ياسين أقطاي - الجزيرة نت
دخلت تركيا عامها الأخير بالنسبة للانتخابات الرئاسية، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ فترة قصيرة ترشحه رسميا نيابة عن تحالف الشعب، وذلك في الخطاب الذي ألقاه خلال مراسم التدريب العسكري الذي جرى في مدينة أفسس.
بالطبع، كان هذا كإعلام لما هو معروف أصلا، لأن تحالف الشعب لم تكن لديه مشكلة بموضوع المرشح منذ البداية، وقد كان شريك التحالف دولت بهتشلي قد صرح قبل ذلك بزمن بقوله "إن أردوغان هو مرشحنا"، وكان من الواضح بالفعل أن أردوغان هو المرشح عن تحالف الشعب، فيما لا يزال وضع التحالف الآخر المنافس في هذا السباق غير واضح.
تزيد الاجتماعات -التي يتم عقدها بين أحزاب التحالف الستة بغية تحديد المرشح- عدم اليقين والنزاعات بشكل أكبر في كل مرة، فمهمتها صعبة جدا بالفعل، وليس من السهل تحديد اسم يتفق عليه الستة جميعهم، وربما قد تكون أكثر فكرة منطقية هنا أن يترشح واحد عن كل منهم في الجولة الأولى، ومن يحصل بعدها على أعلى نسبة أصوات يُجمِع عليه الباقون، إلا أن هذه الفكرة التي تبدو منطقية جدا وممكنة من الناحية النظرية وبين أطراف الطاولة السداسية قد لا تكون سهلة ومنطقية بنفس القدر على أرض الواقع، ففي الواقع هناك حالة من عدم التوافق التي قد تجعل التوصل إلى الاتفاق ليس بالسهولة وبالقدر الذي يرغب فيه القادة السياسيون.
على سبيل المثال كان قد بدا اسم أكمل الدين إحسان أوغلو ضد أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأولى التي أجريت قبل 8 سنوات معقولا للغاية -بالنسبة لزعيم حزب الشعب الجمهوري- كشخصية يمكن أن تنافس أردوغان، لكن الأسئلة التي خطرت على الفور على أذهان أنصار حزب الشعب الجمهوري لم يكن كليجدار أوغلو قد فكر فيها، فقد كانت جميع المؤهلات التي اعتبرت قوية في ملف إحسان أوغلو هي مؤهلات مثّلها أردوغان بشكل أكثر واقعية وأكثر أصالة، وهكذا تبرز أكبر مفارقة للمعارضة في هذا السؤال: هل السبيل الوحيد للإطاحة بأردوغان يتطلب جلب الشخص الأكثر شبها به؟ لأنه بذلك يكون قد تم التأكيد على حقيقة أن أردوغان هو الخيار الأكثر صحة في التنافس الحالي.
لا مهرب من أردوغان
لا شك أن الشخص الذي تبحث عنه أحزاب المعارضة الستة على الطاولة اليوم هو الشخص الأكثر شبها بأردوغان، لكنك عندما تطرح مثل هذه الشخصية سيكون هناك عائق يتمثل في التمكين لأردوغان بشكل أكبر، بصفته الشخصية الأكثر واقعية وأصالة وألفة ودراية، وبغض النظر عن كل الحسابات ليس هناك مهرب من أردوغان، وهذا ما يعكر صفو الطاولة السداسية مثل الكابوس.
لم يستطع كليجدار أوغلو كبح جماح رغبته في أن يكون مرشحا في الآونة الأخيرة، حيث إنه يقلد أردوغان في سلوكه وتصرفاته ومواقفه وخطابه السياسي ويحاول التشبه به، وحتى أثناء مهاجمته وانتقاده لأردوغان تراه يحاول اتباع أسلوبه، بالطبع بقدر ما يستطيع، وبالطبع يبدو أن هذا الأمر غير ملائم لأنه تقليد مفتعل، ولأنه ليس لديه أي قصة نجاح في حياته ولا يُعتمد عليه في القدرة على تقديم ما يعد به بكثرة وسهولة.
في الحقيقة، إذا صار كليجدار أوغلو مرشحا فسيحصل -حسب الوضع الحالي- على أكبر عدد من الأصوات من بين أطراف الطاولة السداسية، إلا أن شركاءه على الطاولة -على الرغم من كل مساعيه لتقليد أردوغان- لا يعدونه كافيا ولا يدعمون ترشيحه، وهناك بعض المبررات التي طرحها كل منهم حتى لا يكون مرشحا.
بالطبع، كلهم يبحثون عن شخص يمكنه الحصول على الأصوات التي تمكنه من الإطاحة بأردوغان، إلا أنه عندما يكون لمثل هذا الشخص ملف محافظ فلن يكون من الممكن إقناع ناخبي حزب الشعب الجمهوري بذلك لأنهم لا يريدون تكرار تجربة أكمل الدين إحسان أوغلو صاحب نفس الأيديولوجية التي يمتلكها أردوغان بمحض إرادتهم، فقط لوجود احتمال الإطاحة بأردوغان، لأنهم إن فعلوا ذلك فلن تكون لديهم أي مزاعم أيديولوجية، وهذا صعب للغاية بالنسبة لهم.
الأمر هنا هو أن ناخبي حزب الشعب الجمهوري متطرفون للغاية أيديولوجيا، ومن الصعب عليهم جدا أن يدعموا أحدا ليس من بينهم، إنهم لا يريدون الوقوع في نفس الموقف الذي وقعوا فيه ذات يوم لمجرد الرغبة في الإطاحة بأردوغان.
من جهة أخرى، إذا اختاروا شخصا لديه الملف الشخصي الذي يريدونه فإن الأصوات التي يمكنهم الحصول عليها ستكون محدودة، حيث تتراوح أصوات حزب الشعب الجمهوري في كافة الاستطلاعات بين 25 و26%، وهذا يعني أنه لا يمكنه الوصول إلى الأغلبية المطلقة المطلوبة في رئاسة الجمهورية.
أما عن رئيسة حزب الخير ميرال أكشينار فهي تريد أن تكون مرشحة بنفسها أو أن يكون رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو هو المرشح، ويعود التركيز على هذا الاسم لفكرة أن إمام أوغلو ينهج نفس مسار أردوغان كمهنة يشغل فيها منصب رئيس بلدية إسطنبول. بالطبع، إنه محافظ نسبيا بشكل أكبر من الناحية الأيديولوجية، كما أنه من منطقة البحر الأسود، لكن مع الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها مؤخرا تراجعت شعبيته كثيرا، وعلى الرغم من أنه ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري فإن كليجدار أوغلو لا يريد إظهاره كمرشح بدلا منه.
منصور يافاش -الذي تم انتخابه رئيسا لبلدية أنقرة والذي ينتمي أيضا إلى حزب الشعب الجمهوري- ورد اسمه كذلك من بين المرشحين المحتملين، ولكنه هو أيضا من حزب الحركة القومية من حيث الأصل الأيديولوجي، وليس من حزب الشعب الجمهوري.
وفي هذا الصدد، وعلى الرغم من أنه أقرب إلى حزب ميرال أكشينار "حزب الخير" فإن أكشينار لا تريد أن يكون يافاش مرشحا لأنها تخشى في حال نجاحه أن ينضم إلى حزب الشعب الجمهوري وينمو كمنافس لها، ولهذا السبب هي لا تريد ترشيحه.
الأمر المثير للاهتمام هو أن كل هؤلاء المرشحين المحتملين والأقوياء قادمون من منصب رئاسة البلدية، وكلاهما له جذور محافظة، وكلاهما يعد أصوات حزب الشعب الجمهوري في جيبه، ولكن المهمة ليست بهذه السهولة، فمن جهة هناك حقيقة أن قادة القاعدة الشعبية لحزب الشعب الجمهوري لا يمنحون أصواتهم بسهولة لشخص من أصل محافظ حتى لو أرادوا ذلك، ومن جهة أخرى إنهم على الرغم من أن لديهم جوانب مماثلة لأردوغان مثل رئاسة البلدية ومذهب المحافظة فإنه ليس هناك لأي منهم قصة نجاح، بما في ذلك كليجدار أوغلو.
ولا يمكن مقارنة أردوغان -الذي كانت حياته كلها مليئة بقصص النجاح- مع قصة أي أحد، يمكنني أن أقول إن مهمة المعارضة صعبة للغاية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس