ترك برس
كشفت 6 أحزاب معارضة في تركيا، يوم 28 فبراير/ شباط الفائت، عن بيان تضمن سلسلة وعود قالت إنها ستقوم بتنفيذها عقب وصولها إلى السلطة خلال الانتخابات المقبلة عام 2023. وكان أبرز هذه الوعود العودة بالحكم في البلاد إلى النظام البرلماني والتخلي عن النظام الرئاسي الذي انتقلت إليه البلاد جراء استفتاء عام 2017.
جاء ذلك خلال لقاء هو الثاني من نوعه، جمع زعماء أحزاب الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والديمقراطي، والمستقبل، والتقدم والديمقراطية والتي عكفت منذ سبتمبر/أيلول 2021 على عقد جولات نقاش تركزت حول رفض النظام الرئاسي المطبق في تركيا حاليًّا والعودة إلى النظام البرلماني السابق بعد سدّ ثغراته واستكمال نقائصه بحيث يصبح مناسبًا للبلاد في المستقبل، إذا فازت المعارضة بالانتخابات المقبلة.
وفي تقرير له على موقع "الجزيرة نت"، قال الكاتب والباحث في الشأن التركي، سعيد الحاج، إنه وفي قراءة لما ورد في نص اتفاق الأحزاب السياسية الستة، يمكن القول إنه أشبه ببيان نوايا بخصوص النظام الرئاسي المطبق حاليًّا في البلاد، وأقرب إلى وعد انتخابي منه إلى برنامج عمل واقعي.
وأضاف أن الاتفاق يدور حصرًا حول فكرة تغيير النظام، من خلال عرض مساوئ النظام القائم حاليًّا من وجهة نظر هذه الأحزاب، وتبيان النية وإرادة العودة للنظام البرلماني السابق بعد تجاوز سلبياته وعيوبه، بحيث تنتفي فيه نُظُم الوصاية على الدولة والحكومة وتقلّ فيه المساحات التي طالما تسببت بالانسداد السياسي والأزمات.
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
ولذلك فقد غاب عن النص أي حديث عن "كيفية" الوصول إلى هذا النظام بعد فوز المعارضة المفترض في الانتخابات المقبلة وقدرتها على تغيير النظام، فلم يتضمن النص أي تفصيل يتعلق بالفترة الانتقالية المفترضة بين الانتخابات والعودة لإقرار النظام البرلماني المعزز، ولعل ذلك مؤشر إضافي على عدم توافق هذه الأحزاب، ذات المشارب السياسية والفكرية المتنوعة، على المسار الانتقالي المفترض، وربما فجوة ثقة لم تستطع الأشهر السابقة من العمل المشترك جسرها بالكامل.
وثالثًا، ليس هناك أي إشارة ولو ضمنية، لا في النص الموقع عليه ولا في كلمات رؤساء الأحزاب وممثليهم في حفل التوقيع، على أن الأحزاب الستة المذكورة باتت ضمن تحالف واحد وموحد للمعارضة، وهو ما يدعم الاعتقاد بأن لدى بعض الأحزاب لا سيما المؤسَّسة حديثًا منها تحفظات غير هامشية على الانضمام إلى تحالف المعارضة باسمه وشكله وبُنيته الحالية، ويخفض سقف التوقعات بخصوص قدرة هذه الأحزاب على إنفاذ ما تريد.
رابعًا، لم يتضمن النص المذكور أي توافق بين الأحزاب الستة على سياسات معينة، لا داخلية ولا خارجية، تعد بها في حال فوزها بالانتخابات وقدرتها على تغيير النظام وبما يتناقض مع سياسات الرئيس الحالي أردوغان مثلًا. وهو، فضلا عن كل ما سبق، ما يقلل من الثقل السياسي لهذا الاتفاق الذي أتى -في رأينا- أقل من المتوقع أو للدقة أقل مما أوحت به بروباغندا أحزاب المعارضة قبيل الإعلان عنه، رغم أنه لا يمكن بالتأكيد التقليل من الأهمية الرمزية لاجتماع الأحزاب الستة وتوافقها وعملها المشترك، خصوصًا مع تبايناتها المعروفة.
هذا ما يتعلق بمضمون الاتفاق وبنوده، أما ما يرتبط بمدى قدرة هذه الأحزاب على تحقيق ما تريده فدونه نقاش عميق وجاد وعلامات استفهام مستحقة. ذلك أن الأمر يحتاج إلى تعديل دستوري في موضوع رئيس ومهم، ولا يُكتفى فيه بالفوز بالانتخابات الرئاسية مثلًا، بافتراض فوز شخصية معارضة بها، وإنما سيحتاج إلى عمل في البرلمان.
كما أن النسبة التي تضمن تعديل الدستور وتغيير النظام في البرلمان، وهي نسبة الثلثين، ليست بسيطة ولا من السهل على المعارضة الفوز بها بافتراض أنها ستكون جبهة موحدة وفي تحالف واحد، وهذا دونه نقاش عميق آخر كنا أشرنا إليه في مقالات سابقة. حتى نسبة 60% التي تضمن رفع الأمر من البرلمان لعرضه في استفتاء شعبي (كما حدث لدى إقرار النظام الرئاسي) ليست أمرًا سهلًا جدًّا لكنها أقرب إلى الواقعية السياسية، وحينئذ سيكون الاعتماد على تصويت الناخبين في عموم البلاد ومدى اقتناعهم بهذا الطرح.
وأخيرًا، بافتراض أن المعارضة استطاعت الحصول على نتائج تخوّلها تعديل الدستور وتغيير النظام، فمن يضمن أن الحزب الذي فاز مرشحه بالرئاسة سَيَفي بالوعود ويستمر في مسألة إعادة البلاد إلى النظام البرلماني، في حين أن النظام الرئاسي الحالي يمنحه صلاحيات واسعة وإمكانات تساعده على قيادة الدولة والحكومة وتوجيههما كما يريد. ولعل ذلك من أهم الأمور التي تزيد من الشكوك بين أحزاب المعارضة الستة المذكورة وغيرها وتحول دون تحوّلها إلى تحالف يجتمع على قلب رجل واحد. إذ ستبقى الأحزاب الصغيرة متوجسة من إمكانية استغلال الأحزاب الكبيرة -خصوصًا الشعب الجمهوري- لها في المعركة ضد أردوغان وحزب العدالة والتنمية اليوم ثم النكوص عن الوعود والتنكر للاتفاقات السابقة بعد تمكنها وتمكينها، كما أنه لا أحد يستطيع ضمان عدم تغيير هذه الأحزاب آراءها ومواقفها وانحيازاتها وربما تحالفاتها حتى لحظة الانتخابات المقررة في يونيو/حزيران 2023، التي يتقلص مع مرور الوقت احتمال تبكيرها كثيرًا عن موعدها.
ولذلك، ختامًا، يمكن القول إن الأثر الرمزي للاتفاق الموقّع عليه من الأحزاب الستة أكبر بكثير في المرحلة الحالية من أثره السياسي وتأثيره في المشهد الداخلي، وإن كان سيبقى بالتأكيد عاملًا مساعدًا على تشكل تحالف المعارضة ومن المواد الرئيسة للحملات الانتخابية.
لكن المعركة الرئيسة في تركيا، وللمفارقة، ستبقى هي الانتخابات الرئاسية لا البرلمانية لما يمنحه النظام القائم حاليًّا من صلاحيات وسلطات وأدوات للرئيس، وسيكون الاقتصاد وقودَها الأساسي والعمود الرئيس لحملاتها الانتخابية. أما شكل الدولة ونظام الحكم والسياسات المتّبعة فتبدو مسائل مؤجلة إلى لحظة ما بعد الانتخابات، التي يمكن -بناء على تجارب سابقة- أن تأتي بمواقف واصطفافات وتحالفات مختلفة ولو نسبيًّا عن الحالية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!