ترك برس - العربي الجديد
يشارك قرابة خمسة ملايين شاب تركي للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقررة في 14 مايو/أيار الحالي، ما يعني أن هؤلاء ستكون لهم كلمتهم في هذه الانتخابات، إذ يعادل عددهم قرابة 7.5 في المائة من إجمالي عدد الناخبين (64 مليوناً و113 ألفاً و941 ناخباً)، وغالبيتهم ولدوا بعد تولي حزب "العدالة والتنمية" الحكم في البلاد (عام 2002).
وبحسب أرقام الهيئة العليا للانتخابات، فإن 4 ملايين و904 آلاف و672 شخصاً يحق لهم الانتخابات للمرة الأولى في الانتخابات المقبلة، يضاف إليهم 47 ألفاً و523 ناخباً في حال امتدت الانتخابات الرئاسية إلى دورة ثانية، إذ يكون هؤلاء قد بلغوا الـ18 عاماً، وبذلك يقترب رقم جيل الشباب الذي ينتخب للمرة الأولى من خمسة ملايين ناخب.
جيل "زد" أو جيل "تكنوفيست"
ويطلق على جيل الشباب في تركيا جيل "زد". ويعتقد الخبراء أن هذا الجيل ولد بشكل كامل على التقنية والتطور في عالم الاتصالات والإنترنت والهواتف الذكية، ولذلك فإنه مختلف عن الأجيال السابقة. وترى المعارضة أن هذه الشريحة ناقمة على الحكومة ولهم خيال واسع ومتطلبات رفاهية تعجز الحكومة عن تلبيتها، فيما ترى الحكومة أنهم جيل واع ومدرك لتقدم تركيا في ميادين عدة، وأهمها الصناعات الدفاعية والفضائية.
ونال الجيل الجديد من الناخبين والشباب حيزاً مهماً في برامج المرشحين للرئاسة والنيابة، وأفردت لهم مساحات ضمن الحملات الانتخابية. ويسعى الرئيس رجب طيب أردوغان ومنافسه الأبرز زعيم المعارضة كمال كلجدار أوغلو، لاستمالة الشباب منذ فترة طويلة، عبر أساليب وطرق متعددة تحاكي أفكارهم واهتماماتهم، في وقت يرفض فيه أردوغان تسمية هذا الجيل باسم جيل "زد"، ويطلق عليهم اسم جيل "تكنوفيست"، وهو مهرجان الفضاء والطيران الذي تنظّمه تركيا منذ سنوات عدة (اختتمت فعاليات النسخة السابعة منه الإثنين الماضي) ويستهدف إمكانيات الشباب وذكاءهم.
جدلية جيل الشباب والناخبين الجدد في تركيا تنبع من أن أغلبهم وُلدوا مع تولي حزب "العدالة والتنمية" الحكم منذ 21 عاماً، ما أدى إلى استقرار البلاد سياسياً، فلم يشهد هذا الجيل أزمات سياسية وحكومات ائتلافية، ما يجعله أبعد عن معرفة تاريخ البلاد، وهو ما يدفعه إلى الإحساس بالحاجة إلى التغيير.
بداية الاهتمام بجيل الشباب كان من قبل المعارضة، التي استهدفته مع فترة انتشار وباء كورونا، وانزعاج الشباب من الإجراءات التي اتُخذت وفرض الدراسة عن بعد والتأثيرات الاقتصادية اللاحقة، فبدأت خطاباً تجاههم، متعهدة بالاهتمام بمطالبهم وتحسين أوضاعهم والاستماع إلى همومهم وتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية من أجلهم، والرفاهية الاقتصادية.
ولجأ المرشح الرئاسي للمعارضة كلجدار أوغلو (حزب الشعب الجمهوري) إلى وسائل التواصل الاجتماعي من أجل توجيه خطاب للشباب، وبدأ ببث فيديوهات منذ نحو عامين من منزله، متحدثاً عن همومهم وهموم الشعب. ونشر كلجدار أوغلو مقاطع مصورة من منزله المتواضع، الذي أثار اهتمام الشباب بشكل كبير مقارنة مع أردوغان وقصره الرئاسي. إلا أن تكرار المقاطع وتنوع مواضيعها، وظهور تناقضات في الخطاب، أفقده جزءاً من الحماسة الشبابية، علماً أن المرشح الرئاسي عن المعارضة يواصل تصوير المقاطع مستهدفاً كافة شرائح المجتمع.
