ترك برس
يرى خبراء ومحللون سياسيون أن تركيا تتلمس طريق الحياد في علاقاتها مع روسيا وأوكرانيا، وهي لا تمتلك وسائل ضغط على أي طرف من الأطراف، ولكن تحاول أن تخفف من التوتر القائم.
وتستعد تركيا للعب دور الوسيط في حوار روسي أوكراني ينزع فتيل التوتر بين البلدين، بعد احتقان كبير بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا.
وفي حين تخشى الدول الغربية من سيناريو حرب تهدد أمنها ومصالحها الاقتصادية، تخشى تركيا أن تربك الحرب حساباتها ومصالحها.
وأعلنت روسيا، قبل أيام، قبول الرئيس فلاديمير بوتين دعوة نظيره التركي رجب طيب أردوغان لزيارة تركيا، وفق ما أفاد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، في تصريحات صحافية، قائلا إن دعوة أردوغان لبوتين طرحت خلال محادثاتهما في الفترة الماضية.
ولفت بيسكوف إلى بعض التوقف في كل من اللجنة الحكومية والمحادثات التي ترأسها الزعيمان، وأن أردوغان قال إن تركيا يمكنها استضافة المحادثات والفعاليات بين البلدين، وأن بوتين رحّب بالدعوة.
الإعلان الروسي عن قبول الدعوة، والذي تحدث عن اجتماع المجلس الاستراتيجي الأعلى المشترك مع الجانب التركي فقط، لم يشر إلى أي محادثات ربما تقودها تركيا مع أوكرانيا، ولكن التصريح والمقاربة التركية يشيران إلى أنها بداية لمرحلة من الدور التركي لتقريب وجهات النظر بين البلدين، وتخفيف حدة التوتر في المنطقة، نظرا لمصالحها المشتركة مع البلدين كل على حدة. وفق تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد.
وبحسب وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، فإن زيارة بوتين ستكون عقب القمة التركية الأوكرانية المنتظرة في 3 فبراير/شباط، وتحديد الموعد مع عودة بوتين من مشاركته في افتتاح أولمبياد بكين الشتوي في الـ4 من الشهر المقبل.
وقال تشاووش أوغلو، في مؤتمر صحافي، الخميس: "نؤكد موقف تركيا الذي نقل للطرفين الروسي والأوكراني والأطراف الدولية، ونرغب باستمرار الحوار بين روسيا والناتو ومع الغرب، ولا يمكن حل المشاكل بورقة أو اثنتين باجتماع واحد أو باثنين".
وأضاف "الشفافية مطلوبة وخطوات تخفيض التصعيد مهمة. وعند سؤالنا عن إمكانية استضافة الاجتماع على مستوى اجتماع مينسك، أجبنا بالموافقة، ولدى تركيا مع أوكرانيا وروسيا آليات عمل مشتركة، اللقاء الاستراتيجي مع أوكرانيا سيكون في كييف بالأيام القادمة، ومع روسيا سيكون هذا العام في تركيا، وتمت دعوة بوتين لذلك، وخلال الفترة المقبلة مع عودة بوتين من أولمبياد بكين، سيتم تحديد الموعد".
وتحاول تركيا أن تلعب دورا في حل الأزمة بشكل مواز للجهود الأميركية، وسط تساؤلات عن الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا، خاصة أن موقفها بات واضحا وتكرر أكثر من مرة على لسان الرئيس أردوغان، وآخرها أمس، حينما قال: "أتمنى ألّا تقدم موسكو على عمل عسكري ضد أوكرانيا، فمثل هذه الخطوة لا يمكن أن تكون عقلانية بالنسبة لروسيا والمنطقة".
وطورت تركيا علاقاتها بشكل كبير مع أوكرانيا، وصل إلى حد التعاون في إنتاج الطائرات المسيرة في أوكرانيا، مقابل حصولها على محركات من مختلف الأحجام والاستخدامات في ما يتعلق بالصناعات الدفاعية، فتحولت لعلاقة استراتيجية في ظل حظر عدد كبير من الدول تصدير قطع تستخدم في تركيا بالصناعات الدفاعية، وأي احتلال لأوكرانيا يعني تعرض استراتيجية تركيا لأضرار، فضلا عن مخاطر من تعرض التوازنات مع روسيا بمناطق أخرى، في سورية وليبيا وأذربيجان، لأضرار متعددة.
