذي يتحكم في كل شاردة وواردة في منزل العائلة الذي تمدد وانتشر في كل شبر يقع تحت سيطرتها.
قد تكون نتيجة الصناديق فتحت الطريق أمام الأسد ليحكم أنصاره لسبع سنوات جديدة لكن أصوات الاعتراض والرفض الوطني والإقليمي والدولي تقول إن توازنات جديدة ستظهر إلى العلن في التعامل مع ملف الأزمة وأن محركي النظام في موسكو وطهران يحتاجان إلى "دوبينغ" قوي في مواجهة سيناريوهات المرحلة المقبلة سوريا وإقليميا. لا يمكن لرئيس فرض نفسه على الصناديق وما تبقى من ديمقراطية وعدالة وحق تعبير في مناطق نفوذه أن يتجاهل المسار الكارثي للمشهد الاجتماعي والحياتي والاقتصادي في البلاد وحقيقة أن خيوط اللعبة ليست بيده وأن فرض "الانتصار" على الشعب السوري يتطلب أكثر من الحضن الإيراني والرعاية الروسية.
لماذا يلجأ البعض للعب ورقة الأسد مجددا في سوريا؟ أليست هي قنبلة صوتية منتهية المفعول كما قيل لنا أكثر من مرة من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته وبناء على القرارات الأممية المتخذة بدعم واسع؟
القناعة هي أن النظام يمدد لنفسه لكن القرار والتخطيط والتنفيذ لا يعنيه وأن المسألة أبعد من أن تكون قضية تحدي الأسد لمطالب وتطلعات الشعب السوري وقدرته على الوقوف في وجه كل المسارات والقرارات الدولية والأممية حول سوريا.
من سهل ترتيب الصناديق أمام الأسد من الخارج يتطلع إلى فرصة حماية مصالحه ونفوذه أو التعويل على الملف السوري لاسترداد بعض ما فقده من موقع ودور. المعني الأول قد يكون روسيا وإيران وبعض العواصم العربية لكن من يشجع على هذا السيناريو قد يكون عواصم إقليمية وغربية كثيرة أيضا تريد تسجيل اختراقات إقليمية جديدة من خلال الملف السوري.
رد الفعل الأوروبي سبق رد الفعل العربي الذي لم نسمع به أساسا حتى الآن. بروكسل الأوروبية قالت إنها انتخابات غير نزيهة تقوض الحل السياسي في سوريا وأن خطط مواصلة العقوبات ضد النظام مستمرة. الجامعة العربية التي توحدت في بياناتها الأخيرة ضد السياسات التركية والإيرانية في سوريا لم تقل للأسد شيئا بعد. العكس هو الصحيح هناك رسائل انفتاحية دبلوماسية وسياسية جديدة نحو النظام فهل تسمح العواصم الغربية بها؟
اللامبالاة العربية ملفتة حقا في التعامل مع موضوع الانتخابات وعلى عكس القرارات والتوصيات الصادرة عن الجامعة العربية حول التدخل الإيراني والتركي في سوريا. علاقات دبلوماسية مع دمشق مقابل إضعاف النفوذ التركي والإيراني في سوريا حتما بين الأهداف اللامعلنة لبعض القيادات العربية مثلا. أفضل ما قد تحلم به هذه القيادات هو تبني السيناريو الإسرائيلي عبر تسهيل الصفقة الأميركية الروسية في سوريا لإخراج تركيا وإيران من المعادلة. لكن إشعال الضوء الأصفر أمام بشار الأسد لا يعني بالضرورة أن هذه العواصم ستنجو من مخطط تحملها لأعباء وارتدادات المواجهة وإشعال الضوء الأخضر باتجاهها مباشرة وهي تساوم على ما تبقى من بنية سوريا وهويتها ووحدتها الجغرافية والسياسية والدستورية.
الواضح إذا هو أن مهمة الأسد لم تنته بعد. هناك ملفات إقليمية مرتبطة بعلاقات سوريا مع دول جوارها مثل لبنان وإسرائيل وتركيا والعراق والأردن وهي كلها تتطلب وجود الأسد في مركز القرار للتوقيع على صفقات وتنازلات في ملفات الجولان وشرق المتوسط والطاقة والدستور الكونفدرالي وخريطة سوريا الجديدة ولا يمكن سوى للأسد أن يقبل بها ويوقع عليها قبل الإعلان عن انتهاء دوره.
كان من الممكن لموسكو وطهران أن يدعما خطة المرحلة الانتقالية في سوريا وإزاحة الأسد عن الحكم في إطار صفقة إقليمية جديدة لكن يبدو أن رغبة البعض في واشنطن وعواصم غربية أخرى هي في بقائه لفترة أخرى ريثما ينجز المطلوب منه ويفتح الطريق أمام سيناريوهات إقليمية مرتقبة تحسم المشهد السوري. توازنات اللعبة في التعامل مع الملف السوري لا تسمح بغير ذلك. الهدف هو إبقاء الأسد أمام الطاولة لإنجاز خطط المرحلة الانتقالية في سوريا والملفات الإقليمية التي تعنيها أكثر من محاولة فرضه مجددا على الشعب السوري.
بشار الأسد ترك الشعب السوري بين خيار تبني إذلال الديمقراطية أو ديمقراطية الإذلال. هو في الحكم ريثما يكبر ويستعد حافظ الصغير لحمل الشعلة ومتابعة المسيرة وهي تضحية لا تقدر بثمن. فهل ينجح بإقناع القمة الأميركية الروسية المرتقبة بفوائد مواصلة الأسرة لحكم سوريا؟ ما سيقوله الثوار وقوى المعارضة داخل سوريا وخارجها مهم أيضا خصوصا وأن النظام عبر مسرحية التمديد لنفسه على هذا النحو أعطاهم فرصة جديدة للعودة إلى روح العام 2010.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس