مصطفى واجد آغا أوغلو - خاص ترك برس
لقد حافظ التركمان في العراق على لغتهم الأم وعلى تراثهم وثقافتهم رغم تعرضهم للتطهير والتمييز العنصري الممنهج من قبل الحكومات والأنظمة المتعاقبة. فمن الصعوبة بمكان أن يحافظ شعب على لغته طوال قرن من الزمن وهي تُمنع أن تدرَّس بالمدارس والجامعات أو أن تستخدم كتابة في الأسواق والمحلات أو في أي مكان رسمي أو شعبي. ولكن شاء القدر أن تكون هذه اللغة لغة رسمية في كافة المؤسسات الرسمية بالمناطق التي يسكنونها في كافة أرجاء البلد؛ وكذلك تدرَّس في المدارس الرسمية التابعة لوزارة التربية؛ إلى جانب دراسة اللغة العربية.
ويعرف عن تركمان العراق حبهم وعشقهم الشديد للقرآن الكريم والحرص على تعلمه، فيبدو أن عشقهم هذا جعلهم يقتبسون البعض من الكلمات والعبارات في القرآن الكريم ويستعملونها في حياتهم اليومية وفي تربية أطفالهم في المنازل؛ ما جعل الأجيال تتوارث هذه الكلمات وتستعملها في محاداثاتهم العامة. وسأذكر البعض من هذه الكلمات القرآنية المستعملة في لسان تركمان العراق كالآتي:
أولاً: كلمة "زمهرير"، يستعملون التركمان هذه الكلمة كثيراً في موسم الشتاء وخاصة في أيام البرد القارس فيقولون (Hava çok zemherir) بمعنى الجو بارد جداً. وكلمة زمهرير وردت في سورة الإنسان آية 13 (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۖ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) وتعني البرد الشديد.
ثانياً: كلمة "مَفر"، تستعمل هذه الكلمة في المحادثات اليومية فيقال (Bir mafar ver) بمعنى: أمهلني أو دع لي ملجأ. وقد ذكرت هذه الكلمة في سورة القيامة آية 10 (يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ).
ثالثاً: عبارة "قالوا بلى"، وهذه تستعمل كثيراً في لسان التركمان للدلالة على قدم الشئ أو قدم أمر ما؛ فيقولون (Bu kalu beladan beri var) بمعنى هذا موجود منذ أن قالوا بلى. وذكرت قالوا بلى في سورة الأعراف آية 172 (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ).
رابعاً: كلمة "تهلكة"، وردت هذه الكلمة في سورة البقرة آية 195 (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). وقد فسرها المفسرون والعلماء بمعان عدة؛ فقد ذكر الحسن البصري أنها تعني البخل، وقال آخرون تعني الذنب. التركمان يستعملون هذه الكلمة في أي أمر يؤدي بنهاية المطاف إلى الخسران والهلاك؛ فيقولون (Tehlikeye girme) أي لا تعرض نفسك للخطر.
خامساً: كلمة "ويل"، ذكرت هذه الكلمة في مواضع كثيرة بالقرآن الكريم، وتعني الهلاك والدمار؛ وكذلك تعني وادٍ في الجهنم حسب بعض الروايات. والتركمان يستعملون كلا المعنيين، فيقولون تارة (Veyl haline) أي ويل لك بالمعنى الأول. ويقولون أيضاً في الدعاء على الأعداء Veyl deresine düşsün أي فليسقط لوادي الويل أو فليذهب إلى الجحيم وهذا في المعنى الثاني.
سادساً: كلمة "آمنا"، وهذه الكلمة وردت أيضا في سور ومواضع عدة؛ ومنها في سورة آل عمران آية 7 (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ). وهي تعني التصديق والإذعان. والتركمان يستعملون هذه الكلمة في محاداثاتهم اليومية كثيراً فيقولون جواباً لأمر أو لقضية ما (Amenna) بمعنى وهو كذلك، أو أصدق ذلك.
سابعاً: كلمة "ميراث"، وردت كلمة الميراث في سورة آل عمران آية 180 وفي سورة الحديد آية 10 (وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ). وتعني أن الله تعالى هو مالك السماوات والأرض. والتركمان يستعملون هذه الكلمة فيقولون مثلاً Miratı burda أي أشياؤه وأغراضه أو ما يملكه موجود هنا.
ثامناً: كلمة "فتيل"، ذكرت هذه الكلمة في مواضع عدة؛ ومنها في سورة النساء آية 49 (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ۚ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) والفتيل هو الخيط الذي في شق النواة، أو ما فتله الإنسان بين أصابعه من خيط أو وسخ. والتركمان يقولون Fetil fetil çıkar بمعنى سيخرج شيئاً فشيئاً أو واحداً واحداً. وكذلك تستخدم كلمة الفتيل لدى التركمان في الإشارة إلى الخيط القطني الموجود في الفانوس (المشكاة أو المصباح).
تاسعاً: عبارة "كن فيكون"، تكررت هذه العبارة في مواضع كثيرة ومنها في سورة يس آية 82 وهي تشير إلى عظمة إرادة الله وقدرته الفائقة. والتركمان يستعملون هذه العبارة كثيراً في الإشارة إلى تجليات مدبر السماوات والأرض.
هذه البعض من الكلمات وهناك أيضاً كلمات أُخر مقتبسة من القرآن الكريم تستعمل في لسان تركمان العراق؛ وهذا شئ جميل وفريد، والأجمل من ذلك هو عدم الإكتفاء باستعمال هذه الكلمات في الأقوال والألسن فقط، بل العمل بمحتوى القرآن الكريم المليء بالحكم والعطايا والفضائل؛ لا سيما في الجانب الأخلاقي، فإذا صلح الأخلاق صلح الإيمان والعبادات والمعاملات وغيرها وإذا فسد الأخلاق فسد كل ذلك، فلأجل الأخلاق بعث النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس