صحيفة التقرير
رحل “كنعان أفرَن” الرئيس السابع للجمهورية التركية، قائد انقلاب 12 أيلول/ سبتمبر 1980، الأكثر دموية، عن عمر يناهز 98 عامًا، في الأكاديمية الطبية العسكرية التي كان يعالج فيها بالعاصمة أنقرة، وجاء موته -مساء السبت الماضي- قبل الحكم النهائي في محاكمته عن الانقلاب الذي قام به قبل 30عامًا والجرائم والمظالم التي اقترفها.
والسؤال هل انطوت صفحة الانقلابات العسكرية في تركيا بموت “كنعان أفرَن”، بطل انقلاب 12 أيلول 1980 هو ومجموعة من الضباط، وهو ثالث انقلاب شهدته تركيا خلال 20 عامًا، حيث وقع انقلابان قبل هذا التاريخ في 1960 و1971، وكان انقلاب 1980 الأكثر دموية، وبلغت حصيلة الاعتقالات في عهد “أفرَن” 650.000 شخصية، ومحاكمة 230.000 آخرين، و517 حكمًا بالإعدام، و299 حالة وفاة بسبب التعذيب، كما انتحر 43 شخصًا وقُتلَ 16 أثناء هروبهم، واعتبر الآلاف في عداد المفقودين، كما تم إقالة 3654 مدرسًا و 47 قاضيًا و120 أستاذًا جامعيًا، ورصدت الأجهزة الأمنية التابعة للانقلاب مليون ونصف مواطن تركي وقيدتهم في سجلات الأمن كمطلوبين أمنيًا، وخطرًا على الأمن القومي التركي، وفر 30 ألف شخص من المعارضين والمفكرين وطلبوا حق اللجوء السياسي خارج تركيا.
وفاة “أفرَن”، جاءت إثر تعرضه، في وقت سابق أمس، لفشل في وظائف عدد من الأعضاء ناجم عن الشيخوخة، حيث نُقل إلى وحدة العناية المركزة، ووضع على جهاز التنفس الصناعي، لكنه فارق الحياة رغم كل المحاولات الطبية لإنعاشه.
وُلد أفرَن عام 1917 في ولاية مانيسا غربي تركيا، وأتم مراحله التعليمية المختلفة في عدد من المدن، حتى تخرج من الثانوية العسكرية في “مال تبه”، ثم تخرج عقب ذلك من المدرسة الحربية البرية عام 1938، ثم الأكاديمية الحربية عام 1949، وتقلد “أفرن” العديد من الوظائف والمناصب داخل القوات المسلحة التركية كضابط للمدفعية والأركان، حيث تولى قيادة شعبة العمليات والتدريب في اللواء التاسع، الذي شارك في الحرب الكورية ما بين 1950-1953، ثم رئاسة أركان اللواء.
وتسلم منصب قائد الجيش والقوات البرية، ثم عُين بعدها رئيسًا لهيئة الأركان العامة في 7 آذار/مارس 1978، وعقب الانقلاب الذي وقع في 12 أيلول/سبتمبر 1980، جمع منصب الرئيس إلى جانب مناصبه السابقة، رئاسة مجلس الأمن القومي، ورئاسة الدولة، وحل “أفرَن” البرلمان والحكومة، في بيان وقعه بصفته رئيس مجلس الأمن القومي، بدعوى أن أجهزة الدولة الرئيسية أصبحت معطلة، والأحزاب السياسية تتصارع فيما بينها، والبلاد على حافة الحرب الأهلية.
وأصبح “أفرَن” رسميًا الرئيس السابع للجمهورية التركية في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1982 من خلال الدستور الذي تم إقراره في استفتاء شعبي بتاريخ 7 نوفمبر من العام نفسه، واستمرت ولايته الرئاسية حتى التاسع من الشهر ذاته عام 1989، وعقب الانقلاب فرض العسكر-بعد تولي “أفرين” رئاسة الجمهورية-، دستورًا جديدًا عام 1982، يفتقد إلى القيم الديمقراطية العالمية، ويكرس هيمنة الجيش على السلطة، ويوسع من صلاحياته، ومازال مطبقًا إلى اليوم رغم إدخال تعديلات ديمقراطية كثيرة عليه.
ونتيجة إقرار استفتاء شعبي في 12 أيلول/ سبتمبر 2010، جرى إلغاء مادة مؤقتة في الدستور التركي كانت تحول دون محاكمة المسؤولين عن الانقلاب، أعقب ذلك تقديم لائحة اتهام في 2011، بحق “أفرن”، وقائد القوات الجوية الأسبق الفريق أول المتقاعد “علي تحسين شاهين كايا”، الوحيد الباقي على قيد الحياة من أعضاء مجلس الأمن القومي آنذاك.
وقضت محكمة الجنايات العاشرة في أنقرة بالسجن المؤبد على “أفرن”، و”كايا”، في 18 حزيران/ يونيو من العام الماضي، على خلفية قيادتهما الانقلاب العسكري الذي شهدته تركيا بتاريخ 12 أيلول/سبتمبر عام 1980، كما صدر قرار بخلع رتبتيهما العسكرية.
ولم يصدر القرار النهائي بعد بشأن الطعن الذي تقدم به محامو “أفرن” و”كايا” على الحكم الصادر بحقهما، وحملت المحاكمة أهمية رمزية بالنسبة للحياة السياسية، والديمقراطية في تركيا، حيث حُوكم “أفرن وكايا” بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا على انقلاب (1980) -الذي يعتبر الأكثر دموية في تاريخ تركيا-، حيث اعتقل خلاله مئات الآلاف من الأشخاص، وحُوكم نحو (250) ألفًا آخرين، كما أُعدم 50 معتقلًا، ومات العشرات تحت التعذيب في السجون، فضلًا عن فرار عشرات الآلاف من الأتراك الى الخارج.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!