كما عمل كلجدار أوغلو بعد إعلانه الترشح إلى الانتخابات، على فتح حساب له عبر منصة "تيك توك" الشهيرة لدى الشباب في تركيا، ونشر مقطعاً قال فيه إنه اشترى أدوات تصوير وإضاءة، على أن ينشر مقاطع يتفاعل فيها مع الشباب، مقدماً لهم وعوداً بحل مشاكلهم.
أما أردوغان فعمل منذ أكثر من عام على عقد لقاءات مع طلاب الجامعات خلال زياراته للولايات التركية على شكل سهرات متنوعة حافلة بالنشاطات والموسيقى والإجابة على أسئلة توجه إليه، والغناء مع الشباب، إضافة إلى الاهتمام بإنشاء المكتبات الوطنية وتقديم خدمات الإنترنت والأطعمة والمشروبات فيها لراحة الشباب والطلاب.
ودعم أردوغان مهرجانات "تكنوفيست" التي تجرى على أرض مطار "أتاتورك" الدولي في إسطنبول وتُعرض فيها أحدث التقنيات، وأهمها المسيّرات التركية والأسلحة الحديثة والطائرات والدبابات. ويشهد هذا المهرجان سنوياً عروض طيران، ويزوره عدد كبير جداً من المواطنين أغلبهم من الشباب، كما يتضمن إجراء مسابقات للمشاريع الشابة، ما دفع أردوغان إلى تسمية الجيل الشاب التركي بجيل "تكنوفيست"، فضلاً عن استخدامه وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة أيضاً.
وفي برنامجه الانتخابي، وعد أردوغان الشباب برفع الضريبة عن أول هاتف ذكي وحاسوب للشباب يشترونه والبالغ 18 في المائة، وتقديم باقات مجانية من الإنترنت وتسهيل قروض للزواج. كما قدّم كلجدار أوغلو عبر تحالف الشعب المعارض وعوداً مشابهة.
شباب تركيا متحمسون للتصويت
الشابة فاطمة جاران (19 عاماً)، ستصوت للمرة الأولى في الانتخابات، قالت لصحيفة "العربي الجديد": "لم أكن أتوقع هذا الاهتمام بصوتي الأول من قبل الجميع، حيث إني تلقيت رسائل من قبل المرشحين والأحزاب المختلفة لأن أقترع لهم كونه الصوت الانتخابي الأول، فكل يوجه دعايته باتجاه التصويت له".
ووصفت جاران شعورها بـ"الغريب بعض الشيء، لكن الجميل"، مؤكدة أنها ستستخدم صوتها في الانتخابات. وأضافت: "لديّ ميول لناخب محدد لا أرغب في ذكر اسمه، إلا أن عائلتي أيضاً ترغب وتضغط باتجاه التصويت لصالح جهة معينة، على اعتبار أني لا أعلم كثيراً من تاريخ البلاد، وبالتأكيد سينعكس ما يقوله والدي على قراري يوم الانتخابات".
وشدّدت هذه الناخبة الشابة على أن "الأوضاع في تركيا تحتاج إلى مزيد من التطوير، على الرغم مما وصلت إليه من تقدم، ويجب على أي حزب أو جهة تتولى الحكم أن تواصل المسيرة، ويجب على الأحزاب أن تركز على هذا الأمر لكي يحافظ الشباب على المكتسبات التي حصلوا عليها وكذلك يتعزز وضع تركيا أكثر".
من جهته، قال الشاب عمر فاروق دمير، البالغ من العمر 21 عاماً، لـ"العربي الجديد"، إن الشباب "يشككون في المرشحين الحاليين، وهناك صراع كبير في ما بينهم، ويبرز الرئيس أردوغان بما قدمه، ويقدم كلجدار أوغلو ومحرم إنجه وعوداً براقة أيضاً، ما يضع بعض الشباب في حيرة وتردد".
