محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس
تركيا بأعتبارها إحدى أهم مراكز القوة في المنطقة وتتاثر بشكل مباشر بكل التطورات التي تجري بالمنطقة، وتشعر بالحاجة الماسة إلى حد كبيرفي توطيد الاستقرارفي دول الإقليم الاسيوي وحتى في قارة أسيا ، وتبذل جهوداً كبيرة لإرساء مناخ السلام الدائم والاستقرار والازدهار في المنطقة. وقد بدأت تركيا في السنوات الأخيرة اتباع سياسة خارجية أكثر ديناميكية في هذا الاتجاه، وأبدت حرصاً كبيراً على إنشاء التعاون والحوار على أسس متينة في منطقة أفريقيا وآسيا الوسطى. وفي إطار الأهمية التي توليها للدبلوماسية الوقائية، بذلت تركيا جهوداً فعالة لحل النزاعات القائمة بالطرق السلمية، وقادت الكثير من مبادرات الوساطة في مناطق جغرافية واسعة ، وهذا جزء من تقرير وزارة الخارجية التركية .
وترى تركيا أن تراجع احتمالات اندلاع الخلافات والنزاعات في المنطقة سيساهم بشكل مباشر في تطور تركيا. وبعبارة أخرى، إن تعزيز أسس السلام والاستقرار في المنطقة من شأنه أن يسهل إنشاء جو من التعاون المستند إلى تحقيق المصالح المتبادلة والذي تسعى تركيا إلى إنشائه في المنطقة المحيطة بها
وانطلاقا من هذا المفهوم، بذلت تركيا خلال السنوات الأخيرة الكثير من الجهود الفعالة لحل الكثير من المشاكل سواء في المنطقة المحيطة بها أو حتى في المناطق البعيدة عنها.
ومثلما تتميز العلاقات التركية مع الجزائربكونها بنيت على أساس الروابط التاريخية الأخوية والمصالح المشتركة والثقة المفعمة بالحميمية وتتطور بشكل ملحوظ وخلال السنوات الأخيرة أصبحت العلاقات التركية الجزائرية نموذجا يحتذى به في القارة الافريقية ، فان العلاقات التركية مع الرباط لايقل شأنا عن علاقاتها مع الجزائربل لاتقل أهمية أيضا ، وبأختصار أن أنقرة تمتلك علاقات اخوية مع الجزائر والرباط على حد سواء وان الثقة المتبادلة بين انقرة وكلا من العاصمتين العربيتين يحتم عليها ان تفكر جديا ـ أو ربما أنها بادرت في وقت ما في تناول الخلاف الجزائري المغربي كأحدى مبادراتها في توطيد الامن والاستقرار في شمال القارة الافريقية وبين دولتين جارتين تربطهما روابط لاتعد ولاتحصى وأولها كونهما دولتان جارتان مسلمتان وعربيتان .
الخلافات الغير المبررة والتي تصل الى حد قطع العلاقات وإيقاف كافة التعاملات الجزائرية مع المغرب وصلت الى مرحلة غير قابلة للتصور مثلما هي غير قابلة لأدراك السبب الرئيسي لتلك الخلافات ، وهذه الخلافات لاشك أنها مؤذية جدا للطرفين .
فمن حيث المفهوم العام فأن السبب الأوحد أو الرئيسي في سوء العلاقات هي في أثارة مسألة الصحراء المغربية وبمساندة الجزائر لجبهة البوليساريو الانفصالية والمدعومة من بعض الدول الاوربية بالإضافة الى الجزائر ، بالإضافة الى وجود خلافات حول ترسيم الحدود ـ وهذه من الخلافات الثنائية والتي لم يستطرق لها الطرفان في المحافل الدولية والإقليمية .
المساندة الاوربية لجبهة البوليساريو مفهومة تماما لانها ورقة ضغط تشهرها هذه الدول ضد المغرب وهي ليست بالغربية عليهم أبدا ، لأنهم أي الغرب عموما ينتهجون خاصية الصيد في الماء العكر ولا شي غيره فهم غالبا لايمتلكون أدوات ضغط أخرى سوى التبجح بحقوق الانسان ومسألة الأقليات وأثارة تبعية المناطق وغيرها من الشعارات التي يرفعونها ولايعملون بها ألا عندما يحتاجونها أثناء مراسيم الابتزاز، وعليه وكما عودنا الغرب على اساليبهم فلا مجال هنا للأستغراب من موقف أوربا والغرب عموما من مسألة دعمها لجبهة البوليساريو والتي تتبع منهجا فكريا يساريا مخالفا للفكر الغربي تماما .
ألا أن الموقف الجزائري بمساندتها لجبهة البوليساريو الانفصالية ضد وحدة أراضي المغرب يطرح الكثير من التساؤلات ويبحث عن المبررات التي على أساسها يتوضح الموقف الجزائري من الصحراء ، وربما أن التساؤلات تكون غربية فعلا لأن العلاقات الشعبية وحتى الرسمية التاريخية أقوى بكثير من أن توضع على الرفوف ويستعاض عنها بمواقف أشبه للعداء بين البلدين .
وهنا أنقل ماقرأته من مصادر مختلفة حول العلاقات المصيرية بين أبناء البلدين في تاريخنا القريب والذي يؤكد على التعاون فيما بينهما لانهما يشتركان بعوامل الدين واللغة والثقافة والقرابة والتداخل الاسري .
وان التوافق والتعاون في علاقات البلدين والشعبين والسائد بينهما توضح كثيرا عندما اشتركتا في النضال ضد المستعمر الفرنسي والكفاح المشترك ضد الاستعمار ووحدة المصير المشترك والنهج والتعاضد ( وطالما اعتمدت الجزائر على الحدود المغربية واتخذتها بمثابة القاعدة الخلفية لجبهة التحرير الوطنية الجزائرية. وحتى تاريخ استقلال الجزائر ارتبطت النخب في البلدين بعلاقات وثيقة، بل بروابط عائلية أحيانا، وهناك العديد من الأمثلة على شخصيات سياسية معروفة بصلاتها بكلا البلدين في ذلك الوقت ) ..
وأتابع قراءتي ـ وعلى سبيل المثال كان المغربي عبد الكريم الخطيب وهوسياسي ووزير مغربي ومن أشد مؤيدي النظام الملكي المغربي، ينحدر من أصول جزائرية. وكان ابن عمه يوسف الخطيب قائداً لجيش التحرير الوطني الجزائري خلال حرب التحرير الجزائرية. أما على الجانب الجزائري فكان شريف بلقاسم السياسي البارز الذي ينتمي لمجموعة "وجدة" -وهي الفصيل المؤيد للرئيس الجزائري السابق هواري بومدين والذين استخدمهم في الاستيلاء على الحكم في صيف عام 1962- مغربي الأصول. وحتى الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقه، وهو بالطبع جزائري الأصل إلا أنه مغربي المنشأ.
وبسبب وجود هذا النوع من التعاون في أحلك الظروف والمستعمر داخل البلد ويملك كل وسائل التنكيل والاستبداد والقهر ، والشعبين ماضيين بالمؤازرة والتعاضد في قضيتهما المصيرية أساسها الروابط المتينة والدائمة التي لاتنضب .
ومن هنا نرى أن العلاقات الأخوية الحميمية لابد ان تسود من جديد ، وحتما ستعود عاجلا أم أجلا والمبادرة المغربية وعلى لسان عاهل المغرب توحي بوجود توجه حقيقي في هذا الاتجاه ، وأرى أن اية مبادرة اخوية تجاه وضع الخلافات الأخوية في خانة الرفوف العالية أو حتى محوها قد آن حينها ، وأن تركيا اهل لهذه المبادرة التاريخية التي تنهي فترة رمادية في حياة الشعبين .
أتمنى ذلك كما يتمنوه الشعبين الشقيقين .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس