عزمي عبد الرازق - الجزيرة مباشر

ما زلت أذكر ذلك المقطع الحربي الدعائي الذي نشره الجيش السوداني، قبل حرب الخرطوم بأيام قليلة، لطائرات مسيّرة تستهدف رتلًا عسكريًا، في معركة افتراضية، تحولت اليوم إلى حرب حقيقية بالفعل، ورأينا المسيّرات تحلّق بكثافة في سماء الخرطوم، وقد منحت الجيش ميزة تفوقية، لكن سرعان ما انقلبت الموازين بعد ذلك، عندما فوجئنا بأن قوات الدعم السريع تمتلك أيضًا المسيّرات ذاتها، وتهاجم بها مواقع الجيش!

استخدام الطائرات المسيّرة في حرب الخرطوم، لأول مرة، نقل المعارك نقلة نوعية، وهي التي يتم التحكّم فيها عن بعد، وبتكلفة بشرية أقل، لكنه في الوقت نفسه أبطأ تقدم القوات على الأرض، وتسبب في تأخير الحسم، بصورة شعر فيها كثير من الناس أن هذه الحرب طويلة الأمد.

كان من الطبيعي أن تتدخل أطراف خارجية في هذا القتال، لأن للسودان حدودًا مفتوحة مع سبع دول، وثروات هائلة تحت الأرض وفوقها جلبت أطماع المحاور الكبرى، ولذلك تم تزويد ميليشيا الدعم السريع بمنظومة أسلحة متطورة وخطوط إمداد مفتوحة، منها الطائرات المسيّرة، لتنهار الدولة ويصبح التدخل الخارجي حتميًا، وقد ظهرت المسيّرات أول مرة بحوزة الدعم السريع في معركة الاستراتيجية وسط الخرطوم، ونجح عبرها في السيطرة على ذلك الموقع المهم، وظهرت مرة ثانية في معركة اليرموك والاحتياطي المركزي، جنوب الخرطوم، وتم بها استهداف مستشفى السلاح الطبي وإصابة بعض المدنيين، لكنها عند الهجوم على سلاح المدرعات وقاعدة وادي سيدنا الجوية أصبحت أقل فاعلية، وتم إسقاط بعضها، وعلى نحو أكثر دقة تم ضرب مراكز التحكم فيها، لكن ثمة سؤال لا يزال يحيّر الكثيرين، وهو من أين حصل الدعم السريع على الطائرات المسيّرة؟

يبدو أن الدعم السريع حصل على المسيّرات عن طريق دولة حليفة له، وتم تهريبها عبر سهول البطانة في شرق السودان، أو ربما غنمها من خلال احتلال بعض المقار العسكرية للجيش، مثل مصنع اليرموك الحربي، لكن بعض المصادر ذكرت أن الجيش هو الذي زوّد الدعم السريع بتلك المسيّرات، وأجرى عليها تعديلات بهدف مراقبة الحدود ومطاردة المهربين، إلا أن السماح للدعم السريع بالحصول على تلك المسيّرات ومضادات الطيران، أيًا كانت الأسباب، فهو خطأ لا يُغتفر، واليوم دفع الجيش السوداني ثمن ذلك التهاون، ووجد صعوبة في إخضاع قوة عسكرية تمردت عليه، وشنت حربًا بلا هوادة على السودانيين جميعهم.

في تحقيق لفريق “إيكاد”، وهي منصة تحقيقات شهيرة، تبيّن أن الذخائر التي حملتها مسيّرات الدعم السريع وأسقطها الجيش صُنعت بوساطة شركة “Yugoimport” الصربية، كذلك ذكر موقع “المها oryx” المتخصص في التحليلات العسكرية، أن تلك المسيّرات يُرجح أنها من أصل صيني، وتم تعديلها ليتم تزويدها بقذائف الهاون، ما يعني أن إمكانية وصول المسيّرات المُعدّلة إلى الدعم السريع ممكن، خصوصًا وأن هذه القوات ما زالت تقاتل في اليمن، وهنالك طرق عديدة عبر البحر الأحمر يمكن استخدامها في تهريب المسيّرات إلى العاصمة الخرطوم.

المثير في الأمر أن تحركات عبد الرحيم دقلو قائد ثان لقوات الدعم السريع في بعض البلدان المجاورة كان الهدف منها الحصول على أسلحة، وقد وصل دقلو منتصف هذا الأسبوع إلى قاعدة دبرزيت الإثيوبية عبر طائرة خاصة، وهى قاعدة عسكرية للطيران المسيّر على بعد 50 كيلومترًا من إقليم الأمهرا، ما يعني أن هنالك صفقة بين دقلو وآبي أحمد للحصول على مسيّرات، بعد أن أثبتت فعاليتها في حرب الخرطوم، ويريد أن يحافظ بها على ما تبقى من قواته، وعلى توازن القوى لكسب المزيد من الوقت، والدخول إلى مفاوضات جدة بانتصارات ميدانية للحصول على مكاسب سياسية، لكن بعد غلق السودان حدوده مع إثيوبيا وسيطرة الجيش على الولايات من الصعوبة نقل تلك الطائرات إلى العاصمة الخرطوم، فضلًا على أن استخدامها دون تدريب كاف، وعلى يد ميليشيا سوف يتسبب في دمار البُنى التحتية وسقوط الضحايا المدنيين.

بالرغم من التقارير الإعلامية التي تحدثت عن تسلم الجيش السوداني دفعة أولى من طائرات “بيرقدار” التركية، إلى أنها حتى اليوم لم تدخل الخدمة العسكرية، ولم تظهر في المعارك، وهي طائرات ذات موثوقية عالية، وأثبتت جدواها القتالية في أوروبا الشرقية وإفريقيا، وسوف تمنح الجيش السوداني ميزات تفوقية، وقدرة على حسم التمرد، وهي أيضًا فرصة نادرة لتطوير قوة جوية كبيرة بأقل تكلفة ودون حاجة للصرف المالي على تدريب قوات النخبة.

لا شك أن السلاح الجوي السوداني هو الأكثر فعالية حتى الآن في حرب الخرطوم، وذلك من خلال استخدام مقاتلات من الجيل الرابع، “السوخوي” و”الميغ 29″، لكن سقوط تلك الطائرات أيضًا نتيجة لأعطال فنية أو بسبب المضادات الأرضية، كان لافتًا ومُحزنًا، خصوصًا منظر الطيارين الأسرى، ما يعزز الحاجة إلى أهمية دخول “البيرقدار” التركية في هذا القتال، لشل حركة الدعم السريع، وحسم هذه الحرب لصالح الجيش السوداني، فلا يعقل أن تمتلك قوة من طراز “بيرقدار TB2” قادرة على تدمير الأهداف بشكل دقيق ولا تستخدمها في معركة مصيرية، مثل معركة الخرطوم، أما إذا لم يتسلّم الجيش الدفعة الأولى من تلك الطائرات بعد، فهذا هو الوقت المناسب ليعجّل بها.

عن الكاتب

عزمي عبد الرازق

كاتب وصحفي سوداني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس