صالحة علام - الجزيرة مباشر
صدمة مروعة أصابت الراغبين في اختفاء حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان من المشهد التركي، بعد أن تصدر تحالف الشعب -الذي يضم أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والرفاه من جديد والهدى بار- نتائجها. ولا يختلف في هذا الشعور المتابعون لتلك النتائج في الغرب عن نظرائهم في الشرق.
مرجع هذه الصدمة يعود في المقام الأول إلى الرغبة الدفينة التي تحركهم جميعا على اختلاف توجهاتهم ودوافعهم لإنهاء حكم الرئيس أردوغان، واقتلاع مشروعه السياسي من جذوره، ودفن الآمال والطموحات التي أحاطت به غير مأسوف عليها. وقد عززت هذا التوجه ورفعت سقف طموحاتهم، نتائج استطلاعات الرأي العام التي ما فتئت تنشر الأكاذيب، وتروج لانتصار حاسم وسريع تحصده المعارضة برلمانيًّا بسيطرتها على الأغلبية، ورئاسيًّا عبر تفوق مرشحها كمال كليجدار أوغلو على أردوغان.
وذلك في نفس الوقت الذي نشطت فيه قوى الشر في الداخل والخارج لرسم سيناريوهات لكافة النتائج المحتملة، وكيفية الرد عليها من جانب المعارضة ومؤيديها، حيث كان من الواضح أن هناك عدة مخططات أُعدت سلفًا لمواجهة ما يمكن أن تفرزه صناديق الاقتراع، ويصب في صالح استمرار أردوغان.
الاحتمال الأول هو إعلان الهيئة العليا للانتخابات فوز مرشح الجمهور رجب طيب أردوغان وتفوقه على منافسه، لذا استبق كليجدار أوغلو هذا الاحتمال بتصريح رسمي قبل إجراء عملية الاقتراع بساعات قليلة، أعلن فيه لا يثق بالهيئة العليا للانتخابات، ولا وكالة الأنباء الرسمية المنوط بها متابعة عمليات فرز الأصوات ورصد النتائج أول بأول، ولا هيئة الإذاعة والتلفاز التركي التي تقوم ببث ونشر هذه النتائج مباشرة للجماهير المترقبة لها.
وهو التصريح الذي تلاه آخر لأكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول هذه المرة، بعد بدء عملية فرز الأصوات بساعات قليلة، نافيا صحة الأرقام المعلنة التي يتم تداولها في وسائل الإعلام، متهما وكالة الأنباء الرسمية بالكذب، ومؤكدا أن مصادرهم الخاصة داخل لجان الفرز تؤكد تفوق مرشحهم وحصده لأصوات الناخبين، وأن ساعات قليلة تفصل بينهم وبين الإعلان الرسمي عن ذلك.
تصريح إمام أوغلو، عززه كليجدار أوغلو بالتغريد على منصة تويتر مهنّئًا مؤيديه، قائلًا: “نحن نتقدم”، في إشارة واضحة إلى حدوث تزوير لصالح أردوغان إذا لم تخرج النتائج وفق ما يتمنونه ويرغبون فيه.
كان من الواضح أن الهدف هو إثارة الشكوك، والطعن في حقيقة الأرقام المعلنة، وكأنها دعوة مبطنة، وإشارة خفية للاستعداد وبدء تنفيذ السيناريو الذي كان معدًّا لنشر الفوضى، ودفع مؤيدي أحزاب المعارضة للخروج احتجاجًا على هذه النتائج، الأمر الذي سيستدعي بالضرورة خروج مؤيدي أردوغان لدعمه، مما كان سيؤدي إلى حالة من الارتباك لدى القيادة السياسية، لتعم الفوضى أنحاء البلاد.
وفي سبيل تحقيق هذا السيناريو القاتم، قامت أحزاب المعارضة بإعداد وتجهيز عدة قنابل يمكن توظيفها وقتما تشاء، واستهلت هذا الأمر بعقد تحالفات، وإطلاق الكثير من التصريحات، والدخول في قضايا شائكة لم يعتد الناخب التركي طرحها للنقاش خلال الحملات الانتخابية.
أولى هذه القنابل، كانت هي التحالف غير المنطقي الذي تم بين حزب الشعب الجمهوري الكمالي العلماني، وبين حزب الشعوب الديمقراطي اليساري الكردي، تنفيذًا لتعليمات أمريكية مشددة، ودعم واشنطن لهذا التحالف يعود إلى رغبتها في تمرير خطتها الرامية لإقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد في شمال سوريا، وهو الأمر الذي يعارضه بشدة أردوغان ويقف ضده.
حزب الشعب الجمهوري لم يأخذ في اعتباره الأضرار التي يمكن أن تلحق بالقاعدة التصويتية لشريكه في تحالف الطاولة السداسية حزب الجيد الذي يرتكز على أيديولوجية قومية متشددة، فالمهم لديه الوصول إلى السلطة حتى ولو كان ذلك على جثث حلفائه.