ولفت دمير إلى أنه "بحكم دراستي الإعلام واطلاعي على الأوضاع الدولية والمحلية، أرى أن الرئيس أردوغان يشكل عامل ثقة لشريحة واسعة من الشعب، وفي الوقت نفسه تشكل الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار والتضخم عامل قلق آخر لشريحة أخرى من ذوي الدخل المحدود، وهو ما يدفعهم لتجربة البديل والمطالبة به".
وبيّن دمير أن "الشباب منقسمون، وبالتأكيد هناك شريحة منهم تتأثر بآراء عائلتها وأسرها، فأيديولوجيات ذويهم تنتقل إليهم سواء أكانوا من التيارات المحافظة أم العلمانية، ولكن ما نراه في الجامعات هو وجود مطالب بالتغيير بعد استمرار حكم العدالة والتنمية لسنوات طويلة".
وعود المرشحين في عيون الشباب
ومعلقاً على أهمية تصويت الشباب والناخبين الجدد، رأى الصحافي إبراهيم آباك، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الانتخابات الأخيرة في تركيا مضى عليها خمس سنوات، والانتخابات الحالية يشارك فيها جيل ولد وترعرع بعد عام ألفين، وكبر هؤلاء في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، ولم يعرفوا كما الأجيال السابقة تركيا القديمة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ولا يدركون الخلافات بين رؤساء الجمهورية، ورؤساء الوزراء، ومشاكل الوزارات، بفضل قوة حكم العدالة والتنمية التي قادت إلى تطوير البنية التحتية بشكل كبير، وتم حلّ كثير من المشاكل منها الحجاب".
وأوضح آباك أن "الجيل الجديد لم يشهد هذه التغيرات أو يعرف سببها"، مشيراً إلى أن "الشباب ينقسمون حالياً إلى قسمين: الأول أدرك خلال السنوات الأخيرة تقدم تركيا في الصناعات الدفاعية والتطورات الكبيرة، وأهمية تقدم وقوة تركيا من خلال المشاريع التي دشنت أخيراً ويدركون أهمية السيارة الوطنية "توغ"، والمسيّرات التي اكتسبت شهرة عالمية، ولديهم طموحات في الدراسة والمساهمة في ذلك، وبالتالي هؤلاء سيصوتون لحزب العدالة والتنمية".
وأضاف الصحافي التركي أن "هناك قسماً آخر ليس مطلعاً على المشاكل السابقة والأزمات الاقتصادية، وقد يتأثر هؤلاء بأيديولوجيات معينة، لا سيما من هم في كنف المعارضة الذين قد لا يدركون أهمية ما حصل، وهؤلاء في النهاية يتأثرون بدعايات المعارضة، وبالتالي تذهب أصواتهم إليها".
ووفق هذه المعادلة، رأى آباك أن "نصف أو أكثر من نصف الشباب قد يصوتون لصالح حزب العدالة والتنمية، لاسيما بعدما وعد أردوغان الشباب بقروض للمقبلين على الزواج، ومنح للطلاب وتأمين السكن الجامعي وغيرها".
وشدّد الصحافي التركي في هذا السياق على أن أردوغان "لا يزال يحظى بالثقة بأنه سينفذ وعوده، على الرغم من الظروف الصعبة والأزمات الاقتصادية التي تشهدها تركيا، إذ أنه نجح سابقاً في تنفيذ وعوده بعد الكوارث وحالياً الزلزال. فيما كلجدار أوغلو غير مجرب من قبل هذا الجيل، لكنه قطع أخيراً وعوداً قد ينفذها وقد لا ينفذها، وقد يمنح الفرصة لاختباره من قبل جيل الشباب". وختم بقوله إن "الانقسام في البلاد يبدو في النهاية منعكساً حتى على جيل الشباب، ومن الصعب الحكم حالياً على ميولهم ولكنهم يشكّلون أصواتاً مؤثرة في النتائج بكل تأكيد".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!