وقالت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن "تركيا ستحاول الاستفادة من علاقاتها مع الطرفين، من خلال محاولة تأكيدها لموسكو على بذل مزيد من الجهود داخل حلف الناتو كونها ثاني قوة موجودة فيه، لطمأنتها وإزالة مخاوفها، مقابل تجديد تأكيدها للجانب الأوكراني على موقف الناتو، لتأسيس نوع من الثقة الذي يقود إلى اللقاءات المباشرة بينهما، من دون أن تلعب دور الوسيط بينهما، بمعنى أن يكون اللقاء مباشرا لحل كل الخلافات وتبادل وجهات النظر، وتأسيس نوع من الحوار ليستمر مستقبلا ويؤدي إلى تخفيف حدة التوتر وتعزيز لغة الحوار"، وهذا يدل على أن تركيا لا تملك من الأدوات ما يكفيها سوى العلاقات التي تجمعها مع الطرفين ووجودها في حلف الأطلسي.
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر الدكتور علي باكير قال: "أعتقد أن بوتين يريد من خلال هذه الزيارة أن يحدث نوعا من الحراك الدبلوماسي بموازاة الاستعدادات العسكرية، سواء في ما يتعلق بالتمويه والتغطية أو لفتح قنوات دبلوماسية أخرى غير الولايات المتحدة الأميركية، خاصة أنه في المجال الإقليمي، أميركا بعيدة نسبيا، ولكن جغرافياً، التواصل مع دول مهمة وقوية ولديها مصالح على الأرض مثل تركيا سيكون مهما لروسيا".
وأضاف في حديث لصحيفة العربي الجديد: "لا أعتقد أن تركيا تمتلك وسائل ضغط على أي طرف من الأطراف أو أي إملاءات، ولكن تحاول أن تخفف من التوتر القائم وأن تخفف قدر الإمكان من حصول صدام عسكري بين الطرفين، ولا أعتقد أن تركيا ستقود مفاوضات بين الطرفين بقدر ما ستكون منصة للتباحث حول وسائل وسبل تخفيف التوتر والتصعيد وإبعاد شبح الحرب".
وختم بالقول أن لدى تركيا مصالح قوية مع الطرفين، ومع الجانب الروسي لديها مصالح اقتصادية وملفات ساخنة متشابكة في مسارح متعددة، "فلا تريد زعزعة حالة الجمود الحاصلة مع روسيا، وتريد ضمان مصالحها المتعلقة بالجانب التجاري والاقتصادي وفي ما يتعلق بقطاع الغاز والطاقة والسياحة، كما أن تركيا تريد الحفاظ على المصالح القائمة مع أوكرانيا وألا تتأذى بأي تصعيد عسكري".
من ناحيته، قال طه عودة أوغلو، الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، لنفس الصحيفة: "أنقرة إلى هذه اللحظة تتلمس طريق الحياد في علاقاتها مع روسيا وأوكرانيا، وبينما تمضي بشكل مستقر في طريق تطوير علاقاتها مع موسكو، فإنها على خط مواز تتمسك بكل حزم بموقفها بتعزيز علاقاتها السياسية والعسكرية مع أوكرانيا، مقابل إيجاد حل لخلافاتها سلميا إدراكا منها للدور المحوري الذي تلعبه كييف في ضمان الاستقرار والسلام في منطقة البحر الأسود".
وأضاف: "على الرغم من قبول بوتين دعوة أردوغان لزيارة تركيا، فإن الرئيس الروسي لن يسمح لأردوغان بلعب دور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا في ظل التعقيدات المتشعبة في الملف الأوكراني، لكن هذا الأمر لا ينفي حقيقة أن تركيا ترى في الأزمة فرصة لاختبار قوتها الناعمة، لتظهر للمعسكر الغربي، خصوصا أميركا، أنها يمكن أن تكون طرفا قويا للتعامل مع قضية حساسة جدا في المنطقة تطاول روسيا مباشرة وتضيق الخناق عليها في مياه البحر الأسود، فتكسب بذلك ورقة تفاوضية قوية مع واشنطن المستاءة من سياسات أردوغان".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!