كما تجاهل الصراع الذي يمكن أن يندلع بين القوميين الأكراد المؤيدين لحزب العمال الكردستاني ونظرائهم الأتراك، وهو الصراع الذي ظهرت أولى بوادره في هولندا أثناء قيام الأتراك المقيمين هناك بالتصويت، إذ تعرضوا لهجوم مباغت من عناصر تنتمي لحزب العمال الكردستاني وفق ما أذاعته وسائل الإعلام، بعدما تردد أن غالبيتهم سيصوتون لصالح أردوغان، مما أثار حالة من الرعب والفزع دفعت العديد منهم إلى مغادرة المكان قبل الإدلاء بأصواتهم.
أما ثانيتها فهي هؤلاء العلمانيون المتلهفون إلى العيش وفق القواعد الكمالية، الراغبون بشدة في عودة تركيا مجددا إلى الطريق الذي رسمه لها مصطفى كمال أتاتورك، والعمل على تحقيق حلمه بالانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وهم فئة تم شحنها بقوة خلال الحملات الانتخابية، وإحياء الأمل لديها بأن تحقيق هذا يمر عبر إزاحة أردوغان وحزبه عن السلطة.
هؤلاء كانوا ينتظرون إشارة واحدة للخروج إلى الشوارع، والاحتجاج إذا ما تم إعلان فوز أردوغان من الجولة الأولى، واستمراره على رأس السلطة، وهو ما سيدفع بطبيعة الحال الإسلاميين إلى الخروج لمواجهتهم، للدفاع عن رئيسهم، وحماية مكتسباتهم التي ينعمون بها في ظله.
أما القنبلة الثالثة التي تم إعدادها بدقة فتتمثل في إثارة المذهبية بين أبناء الشعب التركي، الذي تنتمي غالبيته للمذهب الحنفي، من خلال تزايد الحديث عن انتماء كمال كليجدار أوغلو للطائفة العلوية داخل تركيا، وأن هذا يمكن أن يكون مؤثرا في حظوظه في الانتخابات، وقد يمثل حجر عثرة في طريق فوزه بمنصب الرئاسة، ليتم ظهور الرجل بنفسه بعد ذلك في فيديو تم تصويره خصيصا ليتحدث عن أنه رغم كونه علويًّا فإنه سيكون رئيسًا لجميع أطياف الشعب التركي.
وذلك رغم أن العادة جرت في أي استحقاقات انتخابية تُجرَى بتركيا على أن عملية اختيار المرشحين سواء للرئاسة أو البرلمان، يكون التفضيل بينهم وفق انتماءاتهم الأيدلوجية، وقدراتهم السياسية، وخبرتهم العملية، وليس وفق عقيدتهم الدينية أو انتماءاتهم المذهبية.
الخطة الشيطانية التي رسمتها قوى الغرب، وسعت المعارضة لتنفيذها وهي مغمضة العينين، دون تفكير في تداعياتها على سلامة المجتمع التركي، لم تضع في اعتبارها أدنى احتمال بأن لا يحرز أحد المتنافسين الأغلبية المطلوبة للفوز بمنصب الرئيس، مما يعني إمكانية إعادة العملية التصويتية مرة ثانية، وهو ما حدث بالفعل، ليُصدم الجميع، ويسود الصمت، فلا تشكيك ولا اتهامات بالتزوير، ولا رفض حتى للنسب التي حملتها النتائج المعلنة، فالأمر لم يكن في حُسبان أحد.
وهكذا خرج تحالف الشعب منتصرا في أصعب معركة انتخابية خاضها على مدى تاريخه، محتفظا بجبهته صلبة متماسكة، محققة الأغلبية داخل البرلمان، وتم إفشال سيناريوهات الفوضى من خلال الذهاب إلى مرحلة ثانية في الانتخابات الرئاسية والتحالف أكثر ثقة وراحة، حيث ضمن أردوغان تفوقه على منافسه من خلال ما كسبه من أصوات جديدة، بعدما ضم لجبهته حزب الهدى بار الكردي الإسلامي، الذي يؤمن بوحدة الدولة، ولا يسعى إلى تمزيق أشلائها، وحزب الرفاه من جديد بقيادة فاتح نجل أربكان.
وليتأكد أنصار الراحل نجم الدين أربكان من أن تلميذه أردوغان ابن بار وفيّ، لا يزال حافظا للعهد، الأمر الذي أعاد إليه أصواتهم مجددا، وقوى دعائم جبهته على الساحة، في حين غرقت المعارضة في الأزمات، وارتفع أنين أحزابها من جراح متعددة أصبحت تعانيها، إلى جانب ارتفاع حجم الأصوات المطالبة باستقالة كليجدار أوغلو من رئاسة الحزب بعد أن فشل فشلا ذريعا أمام أردوغان على صعيدين هذه المرة، برلمانيًّا ورئاسيًّا، ألم نقل إن في الإعادة إفادة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس